سيمفونية الأسوار والخنادق
نظام مارديني
تشهد مأساة العراق فصلاً جديداً افتتحه سابقاً مسعود البرازاني رئيس ما يسمى إقليم كردستان، حيث قيل إنه خندق للوداع مع العراق الموحّد، يقابله حالياً مشروع سور بغداد الذي شرعت الجهات النافذة في العراق في تنفيذه فبدلاً من مد بغداد جسور الاستقطاب والتفاعل الجامع كل مكونات العراق ومناطقه نجده يعزلها سور العبادي عن عراقها الموحد.
وإذا كان الهدف من سور بغداد هو «بداية صفحة لتقسيم العراق»، باعتباره مشروعاً طائفياً، يرومُ تغيير ديموغرافية العاصمة وما يُحيط بها من مناطقٍ، خصوصاً أنه إذا كان الهدف من إنشاء السور حجة أمنية، لشمل مناطق بغداد، فحسب. لأن بغداد عاصمة جميع العراقيين وتبقى لهم جميعاً، ولا يمكن لسور أو جدار أن يعزلها أو يمنع باقي المواطنين من دخولها. وليس كل من يعترضُ عليه، إنّما يخدمُ أجندة «داعش»، كما قالت النائبة عن ائتلافِ دولة القانون – عالية نصيف، رغم أننا نتفق معها على أهمية حماية العاصمة من الإرهاب والجريمة، بأشكالهما كافة. مثلما اعتبر العضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني صبحي المندلاوي أن الهدف من «مشروع الخندق» هو أمني عسكري، مؤكداً عدم وجود علاقة بين حفر الخندق وموضوع «ترسيم الحدود».
وما يدعو إلى الاستغراب أن «سور بغداد» جاء متزامناً مع «خندق البرزاني»، كما سميَّ للإشارة إلى دعوة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني الذي رسم حدوداً للمناطق التي سيطر عليها، وقام بتهجير أهلها، لاسيّما وأنّ منظمة العفو الدولية، أقرّت بقيامِ قوّات البرزاني، بتهجير سكان تلك المناطق وهدم منازلهم، ولذلك أطلق عليه «خندق الوداع مع العراق». ما يشير إلى بعد سياسي يهدف من خلال هذه الحواجز عزل منطقة تصنف بأنها معقل صنع القرار السياسي والمتمثل ببغداد وأربيل أو في إطار التقسيم الذي بات واضحاً، وإن تزامن إنشاء طوق وحزام بغداد مع الخندق في كردستان يدلّ على رسم حدود جديدة سواء للعاصمة بغداد أو لعموم العراق، ومن دون أن يكون هناك تفسير واضح من قبل صانع القرار السياسي في بغداد وأربيل لتحقيق عنصر الإقناع للرأي العام العراقي.
حتى لحظة طبع هذه المقالة، يتواصل عزف سمفونية «التقسيم» التي أعدها ووضع لحنها كل من العبادي والبرزاني وسط حراك سياسي أصبح في درجة الغليان.. كل يدلو بدلوه وكل يطرح قضية التقسيم من منطلقاته وفلسفته ورؤيته، بالأسوار أو الخنادق.
خيط رفيع لا يزال يقطر حكايات الأسوار والخنادق… وهي حكايات عرجاء أرهقها فقدان فكرة المواطنة والانتماء والهوية.
حتى لحظة طبع هذه المقالة، يتواصل عزف سمفونية «التقسيم» التي اعدها ووضع لحنها كل من العبادي والبرزاني وسط حراك سياسي اصبح في درجة الغليان .. كل يدلو بدلوه وكل يطرح قضية التقسيم من منطلقاته وفلسفته ورؤيته، بالأسوار أو الخنادق.
فأي مصير للعراق وسط كمّاشة البرازاني ــ العبادي؟!