المأزق الأردوغاني…
فاديا مطر
هل سيكون السابع والعشرون من هذا الشهر كما قبله؟ وهو الحدّ الذي وضع وقفاً للعمليات العسكرية في سورية دون شموله تنظيم «جبهة النصرة» و«داعش» الإرهابيتين؟ وهو ما أسقط «اعتدال» تنظيم «النصرة» في قواميس بعض الإقليم.
فالشمال السوري الذي لا يحوي في جغرافيته إلا تنظيم «داعش» و«النصرة» المدعوم تركياً ليس من مصافي من يدخلون باب وقف العمليات العسكرية، ولن يكون ممن تشملهم رحمة القرارات المبدئية التي أضفت إلى الاتفاق الروسي ـ الأميركي إجراءات حسن النية واختبار تمهيدي لصنع «وقف إطلاق النار» يحوي في طياته جانباً سياسياً، كما قضت المادة الخامسة من القرار 2254 بالتوازي بين وقف إطلاق النار والعملية السياسية، فهو وضع مستجدّ على الصعيد «الأردوغاني»، وهو اختبار لتماسك من بقي من حلفاء واشنطن في الساحة وأدواتهم المنعكسة على حضورهم على ضوء ما حكمته المعادلة العسكرية في ريف اللاذقية وشمال حلب.
وتقدّم قوات سورية الديمقراطية والأكراد في محاور تكتيكية عديدة غيّرت المشهد برمّته، والتي هي على وشك أن تشرب من مياه الاتفاق الذي أبرمته موسكو وواشنطن لوقف العمليات العسكرية بتنسيق روسي مع الجيش العربي السوري الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من لقائه القوات الكردية في شمال حلب، فوقف النار هو كما ذكرته الصحيفة الروسية «موسكو فسكي» في 28 شباط الحالي بأنه يقوّض مواقف تركيا والسعودية في المعادلة السورية، فهل وقف النار عملياً هو خروج تركي من معادلات الدعم العسكري للإرهاب؟ وهي التي تلقت تحذيراً في 19 شباط الحالي من وزير خارجية لوكسمبورغ «جان أسيربورن»، متحدثاً باسم حلف الأطلسي بأن «الحلف لن يسمح بانجراره نحو تصعيد عسكري مع روسيا بسبب التوترات الأخيرة»، كما كان قد حذر حلف الناتو تركيا من عدم الاعتماد عليه في دعم مالي في حال حدوث مواجهة تركية ـ روسية بشأن الوضع السوري، فهو إفراغ للجعبة التركية والسعودية معاً في معادلات البرّ في الشمال السوري حتى ولو كانت تحت ستار «محاربة داعش». وهي تعبير عن ضغوط أميركية حازمة اتجاه أنقرة، وبداية طريق الخروج التركي من سورية، فهل رُسمت ملامحه بمتعرجاته، أم أن قوس آخره قد ظهر؟
لم يكن يوماً التقدم التركي في الملف الإرهابي على الصعيد السوري أضعف من هذا التوقيت، بعد انعكاس معادلات متعددة على الأرض السورية أفرغت اليد التركية من قبضة الإمساك بأحلام الأردوغانية والمراوحة عكساً، فما الحلول المتاحة أردوغانياً؟ وهو غير القادر على رفض أو اللعب بوقف إطلاق النار بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية عن إنشاء مركز تنسيق ومراقبة لوقف إطلاق النار في سورية في قاعدة حميميم، وهو غير قادر على القبول بهذا الوضع بعد التنسيق الروسي ـ السوري في الميدان العسكري والسياسي وتشديد كلتا الدولتين على مواصلة القتال ضد «داعش»، كما أنه غير قادر على التصعيد العسكري أو السياسي بزعامة مجموعاته الإرهابية التي أدرجها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قائمة التنظيمات الإرهابية، خصوصاً أن مجموعات الوسط السوري والغوطة يمكن لها أن تستفيد بعد عمليات إعادة تدوير من اتفاق وقف العمليات العسكرية، فأي مأزق أوقع أردوغان نفسه فيه؟ وأي معادلة قسرية كتبها بحبر يده؟ فميونيخ المنعقد في 12 شباط الحالي كان على وقع المنعطف الاستراتيجي للجيش السوري وحلفائه في الأرياف الشمالية ودفع المجموعات المسلحة إلى البطن التركي، وهو ما تقف تركية أمامه بحيرة وتعب بعد تحذير وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف «أن التشكيك في الاتفاق الروسي ـ الأميركي حول الوضع في سورية يُعَدّ دعوة للحرب وليس للسلام» فعنق الزجاجة ضيق والمساحات والطرق وعرة للخروج من تحت مظلة المأزق التركي ـ السعودي أمام ما يستجد من قوة.