أربعة عوامل تجعل الفشل والإخفاق حليفي حكومة نتنياهو
حسن حردان
اتخاذ المجلس الوزاري المصغر لحكومة العدو الصهيوني قرار البدء بالعدوان البري والتوغل بعمق 3ـ 4 كلم في حدود قطاع غزة، ومحاولة تجنب الدخول إلى المناطق السكنية حتى لا يتم الالتحام مع مقاتلي المقاومة، ما يسقط أعداداً كبيرة من قتلى الجنود الصهاينة، كل ذلك لم يحل دون وقوع قوات العدو في كمائن المقاومة وتكبد الخسائر منذ اللحظة الأولى لبدء العملية البرية، إذ اعترف العدو بمقتل رقيب وإصابة خمسة جنود بجروح في اشتباك مع مقاومين فلسطينيين وإصابة مجنزرة بصاروخ مضاد للدروع، فيما واصلت المقاومة إطلاق الصواريخ على العمق الصهيوني. على أن قرار الهجوم البري الذي اتخذ في جلسة سرية للمجلس الوزاري الصهيوني المصغر والعملية التضليلية التي سبقته بالحديث عن التوصل إلى اتفاق وقف النار سرى مفعوله منذ صباح أمس، والهدف الرئيسي منه هو البحث عن الأنفاق بين قطاع غزة والمناطق المحتلة والعمل على تدميرها.
ولهذا فإن الصحافة «الإسرائيلية» تحدثت عن عملية جراحية غايتها تحقيق هدف محدد، بعد فشل العدوان الجوي في تحقيق أهدافه ونجاح رجال المقاومة الفلسطينية من التوغل عن طريق أحد الأنفاق إلى مستوطنة صوفا والاشتباك مع جنود الاحتلال وتمكنهم من العودة بسلام، ومع أن هذه العملية «الإسرائيلية»، التي يحاول فيها نتنياهو تحقيق إنجاز ميداني وتصوير تدمير أحد الأنفاق لحفظ ماء الوجه، إلاّ أنه سارع إلى التحسب للفشل مسبقاً بالقول: «لا نضمن نجاحاً مئة في المئة».
ويأتي ذلك في وقت حذر كبار المعلقين الصهاينة، على رغم تأييدهم للعملية البرية، من الظلام في نهاية النفق ومن مخاطر أن يتكرر في غزة ما حصل في فييتنام من إحصاء القتلى، وبالتالي ضرورة تحديد حدود للاجتياح البري وإنهائه بأقرب وقت ممكن، وهو الموقف نفسه الذي أبلغته واشنطن لنتنياهو عندما وافقت على تغطية العملية. لكنها قالت له «ليس كل الوقت معك»، والرسالة الأميركية الأوضح جاءت عبر صحيفة «واشنطن بوست» التي نبهت «إسرائيل» إلى المخاطر الناجمة عن مواجهة الجنود «الإسرائيليين» حرب عصابات في غزة وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا الفلسطينيين.
غير أنه من الواضح أن تحاول الحكومة «الإسرائيلية» من خلال الهجوم البري التأثير في المفاوضات الجارية عبر مصر للتوصل إلى اتفاق لوقف النار وزيادة منسوب الضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية لدفعها إلى خفض سقف مطالبها، لكن مثل هذا الرهان «الإسرائيلي» يبدو أنه سيواجه الإخفاق والفشل لعوامل عدة:
العامل الأول: استعداد المقاومة للمواجهة المباشرة مع جيش الاحتلال وإيقاع الخسائر في صفوفه، وهو ما كشفت عنه في اللحظات الأولى لتوغل جنود العدو في أطراف غزة، حيث اشتبكت معه وتمكنت من قتل جندي وجرح خمسة آخرين.
العامل الثاني: جاهزية المقاومة المتمثلة في مواصلة إطلاق الصواريخ على العمق الصهيوني، وبالتالي عجز الهجوم البري عن الوصول إلى منصات الصواريخ وتدميرها، ويعود ذلك إلى التموضع الذي قامت به المقاومة والذي حير الاستخبارات الصهيونية التي ظهرت فاقدة لأي معلومات عن أماكن وجود منصات الصواريخ أو قيادات المقاومة.
العامل الثالث: إن تقدم جيش العدو «الإسرائيلي» في الأراضي الزراعية لا يعد إنجازاً لأن بإمكان أي جيش في العالم أن يتقدم في المناطق المكشوفة المنبسطة، وفي المقابل فإن جيش العدو يحاذر الاقتراب من المناطق السكنية، تهرباً من مواجهة المقاومة والغرق في حرب استنزاف.
العامل الرابع: إن استمرار العدوان سوف يزيد من حدة المواجهات في الضفة الغربية وينذر باندلاع انتفاضة ثالثة، فيما هو يولد مزيداً من ردود الفعل الدولية المنددة بالعدوان الصهيوني ويجعل «إسرائيل» عرضة لضغط دولي كبير لوقف العدوان.
انطلاقاً من ذلك، فطالما لم يتمكن جيش العدو من وقف إطلاق الصواريخ واستمرت المقاومة في مفاجآتها له، وشنت الهجمات ضد قواته وأوقعت الخسائر في صفوف جنوده، وتمكنت من الاستمرار في تعطيل الحركة الاقتصادية في الكيان الصهيوني وجعل المستوطنين يقبعون في الملاجئ، فإن الفشل والإخفاق سيكونان حليفي حكومة نتنياهو، وهو ما يجعلها غير قادرة على فرض اتفاق وقف نار وفق شروطها.
«يديعوت أحرونوت»: مقتل جندي «إسرائيلي» وإصابة ثلاثة بعد وقت قصير من بدء العملية البرية
بعد ساعات قليلة من دخول قوات الاحتلال البرية إلى قطاع غزة، أعلن مقتل أحد جنود الاحتلال وإصابة خمسة آخرين.
وقال الناطق باسم جيش الاحتلال: «إن رقيباً في الجيش قد قتل أثناء فعاليات عملانية شمال قطاع غزة».
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «أن الجيش «الإسرائيلي» جدد القصف صباح اليوم أمس على شرق مدينة غزة وغربها، وأن ثلاثة من الجنود أصيبوا في اشتباك مع مقاتلين فلسطينيين وإصاباتهم متوسطة، وقد نقلوا إلى مستشفى «سوروكا» في بئر السبع».
ونقلت عن مصدر عسكري قوله: «إن اشتباكات وقعت الليلة الفائتة، والحملة البرية تتقدم بحسب المخطط، وأن 14 فلسطينياً قتلوا أثناء هجوم على مجموعات صاروخية. ومنذ الساعة الثامنة من مساء الخميس وحتى السادسة من صباح اليوم أمس ، قصف الجيش «الإسرائيلي» 143 هدفاً، منها 20 منصة إطلاق صواريخ و6 مقار قيادية».
وأضاف: «العملية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول غارات جوية على أهداف في العمق، والثاني القوات البرية التي ستعمل على تدمير أهداف، والثالث الاستعداد للمرحلة الثانية وضمن ذلك تجنيد 18 ألفاً آخرين من جنود الاحتياط». وبعد السيطرة على المناطق ستُعالج أهداف أخرى مثل الناشطين والوسائل القتالية ومنازل المقاتلين».
ونقل عن مصادر في جيش الاحتلال قولها: «هناك حديث عن حملة عسكرية بحجم قوات مختلف، حيث تشارك قوات برية ومدرعة، وسلاح الهندسة وسلاح الجو وسلاح البحرية». مضيفاً: «توغلت القوات «الإسرائيلية» في العمق بهدف السيطرة واستهداف المقاتلين الفلسطينيين والبحث عن الأنفاق».
من جهة أخرى قالت صحيفة «هآرتس»: «إن مقاتلين فلسطينيين أطلقوا الليلة الفائتة صاروخاً مضاداً للدبابات باتجاه مجنزرة عسكرية، ما تسبب بإحداث أضرار للمجنزرة، ولم ترد أنباء عن وقوع إصابات».
«هآرتس»: قرار الهجوم البري اتُخذ في جلسة سرية للمجلس الوزاري «الإسرائيلي»
كشفت صحيفة «هآرتس»: «أن العملية البرية في قطاع غزة بدأت في أعقاب جلسة سرية للمجلس الوزاري «الإسرائيلي» المصغر السياسي الأمني عقدت مساء الخميس في الكرياه في تل أبيب»، ونقلت الصحيفة عن مسؤول «إسرائيلي» قوله: «إن وزراء المجلس المصغر صادقوا على العملية البرية قبل يومين، في جلسة عقدت الثلاثاء الماضي غداة انهيار ما سمي بالمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار».
وبحسب «هآرتس» فإن «وزيرة القضاء تسيبي ليفني طلبت أن تعرض موقفها بشأن بدء الحملة البرية لحظة اتخاذ القرار بذلك. وأعلنت مساء أول من أمس تأييدها لبدء الهجوم البري على قطاع غزة في أعقاب تصعيد القتال من جانب حركة حماس».
وتابع المسؤول «الإسرائيلي»: «على رغم تخويل نتنياهو ويعالون بإصدار أوامر ببدء الهجوم البري، إلاّ أنهما أخرا ذلك في محاولة لإعطاء فرصة للجهود المصرية للتوصل إلى وقف إطلاق النار. وكان رئيس الشاباك يورام كوهين والمبعوث الخاص لرئيس الحكومة يتسحاك مولخو ورئيس الدائرة السياسية الأمنية عاموس جلعاد قد توجهوا في هذا الإطار إلى القاهرة مساء الأربعاء».
وكتبت الصحيفة: «أن رئيس المخابرات المصرية العامة محمد تهامي ونوابه قد استضافوا أعضاء الوفد «الإسرائيلي» على مائدة الإفطار الرمضانية. وبعد لقاء استمر لساعات عدة عاد الوفد إلى إسرائيل. وقال الوفد إن حركة حماس تزداد تطرفاً في مواقفها تجاه وقف إطلاق النار».
ونقل عن المسؤول «الإسرائيلي» قوله: «اكتشفنا أننا والمصريين والرئيس الفلسطيني محمود عباس لدينا موقف موحد بشأن الحاجة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، إلا أننا شعرنا أن حركة حماس تحاول تفجير جهود الوساطة المصرية وتصعيد المواجهات».
وأضافت الصحيفة أنه «بعد عودة الوفد «الإسرائيلي» صباح الخميس بتقديرات متشائمة بشأن احتمالات وقف إطلاق النار، بدأ يتبلور القرار ببدء الهجوم البري مساء اليوم ذاته». وتابعت أنه «تمهيداً للهجوم البري، بادر مكتب رئيس الحكومة إلى سلسلة من المحاولات لتضليل الإعلام، إذ أعلنت شبكة «بي بي سي» البريطانية و»رويترز» عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين «إسرائيل» وحركة حماس يسري مفعوله صباح الجمعة أمس . ولم يرد مكتب رئيس الحكومة على عشرات المراسلين والمكالمات الهاتفية لاستيضاح الأمر».
وقالت «هآرتس»: «لدى توجه المراسلين إلى وزراء المجلس الوزاري المصغر أجابوا بأنهم لا يعلمون بأية تطورات بشأن وقف إطلاق النار. وأصدر وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بياناً قال فيه إنه تحدث مع نتنياهو وأوضح له الأخير بأن وقف الإطلاق النار ليس قريباً». وبحسب «هآرتس» فقد «كان الهدف هو إعطاء حركة حماس الانطباع بأن «إسرائيل» ليست على وشك توسيع الحرب، وإنما تسعى إلى وقف إطلاق النار». وأضافت: «وعلاوة على ذلك، فقد أبلغت وسائل الإعلام بأنه حددت جلسة المجلس الوزاري المصغر للساعة الحادية عشرة من صباح اليوم أمس ، الجمعة، وذلك بهدف إيصال رسالة لحركة حماس بأن القرار ببدء الحرب البرية لن يكون في الساعات القريبة. وفي المقابل عقدت جلسة سرية للمجلس مساء الخميس».
وأشارت الصحيفة إلى أن «مكتب رئيس الحكومة، وبعد انتهاء جلسة المجلس الوزاري وقبل بدء الهجوم البري بنصف ساعة، قام بإطلاع الإدارة الأميركية على القرار بتوسيع الحرب والهجوم البري على قطاع غزة». وقالت: «بعد دقائق من بدء الهجوم البري أصدر مكتب رئيس الحكومة بياناً قال فيه إن العمليات البرية ستتركز أولاً في البحث عن الأنفاق بين «إسرائيل» وقطاع غزة وتدميرها».
«يديعوت أحرونوت»: العملية البرية جراحية وتركز على تحقيق هدف معين
انبرى المعلقون والمحللون في صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى التهليل للاجتياح البري الذي بدأت قوات الاحتلال بشنه ضد قطاع غزة الليلة قبل الماضية. واللافت أن كتاب الأعمدة الدائمين في هذه الصحف، الذين عبروا عن معارضة أو حذروا من تصعيد العدوان وخصوصاً من الاجتياح البري، على ضوء احتمال تكبد الجيش «الإسرائيلي» خسائر بشرية، وتراجع مكانة «إسرائيل» الدولية بسبب مشاهد الدمار التي سيلحقها الاجتياح، قلبوا مواقفهم رأسا على عقب وعبروا عن تأييدهم ودعمهم للاجتياح.
فقد وصف كبير المعلقين في صحيفة «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع، الذي حذر قبل يومين من مخاطر الاجتياح ، العملية البرية بأنها عملية جراحية عسكرية وأنها «ستكون مركزة من أجل تحقيق هدف معين». واعتبر أنه «لم يكن بالإمكان منع شن العملية الجراحية التي بدأها الجيش «الإسرائيلي» أول من أمس داخل غزة».
وادعى برنياع أن «استمرار إطلاق الصواريخ بحجم كبير، حتى في الساعات التي خُصصت لوقف إطلاق النار، ومحاولة التوغل عن طريق النفق إلى كيبوتس صوفا فجر أمس ، لم تُبق خياراً أمام أعضاء الكابينيت»،
من جهتها، كتبت محللة الشؤون السياسية والحزبية سيما كدمون في الصحيفة نفسها: «إن الأنفاق هي التي رجحت الكفة. وبعد إحباط العملية في صوفا، لم يبق خيار أمام الكابينيت». وأضافت: «لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية وقوع هجوم الأسبوع المقبل أو بعد نصف سنة، فقط لأن «إسرائيل» لم تفعل شيئاً. وثمة أمر واحد على الأقل لا يمكن قوله، وهو أن نتنياهو لم يفعل كل ما يمكن فعله من أجل منع ذلك. وينبغي أن نأمل أن تبقى أهداف العملية متواضعة».
أما المحلل العسكري في الصحيفة ألكس فيشمان فاعتبر أن «حماس استدعت إنزال هذه الضربة البرية على رأسها ودفعت حكومة «إسرائيل» بالقوة تقريباً إلى احتكاك أكثر عنفاً وأقل ضبطاً في البر». وأضاف: «إن كل شيء مفتوح الآن. وعلى رغم ما يبدو أنه اجتياح محدود، وغايته الاندماج في خطط دفاعية لقيادة الجبهة الجنوبية في الجيش «الإسرائيلي»، فإن الحديث يدور عن مرحلة أولى وحسب والتي بالإمكان أن تشكل أساساً لمراحل متقدمة أكثر لاحتلال قطاع غزة».
وحتى صحيفة «هآرتس»، التي تدعي أنها تمثل الوسط يسار، لم تعترض على الحرب الناشبة الآن، بل ربما هي في الواقع تعبر عن موقف هذا الوسط يسار الصهيوني. ودعت الصحيفة في افتتاحيتها إلى «وضع حدود للاجتياح والعمل على إنهائه بأقرب وقت ممكن»، محذرة من ارتكاب جرائم حرب بحق الفلسطينيين.
وكرر المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل الكليشيهات «الإسرائيلية» بأن «نتنياهو ويعلون لم يريدا شن هذا الاجتياح «لكن حماس لم تتوقف عن إطلاق الصواريخ».
