موسكو وواشنطن لتحقق جغرافي من خرائط الجماعات المسلحة عشية وقف النار السعودية ترفض زيارة سلام وتشترط «بيان إدانة لحزب الله ووزير الخارجية»
كتب المحرّر السياسي
تتجه أنظار العالم غداً للتغطية المباشرة التي ستنقلها القنوات التلفزيونية الغربية الكبرى من طهران لأول مرة، لمشهد الانتخابات التي يخوض غمارها أكثر من خمسين مليون ناخب إيراني، أيّ ما يعادل خمسة وستين بالمئة من الناخبين المسجلين قانوناً، لانتخاب أعضاء برلمان جديد وأعضاء مجلس الخبراء المخوّل بانتخاب الولي الفقيه وفقاً للدستور، والذي يلعب دور المرجع الأعلى لمراقبة أداء كلّ السلطات الدستورية، وتشهد الترشيحات اختباراً لتعدّدية سياسية لم تتح للانتخابات التي سبقتها رغم تشديد المرشد السيّد علي الخامنئي على اعتبار الانتخابات احتفالاً بالنصر وتأكيداً على سياسة الاستقلال عن الغرب وعلى رأسه أميركا.
تدخل إيران بعد الانتخابات عهداً من الاستقرار السياسي والدستوري، بالتزامن مع انفراجات اقتصادية كبيرة، استعداداً لما ينتظرها من أدوار إقليمية في زمن التسويات الذي يطلّ بقوة من النافذة السورية، مع دخول وقف النار حيّز التنفيذ برعاية روسية أميركية لم تكن طهران بعيدة عنها في اتصالين أجراهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع كلّ من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني.
الاستعدادات الروسية الأميركية بالتعاون مع الفريق المساعد للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا تخطّت متابعة الاتصالات بالأطراف المعنية والمساعدة لضمان أوسع نسبة تجاوب ضمن معادلة لا مكان لكلّ من تنظيم داعش وجبهة النصرة في وقف النار والعملية السياسية، رغم الوساطات التركية والسعودية لتأجيل دمج «النصرة» و»داعش» في مشروعية القصف الجوي ومنح الفصائل المسلحة مزيداً من الوقت والدعم للتحرك تدريجاً بعيداً عن «جبهة النصرة» في ظلّ الاندماج الكامل معها في أغلب الجبهات، لكن الردّ الحازم لدمشق بالرفض سحب الوساطة من التداول ووضع الجماعات المسلحة أمام حسم أمورها وتقديم الخرائط العسكرية الدقيقة للمناطق التي تملك القرار العسكري فيها، دون شراكة مع «النصرة» و»داعش»، فيما شكلت واشنطن وموسكو والأمم المتحدة فريقاً سيتولى اليوم وغداً تدقيق هذه الخرائط لتحديد المناطق التي سيشملها وقف النار، بعدما كان الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وحده الذي قدّم خرائط تفصيلية حتى يوم أمس.
مع دخول المنطقة صباح السبت سيكون الاختبار العملي لقدرة الجماعات المسلحة على فرض سيطرتها في المناطق التي تدّعي خضوعها لإمرتها دون تداخل مع «النصرة» و»داعش»، وسيكون قد مرّ الموعد المرتقب لبنانياً لسفر وفد حكومي لبناني برئاسة الرئيس تمام سلام، كان ينتظر أن توافق المملكة السعودية على استقباله، لإنهاء ملف الأزمة التي افتتحها القرار السعودي بوقف الهبات المخصصة للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لكن الرياض قرّرت الردّ على طلب الرئيس سلام بالرفض مشترطة لقبول أي زيارة رسمية حكومية لبنانية، بياناً حكومياً لبنانياً يدين مواقف حزب الله الانتقادية للسياسة السعودية، والمواقف التي أعلنها وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في الأزمة.
الموقف السعودي الرافض للزيارة رفع منسوب التوتر والتأزّم، بينما يواصل تيار المستقبل تنظيم الوفود الزائرة للسفارة السعودية تضامناً، بالتزامن مع توقيع العرائض المؤيدة لقيادة المملكة، بينما حملت الأخبار معلومات لم تتأكد عن قرار بوقف رحلات الخطوط الجوية الملكية السعودية إلى مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت.
تباين سعودي أميركي من لبنان
تأكد التباين بين السياستين السعودية والأميركية منذ قمة كامب دايفيد في تشرين الأول الماضي التي جمعت الرئيس الأميركي باراك أوباما بقادة مجلس التعاون الخليجي، إذ تبين أن العلاقة دخلت في مرحلة جديدة خرجت فيها السعودية من موقع الحليف الدائم للسياسات الأميركية منذ 70 عاماً واقتنع السعوديون أن عليهم أن يدافعوا عن مصالحهم بأنفسهم وان يتخلوا عن منطق الاتكال عن واشنطن والتقدم إلى الميدان واستخدام سياسة مباشرة لهم في كل الدول التي يعتبرون أن لهم فيها مصالح، وهذا ينطبق على لبنان.
وأمام ما تقوم به السعودية من تصعيد تجاه لبنان في مقابل تمسك الولايات المتحدة باستقراره، وهذا ما تبلغه الوفد اللبناني في واشنطن، سأل مصدر مطلع لـ«البناء» هل تملك السعودية سياسة خاصة في لبنان؟ وإذا كانت تملك هذه السياسة هل تملك أن تطبقها بمعزل عن الأميركيين؟ وما هو حدود التصعيد الذي تدفع السعودية لبنان باتجاهه؟ وهل التصعيد لتحسين شروط التفاوض أو لإعادة التوازن إلى المشهد؟ وهل لإلهاء حزب الله عن الساحة السورية أم تصعيد تهوّري سيدفعه جدياً إلى تفجير الوضع في لبنان طائفياً ومذهبياً، كما حصل في اليمن في ظل ما يُسمّى بعقيدة سلمان؟ وإذا كان هذا صحيحاً، هل تملك الرياض المرتكزات لخطوة خطيرة كهذه؟ وما هو موقف الولايات المتحدة في ظل التناقض الحاصل على أكثر من ساحة شرق اوسطية في هذه اللحظة؟
ودعا سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان محمد فتحعلي الأمةَ للتوحد حول مكافحة الإرهاب بشقيه الإسرائيلي والتكفيري. وأكد فتحعلي خلال المؤتمر الصحافي الذي عُقد في مقر السفارة الإيرانية في بيروت، تحت عنوان لتنفيذِ «إعلان طهران لدعم انتفاضة القدس» أن «إيران ستقدمُ المالَ لكلِّ العائلاتِ التي قدّمت شهداءَ في انتفاضة القدس أو تلك التي عمدَ الاحتلالُ إلى هدمِ بيوتِها».
واشنطن تطلب من الرياض دعم الجيش
ويؤكد مصدر نيابي ضمن الوفد اللبناني الذي يواصل اجتماعاته في واشنطن لـ«البناء» «أن الزيارة التي تستمر ليوم غد الجمعة هي أكثر من ممتازة وأعطت مفعولها»، ولفت إلى «اهتمام أميركي بعدم المس باستقرار لبنان»، مشيراً إلى «أن الوفد سمع من المسؤولين الأميركيين في البيت الأبيض والبنتاغون والخزانة الأميركية أن المستهدَف من القرارات الأميركية حزب الله وليس لبنان، وأن الولايات المتحدة ليست على استعداد للتفريط باستقرار لبنان وضربه عبر استهداف حزب الله». وتبلّغ الوفد اللبناني، بحسب المصدر النيابي من المسؤولين الأميركيين الاستمرار في دعم الجيش اللبناني وأن واشنطن ستطلب من الرياض إعادة النظر بقرارها وقف دعمه فدعم الجيش ضرورة لمحاربة الإرهاب». ونقل المصدر النيابي تفهّم المعنيين لا سيما في الخزانة الأميركية ضرورة الاستقرار المالي والمصرفي في لبنان، وأنه حتى لو لم يكن حزب الله موجوداً في لبنان، فإن الولايات المتحدة كانت ستتخذ مثل القرارات التي اتخذتها، فهناك مصارف تشارك في تبييض الأموال وفي تمويل الإرهاب وتحديداً تنظيم داعش». وفي الملف الرئاسي، أكد المصدر أننا سمعنا من المسؤولين الأميركيين كلاماً مفاده نتمنى عليكم انتخاب رئيس للجهورية، لكن لا يمكننا أن نجبركم على انتخاب أي رئيس».
