عرس ديمقراطي إيراني
نظام مارديني
من حق مشيخات الخليج أن تغتاظ وهي تتلقى دروساً بالديمقراطية من إيران، في الانتخابات البرلمانية التي ستجري اليوم وسط حماسة ومنافسة شديدتين بين التيارات السياسية، وذلك بعد ستة أسابيع على توقيع الاتفاق النووي.
ورغم الأضاليل التي تبثها وسائل الإعلام المعادية لإيران للإيحاء بوجود انقسامات شعبية حادة حول سطوة الرأي الواحد وقمع الحريات إلا أن انطلاق العرس الانتخابي في إيران ردٌّ على هذه الأضاليل. وهذا العرس تتزامن فيه عمليتا انتخاب متزامنتان: إحداها انتخاب «مجلس الشورى» البرلمان والتي يشارك فيها 6500 مرشح بينهم 500 امرأة، ليشغلوا 290 مقعداً. والعملية الثانية هي انتخاب «مجلس خبراء القيادة» وهي هيئة فخرية إلى حد كبير، يتنافس فيها 166 مرشحاً في محافظات البلاد على 88 مقعداً. وستزيد أهمية «مجلس خبراء القيادة» بشكل كبير بسبب دوره في تحديد خليفة المرشد الأعلى. ويأتي كل هذا وسط أجواء ديمقراطية وحريات وتنوّع ضمن ثوابت ومبادئ الثورة الإسلامية التي حققت للإيرانيين إنجازاً تاريخياً باهراً بدأت تتجلى معالم آثاره بعد الاتفاق النووي، في نقلها إيران إلى مرحلة جديدة من التطور والاقتدار المتزايد على الصعد كافة.
بلا شك في إن هذه الانتخابات تخضع لمعايير مختلفة عن معايير نظيراتها في العالم الغربي، وإن اللجنة المختصة بالحفاظ على الدستور هي التي «تغربل» المرشحين للانتخابات، وتختار عدداً ترى أن المعايير المحددة تتوفر فيهم، ولكن من الضروري في الوقت نفسه أن يتابع المراقبون تطور العملية الانتخابية في السنوات الأخيرة، واتساع دائرة المشاركة الشعبية فيها، ونقد المرشحين للقيادة الإيرانية وسياساتها بالتفنيد بل واتهامها بالغوغائية. وهذا النموذج الديمقراطي غير موجود في الغالبية الساحقة من دول العالم العربي.
نرى أنه من الضروري التوقف وبعمق أمام النظام الإيراني كنظام سياسي فريد من نوعه في العالم الذي يجمع بين المؤسسات الديمقراطية الدستورية والمؤسسات الدينية والثورية، بحيث تستخدم إيران مروحة واسعة من القضايا في السياسة الخارجية لتوجيه قوتها الناعمة وبالتالي توسيع قاعدة نفوذها وتأثيرها على الصعيد الإقليمي، بسبب حيويتها الناتجة عن تقدمها في السياسة والاقتصاد والتطور العلمي والثقافي. ويشكل انتصار إيران النووي السلمي مرحلة متقدمة، فتحت أبواب العالم كافة أمام طهران، بعد سنوات من المفاوضات التي رافقتها ضغوط وعقوبات وحصارات دولية، لم تنل من تصميم القيادة الإيرانية على حماية استقلالها الوطني وإنجازها العلمي.
خلاصة، يتوقع مراقبون أن يشكل الاستحقاق الانتخابي اليوم فرصة لتأكيد نجاح التجربة الديمقراطية الإيرانية، وفي هذا يكمن غيظ مشيخات الخليج التي تتبارى في إرساء غياب الديموقراطية والحرية وتعددية الأصوات والأحزاب لديها، وبخاصة في استهدافها الشرس لأبرز نظام علماني في المنطقة العربية هو سورية.