لكن المحلل السياسي المخضرم في الصحيفة يوئيل ماركوس أشار إلى ثمن الاحتلال وكتب: «صحيح أننا أقوياء، لكن قوتنا بالذات هي التي حولت قطاع غزة إلى مدرسة، أو الأدق القول أكاديمية للمخربين». وأضاف: «في كل مرة نمارس فيها العنف فإننا ننمي مزيداً من الإرهابيين. وبالإمكان أن نرى في وجوه أطفال غزة، الذين يشاهدون بيوتهم تهدم بغارات سلاح الجو، أنهم سيكبرون ليصبحوا مخربين وقتلة المستقبل».
«هآرتس»: غزة مثل فييتنام… الظلام في آخر النفق أو مجموعة لحماس في طريقها لتنفيذ عملية
تناول الكاتب حامي شاليف في صحيفة «هآرتس» الحرب العدوانية على قطاع غزة مع بدء إدخال القوات البرية إلى القطاع، مشيراً إلى أن «إحصاء جثث القتلى الفييتناميين جعل الولايات المتحدة تقيّم وضع الحرب بشكل خاطئ، مثلما تفعل «إسرائيل» في إحصاء الأهداف وأطنان المتفجرات باعتبار أن ذلك أداة لتقييم قدرة وإرادة حركة حماس على القتال».
وقال شاليف: «إن وزير الدفاع الأميركي روبرت مكنمارا في عهد الرئيسين كندي وجونسون، كان مهووساً بالمعطيات والأرقام. وكان مع قائد القوات الأميركية في فييتنام الجنرال ويليام ويستمورلاند يقدسان «إحصاء جثث قتلى العدو باعتبار ذلك معياراً لنجاح أو فشل قوات الجيش الأميركي في الحرب ضد جنود الفيتكونغ وجيش فييتنام الشمالية. وكان قائد القوات الأميركية يدلي كل يوم في مركز الإعلام الأميركي في سايغون بتصريح يشمل إحصاء الجثث ليستنتج منه النصر الماثل على الأبواب».
وتابع الكاتب: «تبين أن إحصاء الجثث كان سيفاً ذا حدين، وليس فقط بسبب حقيقة أن الضباط الأميركيين بالغوا في الأرقام لينالوا مديح المسؤولين عنهم، إذ أن عدد القتلى الفييتناميين، الذين وصل عددهم الحقيقي إلى أكثر من مليون، لم يعكس بأي شكل من أي الأشكال قدرة أو رغبة العدو الشيوعي في مواصلة القتال. والأسوأ من ذلك أن عملية الإحصاء قادت الإدارة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة إلى إجراء تقييم وضع مضلل بشأن الأداء على الأرض، وخداع الجمهور الأميركي كله حول وضع الحرب».
وقال الكاتب: «غني عن البيان القول إن غزة ليست فييتنام، والجيش «الإسرائيلي» ليس جيشاً أجنبياً، وأن «إسرائيل» في الحملة العسكرية الجرف الصامد لا تحصي الجثث، وأن سلاح الطيران يفاخر بقدرته على تنفيذ قصف دقيق، وأن الناطقين «الإسرائيليين» أدركوا أن إحصاء قتلى العدو، مثلما حصل في الرصاص المصبوب على سبيل المثال، يؤدي بالضرورة إلى الانشغال بالإصابات في وسط المدنيين.» موضحاً: «خلافاً للأميركيين، قادة الجيش «الإسرائيلي» ليسوا متهمين بتضخيم الأرقام، ولكن ذلك لا يعني أن «إسرائيل» تملصت من الفخ الثاني الجدي لإحصاء الجثث الفييتنامي، لجهة الاعتماد على الأضرار المادية لمنشآت ومخازن وقتلى حركة حماس كأداة لتقييم قدرتها ورغبتها في مواصلة القتال».
وأشار شاليف إلى أنه «منذ اليوم الثاني والثالث للحملة العسكرية الجرف الصامد، ادعى الناطقون أن حماس تلقت ضربات شديدة وأنها على وشك الانكسار، وتبين أن الوحيدين الذين لم يعرفوا ذلك، مثلما تبين من مفاجأة «الإسرائيليين» من رفض الاقتراح المصري لوقف إطلاق النار، هم قادة حركة حماس أنفسهم». وتابع: «إن «إسرائيل» هي أكثر دولة في العالم تخصصت في العقود الثلاثة الأخيرة في دراسة وتطوير نظريات القتال في الحروب غير المتكافئة، ولكن عقلية قادتها، وأيضاً سكانها، تواصل التمسك بمقولة أن ما لا يحقق بالقوة، يحقق بمزيد من القوة».
ولفت شاليف في هذا السياق إلى قول وزير الأمن موشي يعالون هذا الأسبوع: «عندما يخرج قادة حماس من مخابئهم سوف يكتشفون حجم الدمار والأضرار التي تسببنا به للحركة، بحيث سيدفعهم ذلك إلى الندم على الخروج لهذه الجولة القتالية ضد إسرائيل». مشيراً إلى أنه «عدا عن حقيقة أنه من غير الواضح تماماً أن قادة حركة حماس هم الذين بادروا إلى الجولة القتالية الجديدة، فليس من المؤكد أنهم سيندمون على ذلك، كما يقول يعالون».
وقال شاليف: «إن الأمر على العكس تماماً، حيث أن الأضرار في الممتلكات والأرواح قد تستخدم من قبل حركة حماس كورقة مساومة في الصراع على رواية من الذي انتصر ومن خسر. فبمجرد اتخاذ قرار بتفعيل كامل قوة سلاح الجو ضد حركة حماس، فإن ذلك منحها صورة نصر مهم من اللحظة الأولى، فصورة الدمار والخراب، التي ستنكشف مع وقف إطلاق النار، سوف تسمح لحماس بقلب الأمور رأسا على عقب، لكي تتحصن في صورتها البطولية وتعرض «إسرائيل» على أنها كيان عدواني معربد».
وأردف قائلاً: «إن الاحتجاجات الدولية الشديدة في أعقاب استشهاد الأطفال الأربعة على شاطئ غزة الأربعاء الماضي، هي مثال جيد لهذا الأسلوب. فالحادث المأساوي على رغم أنه لا يصل إلى مستوى فاعلية قانا حيث حصلت في هذه القرية الواقعة جنوب لبنان مجزرتين تسببتا بوقف حملة عناقيد الغضب عام 1996، والحرب العدوانية الثانية على لبنان عام 2006، ولكنها قلصت بشكل ملموس من حيز المناورة الكبير الذي تمتعت به «إسرائيل» حتى اليوم، وجعلت صورة حماس أفضل بشكل ملموس».
وخلص الكاتب إلى أنه «على ما يبدو فإن نتنياهو يفضل الهجوم البري الخطير الذي عارضه بداية، على خفض توقعات الجمهور من النصر الساحق الذي توعد به استناداً إلى إحصاء الأهداف والأطنان من المتفجرات».
وانهى مقالته بالقول: «عندما كان الجنرال ويستمورلاند أمام لحظة حسم، دفع بمئات آلاف الجنود الأميركيين إلى الحرب، وتعهد مثل الجنرالات الفرنسيين قبله «الضوء في نهاية النفق»، ولكن في غزة وحتى اليوم فكل ما يظهر في آخر النفق هو الظلام أو مجموعة لحركة حماس في طريقها لتنفيذ عملية».
«واشنطن بوست»: الهجوم البري يخلق تحديات ومخاطر كبيرة لـ«إسرائيل»
قالت صحيفة «واشنطن بوست»: «إن الهجوم البري «الإسرائيلي» على قطاع غزة يخلق تحديات ومخاطر كبيرة لـ»إسرائيل»، فعدد الضحايا الفلسطينيين يمكن أن يرتفع في حين يواجه الجنود «الإسرائيليون» حرب العصابات في منطقة غزة المكتظة بالسكان».
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عسكريين قولهم: «على رغم عزمهم على تدمير البنية التحتية العسكرية لحماس، إلاّ أن «إسرائيل» لا تسعى إلى إعادة احتلال غزة، وترى أن تلك المسألة تخلق مجموعة من المشاكل الجديدة. وهي ليست مهتمة بإسقاط حكومة حماس في غزة، خوفاً من حدوث فراغ في السلطة يمكن أن يؤدي، إلى وجود عشرات الفصائل التي تتنافس من أجل السيطرة».