وكان الوفد النيابي اللبناني استهل يومه الثاني في واشنطن بلقاء مع عضو الكونغرس الأميركي رالف آبراهام. وكانت مناسبة لبحث سبل التعاون بين المجلس النيابي اللبناني والكونغرس الأميركي، لا سيما في الشؤون ذات الاهتمام كدعم الجيش اللبناني في حربه ضد الإرهاب. وبحث في البنتاغون مع مستشار ومساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط أندرو أكسم في المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني وأهمية مواصلة الجهود لتسليح الجيش اللبناني وتأمين حاجاته. وعرض مع مساعد وزير الخزينة لشؤون مكافحة الإرهاب داني غليزر الضغوط المالية التي يتعرّض لها لبنان ومضاعفاتها على الاقتصاد اللبناني».عقد الوفد النيابي عشاء عمل مع نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط لاري سيلفرمان ومسؤول لبنان فيها رولاند مكاي، تخلّله نقاش حول الأوضاع في لبنان والمنطقة. وكانت للوفد لفتة ترحيبية من الإدارة التي دعتهم إلى جولة خاصة لجناح عمل الرئيس في البيت الأبيض.
المملكة لا ترغب باستقبال سلام
إلى ذلك تسلّم السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري من رئيس الحكومة تمام سلام في السراي الحكومية رسالة موجّهة إلى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز. ورفض عسيري الكشف عن مضمون الرسالة، مكتفياً بالقول «سلام عبّر فيها عن همومه، وطلب مني نقل مضمونها نصاً وجوهراً إلى قيادتي». وأكدت مصادر في تيار المستقبل لـ«البناء» أن الرئيس سلام تبلّغ من السفير السعودي عدم رغبة المملكة في استقباله في الوقت الراهن، فما قامت به الحكومة ليس كافياً، فهي لم تعالج ما ارتكبه وزير خارجيتها من أخطاء ولم تضع حداً لتصرّفات حزب الله».
أكد سلام «أن حزب الله مكوّن سياسي في البلد وهو في البرلمان اللبناني وفي الحكومة اللبنانية، وهو في فترة من الزمن كان له دور مقاوم مع عدوّنا التاريخي، وهو نشأ من الأرض اللبنانية ومن متن اللبنانيين». ورداً على سؤال في مقابلة مع «سكاي نيوز عربية» قال سلام «الموضوع ليس التخلص من حزب الله وإنما الموضوع هو كيف نحافظ على مكوّناتنا اللبنانية داخل لبنان وبما يخدم لبنان. فعندما تذهب هذه المكونات إلى خارج لبنان أو يكون لها مواقع خارج لبنان يتعرض لبنان للمخاطر». وتابع: من هنا كنا حريصين منذ بداية الطريق على اعتماد سياسة النأي بالنفس بما يختص بالأحداث في سورية، لأننا أدركنا أن هذه الأحداث ستؤثر علينا. وكان هناك تسرّب من بعض اللبنانيين للتدخل في سورية وفي أحداثها وكان لحزب الله أيضاً دور وما زال له دور متقدم. سنبقى نسعى إلى أن نصل إلى لحظة فعلاً يكون النأي بالنفس كاملاً.
وفيما واصل تيار المستقبل وحلفاؤه في القوات بالإضافة إلى الوزيرين أكرم شهيب ووائل ابو فاعور ووفد من كتلة نواب زحلة الحج إلى السفارة السعودية في بيروت، ادعى الرئيس سعد الحريري من بيت الوسط «أن المشكلة أن هناك فرقاء في لبنان يعتقدون أنفسهم أكبر من الدول، أكان «حزب الله» أم حلفاؤه، ويجب على «حزب الله» أن يفهم أنه ليس وحده في البلد، وأن هناك مصالح للبنانيين في كل العالم، وهو يُعرّض لبنان وكل اللبنانيين في كل العالم العربي لمشاكل ومخاطر، خصوصاً في الخليج ومع الجامعة العربية».
لعدم الإخلال بالأمن
وفي خضم احتدام الخلاف، انعقدت جلسة الحوار بين حزب الله و»تيار المستقبل» مساء أمس، في مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة، بحضور المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري عن تيار المستقبل، والوزير علي حسن خليل. وجرى بحث الأوضاع الراهنة. وأكدت مصادر المجتمعين لـ«البناء» أن «الجلسة عقدت أمس في موعدها للتأكيد على أن هذا الحوار مستمرّ»، مشيرة إلى «أن البحث تناول مقاربة جدية للوضع الأمني وحصل التزام بعد التسبّب بأي إخلال بالأمن». ولفتت المصادر إلى «أن حزب الله متفهّم وضع تيار المستقبل ولن يحشره أكثر، فهو يعلم أن هذا التيار لا يمكنه في ظل التوتر والارتباك السعودي أن يلتزم بأي شيء، ولذلك لم يبحث الفرقاء في القضايا الساخنة».
وبعيداً عن التوتر السعودي وتبعاته، عقدت اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف النفايات اجتماعاً أمس، برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام، واقتصر البحث على التقنيات المتعلقة بالمطامر. ورفض الوزير أكرم شهيب التعليق لـ«البناء» عن مسار الجلسة، مكتفياً بالقول «سوف نعمل بهدوء وبعيداً عن الإعلام». ورفض الوزير نبيل دو فريج الحديث عن «المناطق التي ستُقام فيها مطامر للنفايات»، مشيراً إلى «أن البحث تناول المرحلة الانتقالية المتعلقة بخيار المطامر كحل مؤقت، بانتظار وضع الخطة المستدامة للنفايات»، لافتاً إلى «دراسات تقنية يقوم بها خبراء تأخذ بعين الاعتبار كل الملاحظات البيئية لعدم تعريض المواطنين لأضرار صحية». وتحدّث عن «إنشاء محارق في عدد من المناطق وفق حجم البلدة وعدد سكانها بالتعاون مع البلديات»، مشيراً إلى «أن إنشاء المحارق البيئية يحتاج إلى سنتين فهو يتطلب إجراء مناقصات على أن يقوم باستثمارها القطاع الخاص الذي سيتولى بدوره عمليتي التشغيل والصيانة».
إلى ذلك، قدّم النائب ميشال المر أمس، اقتراح حل لمعالجة النفايات بقيمة 25 دولاراً للطن الواحد. ويتضمّن الاقتراح، وفق المر، إقامة وإنشاء معمل لمعالجة النفايات خلال 6 أشهر، كما هو مبين على الخرائط المرفقة بالمرسوم الصادر بتاريخ 12 أيلول 1990 والقاضي بإشغال واستثمار مساحة مئة ألف متر مربع من الأملاك العمومية البحرية الواقعة تجاه العقارات رقم 35 – 36 – 37 – 266 – 436 – 4516 من منطقة برج حمود العقارية، وسحب النفايات من الشوارع يتمّ، إذا تمّت الموافقة على هذا المشروع خلال 15 يوماً من توقيع الاتفاق.