السعودية: يا قاتل يا مقتول
ناصر قنديل
– قالت السعودية بقرارها نصيحة رعاياها بعدم السفر إلى لبنان ودعوتهم للمغادرة إنها مستمرّة بالعقاب الجماعي للدولة والاقتصاد في لبنان، رغم بيان الحكومة اللبنانية، معلنة أنّ سقف ما تريده كي ترضى هو الانقلاب في لبنان الرسمي إلى حدّ إعلان الحرب على حزب الله وتأديب التيار الوطني الحرّ، لسبب لا يتصل بموقف الوزير جبران باسيل في مؤتمرَي القاهرة وجدّة، بل بسبب الانخراط في تحالف مع حزب الله، وتعلن السعودية عبر قرارها الذي تبعته الإمارات بقرار منع الرعايا من التوجه إلى لبنان عن نية سياسية مبرمجة، بحصار مالي على لبنان، قد يتواصل ليطال سحب ودائع، ووضع سقوف للتحويلات من أموال الشركات والعاملين اللبنانيين في الخليج، وبدء ضغوط تستهدف سوق العقارات بطرح ملكيات خليجية في «سوليدير» وغيرها للبيع، ضمن عملية إغراق إفلاسية للأسواق العقارية، وستشهد وسائل الإعلام التي تنام على حرير الإعلانات الخليجية التي تُتخذ بقرار سياسي، ضغوطاً حادّة تتضمّن دفتر شروط قاسياً محوره المطالبة بموقف عدائي واضح من حزب الله كشرط لتلقي أيّ أموال مصدرها دول الخليج.
– تعرف القيادة السعودية أنّ هذه القرارات بقدر ما هي مؤلمة وموجعة للبنانيين عموماً، فهي إعلان هزيمة وانسحاب من لبنان، ورفض لقبول دور سياسي يقوم على الشراكة الإقليمية التي كانت تحتلّ مقعدها في ترتيب البيت اللبناني بقوة هذا الحضور المالي، وتقول إنّ لبنان لم يعد يعنيها ساحة شراكة، فإما أن يكون تابعاً كاملاً أو فهي لا تريده جزئياً ضمن شراكة مكوّناته السياسية بحدود الممكن بينها. يقول المسؤولون السعوديون إنهم يفضلون أن يكون لبنان كدولة البحرين تابعاً مطيعاً، ولتكن فيه معارضة تمسك الشارع والأغلبية الشعبية، وإلا فليدفع الموالون لها والمعارضون معاً الثمن ويتذوّقوا مرارة التجويع والإفلاس، وتستعير شعار دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي الأسبق «من ليس معنا فهو ضدنا».
– تعرف القيادة السعودية أنّ ما تفعله هو ترجمة لقرار يحظى بتغطية أميركية، ضمن إطار خطة المسموح أميركياً في لحظة تأديب الحلفاء الفاشلين في المنطقة، ممنوعة المشاغبة على الخطط الأميركية للتسويات مع إيران وفي سورية والعراق، والحرب الوحيدة المسموحة هي الحرب على حزب الله، وهي الحرب الشاملة التي جرى الاتفاق عليها بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وقد ظهر للسعودية وفقاً لمنطق الخسائر الشاملة أنّ الخسارة في لبنان آتية مع تتابع المسارات التي تحكم ما يجري في سورية والعراق، بعودة نمط مختلف من الحضور السوري الذي لا يمكن تجاهل مقدّراته التي تمنحه إياها الجغرافيا السياسية، والتي ستزخمها جاذبية النصر السوري مع طبقة سياسية لبنانية تحترف التزلف والتبدّل والتموضع مع المنتصرين، ومع خسارتها للمكوّنين اللذين يمثل جسراً حديدياً بينهما تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، سواء في رئاسة الجمهورية أو في الانتخابات النيابية، وقد أظهر ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة أنّ نصف الربح غير ممكن، وهو يبدو الآن أنه آخر عروض التسوية السعودية، التي بشرنا أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري يوماً بأنّ الدماء ستليها، كأنّ قرار الحرب كان متخذاً على لبنان، ولو أدّى ذلك بنهاية تيار المستقبل.
– تنظر السعودية، كما تقول وقائع حربها الجديدة وتوقيتها، أنّ وقف النار في سورية الذي حدّدت له مهمة مباشرة هي فكّ وتركيب الجماعات التابعة للسعودية وتركيا، بجعل الحرب على «جبهة النصرة» التي كانت الحصان السعودي للحرب والسلم في سورية، هدفاً وشرطاً لإطلاق العملية السياسية في جنيف، يشكل رأس جبل الجليد في تظهير مشهد سوري جديد يكرّس انتصار الرئيس السوري بشار الأسد، وأنّ الرهان على مواجهة وضع يتيح إمساك شيء من لبنان المقبل مستحيلة بواسطة تيار المستقبل وسياسة التسويات. وتقول الوقائع المقابلة عن السلوك السعودي في لبنان، إنّ حرب التجويع والإفلاس التي تخوضها وتجرّ الخليج وراءها لخوضها، ستعني تحجيم تيار المستقبل الذي تحوّل رئيسه من اليوم إلى جامع تواقيع على عرائض ومنظم وفود استعطاف واسترحام إلى السفارة السعودية، وسيفقد المستقبل ورئيسه فعالية الدور القيادي في المعادلة اللبنانية التي أنتجت في موقف الحكومة أقصى ما يمكن إنتاجه لإرضاء السعودية، ويبدو أنّ القيادة السعودية الجديدة ضاقت ذرعاً بحليفها السابق تيار المستقبل وكلفة تعويمه في لبنان، قياساً بالنتائج التي تتوقعها وتتوخاها، لتعتمد بدلاً منه الجماعات المقاتلة التي أنتجت رموزاً يتقدّم صفوفها الوزير أشرف ريفي والنائب خالد الضاهر.
– يدخل لبنان مرحة فك وتركيب لحلفاء السعودية، استباقاً للفك والتركيب الذي ستشهده سورية على مستوى الجماعات التابعة للسعودية، وتبدو القيادة السعودية التي تعرف أنّ الخسارة في سورية والعراق آتية، قد قرّرت خوض حربَيْها في اليمن ولبنان تحت شعار «يا قاتل يا مقتول».