عاصفة الجنون السعودي… هل تطيح الحكومة؟

محمد حمية

عقب اتخاذ السعودية قرار إلغاء هبات المليارات الأربعة المخصصة للجيش والقوى الأمنية، وصف وزير الداخلية نهاد المشنوق القرار بـ«أول الغيث» محذراً من أنّ «الآتي الأعظم».

«الآتي الأعظم» الذي تحدّث عنه المشنوق بدأت ترجمته سعودياً على الفور بإجراءات تصعيدية ضد لبنان أشبه بإعلان حرب، فلم تكتف «مملكة الخير» بوقف الهبات المجمدة أصلاً لأسباب متعددة، بل طلبت من جميع المواطنين السعوديين عدم السفر إلى لبنان ومن رعاياها المغادرة، ولم تتأخر دول خليجية أخرى تدور في الفلك السعودي باتخاذ الإجراء نفسه كالإمارات والبحرين والكويت.

ما كان يخشاه الكثيرون بدأ بالتحقق، فها هي طلائع العمال اللبنانيين في المملكة تعود أدراجها إلى وطنها، هذا ما أعلنه رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية – السعودية إيلي رزق أمس، بأن نحو 90 لبنانياً من مختلف الانتماءات والطوائف تبلغوا الاستغناء عن خدماتهم.

بعد هذه الإجراءات التعسفية، يُطرح السؤال التالي: ماذا بعد والى أين تتجه عاصفة الجنون السعودية بحق لبنان؟ وهل ستذهب الى سحب سفيرها وقطع العلاقات الدبلوماسية معه وهل تطيح الحكومة؟

مصادر متابعة حذرت من اتجاه لدى السعودية ودول خليجية أخرى للضغط الاقتصادي والمالي على لبنان، من خلال إجراءات أكثر إيلاماً للاقتصاد اللبناني كسحب الودائع المالية المودعة لدى المصرف المركزي، ونقل استثماراتها من لبنان تتبعها بقطع العلاقات الدبلوماسية، وذلك لحصار الحكومة وإحراجها لإخراجها بضربة مالية دبلوماسية حاسمة تكون كفيلة باستقالتها، خصوصاً أن السعودية حمّلت الحكومة المسؤولية المباشرة عن إلغاء الهبات بسبب موقفها الرسمي في الجامعة العربية.

وتشرح المصادر لـ«البناء» بأن ذهاب السعودية ودول الخليج إلى هذا الحد، سيخلق مشاكل وفوضى مالية واقتصادية في لبنان الذي يعاني أصلاً من مشاكل جمة، أبرزها أزمة النفايات، وبالتالي ستنفجر أزمات اجتماعية وينتفض الشارع في وجه الحكومة التي تواجه أيضاً قرار العقوبات المصرفية الأميركية ضدّ لبنانيين تتهمهم الولايات المتحدة بأنهم مقرّبون من حزب الله، ما سيضع رئيس الحكومة تمام سلام أمام خيارين، إما مواجهة الأزمات وغضب الشارع ووزراء المستقبل وحلفائه وإما رمي الاستقالة في وجه الجميع.

مصادر وزارية استبعدت لجوء سلام إلى خيار الاستقالة رغم كل الظروف الصعبة القائمة، وتشدد لـ«البناء» على أنه «لو كانت هناك نية لإسقاط الحكومة لكانت استقالت بعد اجتماعها الاثنين الماضي بسبب الخلاف على صيغة البيان الذي اعتبرته المصادر أنه أتى لمصلحة حزب الله أكثر من فريق تيار المستقبل، رغم تحفظ المشنوق.

يعبّر نائب شمالي مستقبلي في حديث لـ«البناء» عن خشية حقيقية لدى الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل على البلد كله، وليس فقط على الحكومة، «لذلك يبذل الجميع الجهود لكي لا تسقط الحكومة».

ويشدّد النائب الشمالي على أنّ «الحريري وافق على صيغة بيان الحكومة، رغم أنه ليس بقدر تطلعات اللبنانيين والمستقبل والسعودية، لأنّ الحريري لا يريد إسقاط الحكومة، وما خلافه مع وزير العدل أشرف ريفي إلا على هذا الموضوع، للمخاطر الأمنية التي تخلفها خطوة كهذه وهذا ما يعيه فريقا 8 و14 آذار».

ويرى النائب المستقبلي أنّ «الحريري يدرك أنّ كلاً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب وليد جنبلاط يلعبان دوراً كبيراً وصمام أمان للحكومة والاستقرار الأمني». ويكشف التزام «المستقبل» والحريري «بعدم الذهاب إلى أي خطوة من دون التنسيق مع بري الذي نصح الحريري وفريقه بالعزوف عن خطوة الاستقالة من الحكومة في الوقت الحاضر».

ويحذّر النائب الشمالي أنه «إذا دخل البلد في اهتزاز أمني، فإنّ المخاوف تكمن في انجراره سريعاً إلى البركان المشتعل في المنطقة، وبالتالي يصبح جزءاً من «بازل» المنطقة التي من غير المعروف بعد ما إذا كانت ستذهب الى التقسيم أو الحرب الإقليمية».

وإذ لم ينف النائب المذكور تمسك السعودية باتفاق الطائف، يعلق على دعوات البعض بأنّ السعودية لا تجرؤ على اللعب بالأمن في لبنان كي لا ينجرّ الى فتنة داخلية تطيح الطائف في أي تسوية مقبلة، بالقول: «إنّ الطائف هو لبناني وليس سعودياً ولمصلحة لبنان وليس امتيازاً سعودياً للسنة، بل جاء لإنهاء الحرب اللبنانية أولاً، ومن هذا المنطلق يتمسك الحريري بترشيح الوزير سليمان فرنجية للرئاسة لأنه من المؤمنين بالطائف».

علامات استفهام عديدة تطرح حول الموقف السعودي المفاجئ تجاه لبنان، فما حاجة السعودية مثلاً إلى موقف لبناني في الجامعة العربية ومنظمة العمل الإسلامي داعم لها في ظل وقوف كل الدول معها؟ وماذا يغيّر موقفه سلباً أو إيجاباً تجاه المملكة التي تخوض حروب المصير الطاحنة على جبهات عدة في المنطقة؟

مفارقة لا بدّ من تسجيلها وهي، أنه في خضمّ حملات قوى 14 آذار على النظام في سورية منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى اليوم، والتي كانت أشدّ قسوة من مواقف حزب الله تجاه السعودية، لم تتخذ سورية المواقف والإجراءات التي اتخذتها وتتخذها السعودية اليوم بحق لبنان، مع فارق أنّ ما قدّمته سورية للبنان يفوق بأضعاف ما تقول 14 آذار بأنّ السعودية قدّمته للبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى