«حرب الطاقة»… مفاتيحها في أيدي محور المقاومة
محمد شريف الجيوسي
تحتلّ الطاقة النفط والغاز مكانة مهمة في الحرب العالمية الثالثة التي تُخاض بالوكالة على العديد من الدول العربية، وفي المقدّمة منها سورية والعراق وليبيا واليمن ومصر، وتبدو مؤشرات امتدادها إلى الجزائر وغيرها.
وليس سراً أنّ الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وغيرهما من بعض دول الخليج، أرادت محاصرة روسيا وإيران وفنزويلا اقتصادياً فوق ما هي عليه من حصار قبل أكثر من سنة، بتخفيض أسعار النفط، الأمر الذي أضرّ باقتصاديات هده الدول، وبخاصة فنزويلا، ما انعكس سلباً على أوضاعها السياسية أقصد فنزويلا ، لكن تأثيراته السلبية عليها لم تكن لاحقاً بحجم تأثيراته على دول الخليج.
وحيث تمتلك روسيا صناعة وزراعة وسياحة متقدّمة، فضلاً عن الغاز الذي يصدّر إلى أوروبا، وحقل القرنة النفطي بالعراق، وما هي عليه من تنسيق على صعيد النفط مع إيران والسوق الصينية، فقد كان تأثير انخفاض أسعار النفط عليها محدوداً.
وينطبق الحال ذاته الى حدّ بعيد على إيران صناعة وزراعة وسياحة، بالتزامن مع الاتفاق النووي ورفع الحصار عنها، وبالاتفاق بين طهران وموسكو تصدّر الأولى النفط لأوروبا بسعر يقلّ عن دولارين للبرميل الواحد من النفط.
وبعد أن كان تخفيض سعر النفط سلاحاً بيد مشهريه ضدّ روسيا وإيران وفنزويلا… أصبح عبئاً على دول الخليج المنتجة للنفط بخاصة، والتي لا تمتلك مصادر دخل استراتيجية أخرى، الأمر الذي انعكس عليها عجوزات مالية غير مسبوقة في تاريخ السعودية ودول خليجية أخرى، بالتزامن مع ما تنفقه من أموال على حروبها في اليمن وسورية وغيرها.
فإيران بعد الحصار رفعت من صادراتها النفطية، وتعمل على الوصول الى 4 ملايين برميل يومياً، كما تصدّر النفط إلى الصين بطريقتي الشحن بالبواخر وعبر خط أنابيب يمتدّ الى روسيا بسعر منخفض، حيث أنّ كلفة إنتاج برميل النفط الإيراني تتراوح بين 4 ـ 6 دولارات، كما تصدّر نحو 3 ملايين برميل الى شركتين فرنسية وإيطالية.
والعراق ليس بعيداً عن حرب الطاقة ، فقد أوقفت الحكومة العراقية المركزية منذ نحو أربعة أشهر دفع الرواتب إلى موظفي المنطقة الكردية التي يسيطر عليها البرزاني وثيق الصلة بالكيان الصهيوني طالما هي تصدّر النفط لتركيا، الأمر الذي اضطر الإقليم الكردي لوقف ضخّ النفط المستخرج من شمالي العراق إليها.
وأوقفت روسيا ضخ الغاز إلى تركيا، وجاء قصف الطيران الروسي لناقلات نفطٍ مسروق من سورية يصدّر إما مباشرة أو عبر العراق الى تركيا، ليضاعف من حجم الضرر الواقع عليها، وعلى العصابات الإرهابية التي تموّل جزءاً كبيراً من أفعالها التدميرية من هذا النفط المسروق والذي ما زال يسرق ولكن بكميات أقلّ من السابق وهو معرّض للتوقف مع استمرار القصف وتقدّم الجيش العربي السورية والمقاومة الشعبية.
لقد أدّى اتفاق روسي سعودي عراقي فنزويلي بتخفيض إنتاج النفط مع ترحيب إيراني من دون تعهّد بالالتزام على رفع أسعاره لمدة ثلاثة أيام بنسبة 14 في المئة… ما يعني أنّ روسيا وفنزويلا والعراق وإيران باتت تمتلك مفتاح التحكم بأسعار النفط، من خلال رفع وخفض الإنتاج، بعد أن كانت واشنطن والرياض ودول أخرى حليفة لهما تحتكر التحكم بأسعاره.
كان النفط والغاز، في جملة أسباب أخرى، من دواعي الحرب العالمية الثالثة ولكن بالوكالة، عبر مسمّى زائف أطلق عليه «الربيع العربي»، فيما عبّرت عنه السمراء كونداليزا رايس بـ»الفوضى الخلاقة» قبل سنوات منه على نحو ما حدث، كما عبّر عنه الصهيوني شمعون بيريس بـ»الشرق الأوسط الجديد» أو»الشرق الأوسط الكبير»… وشكل النفط والغاز المكتشف في المياه السورية واللبنانية والفلسطينية سبباً إضافياً مهمّاً لشنّ هذه الحرب العالمية.
ولكن الطاقة التي كانت من أسباب هذه الحرب والمخططات العدوانية في المنطقة، والتي استخدمت للإضرار بالدول الخارجة عن المصالح الأميركية والغربية ومن والاها، بدأت تعطي نتائج معكوسة، ذلك أنها لعبة عض أصابع، ومن يصمد أكثر يحصد نتائج الانتصار فيها، وتمتلك روسيا وإيران وفنزويلا والعراق مقوّمات الصمود فيها.
إنّ الولايات المتحدة الأميركية تهرول نحو الهرم والسقوط، وقد أقحمت نفسها في مرحلة الرفاه في العديد من الصراعات والحروب كحال الاتحاد السوفياتي قبل سقوطه حيث تورّط في حروب انغولا وأثيوبيا وأفغانستان فواشنطن لم تعد حتى كإدارات حاكمة تمتلك الإرادة والقدرات السليمة في التعامل مع المستجدات، وتتخبّط في قراراتها، في ظرف لم تعد تمتلك فيه ترف ارتكاب حماقات أو انتظار تصويب ما ترتكب.
بكلمات، تسهم «حرب الطاقة» الآن إيجابياً لصالح المحور الروسي الصيني الإيراني العراقي السوري اللبناني المقاوم، وهذا سيعكس نفسه إيجابياً على نتائج الحرب العالمية الثالثة النهائية، لصالح من ذكرنا، وبالتالي هزيمة العصابات الإرهابية ومن يدعمها ويموّلها ويسلحها ويدرّبها ويعالج جرحاها ويؤوي الفارّين من ساحات المواجهة من أفرادها ومن يمدّها بالمرتزقة والتسويغ السياسي والإعلامي.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk