بري: الحوار السعودي ـ الإيراني مفتاح الحلّ في المنطقة

عقد رئيس مجلس النواب نبيه بري في اليوم الثالث من زيارته لبروكسل سلسلة لقاءات أبرزها جلسة عمل مع رئيس البرلمان البلجيكي سيغريد براك تركزت حول تقديم المساعدات للبنان في مواجهة أزمة النازحين السوريين وفقاً للاقتراحات التي عرضها معه ورئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز، خصوصاً في ما يتعلق بتأمين القروض التفضيلية لمشاريع استثمارية يستفيد منها لبنان والنازحون، ودعم فوائد سندات الخزينة عدا عن مشاريع تتعلق بالتعليم والصحة، بالإضافة إلى سبل دعم الجيش اللبناني وتعزيزه.

كما بحث الجانبان الأوضاع في لبنان والمنطقة. وجدّد بري التأكيد على الحلّ السياسي في سورية.

وقال براك بعد مائدة غداء أقامها على شرف الرئيس بري والوفد المرافق: «أعتقد أنّ دور لبنان في الشرق الأوسط مهم، خصوصاً لأنه يشكل نموذجاً للتعايش بين الطوائف، وإنّ ذلك مهم للغاية، وسنتابع التواصل في ما يمكن أن نفعله، لا سيما في ما يتعلق بالأعباء التي يواجهها لبنان من جراء هذا العدد الكبير للغاية من النازحين السوريين وبلدان أخرى».

وذكّر بري، من جهته، بأنّ علاقات لبنان ببلجيكا بدأت عام 1944 وكانت عبارة عن ممثلية تحولت إلى سفارة عام 1958.

رداً على سؤال حول كيفية ترجمة الكلام الأوروبي حول مساعدة لبنان في مواجهة أزمة النازحين، أجاب: «أعتقد أنه حصل تفهّم أكثر والاقتراحات التي تقدمت بها هي اقتراحات عملية لا تحمّل أعباء للخزينة الأوروبية، لكنها تفيد لبنان كثيراً واللاجئين».

وبعد الظهر حضر بري جلسة عامة لمجلس النواب البلجيكي.

«سايكس ـ بيكو» انتهى والخطر يطال الجميع

من جهة أخرى، التقى رئيس مجلس النواب السفراء العرب المعتمدين في بروكسل، وأكد أمامهم أنه لا يزال يرى «أنّ مفتاح الحلّ في المنطقة هو الحوار السعودي ـ الإيراني الذي لا بدّ منه من أجل الأمّتين الإسلامية والعربية».

وقال: «للأسف لقد أصبح جلوس العرب إلى طاولة واحدة أمراً نادراً. وما دمنا متفرقين فأعتقد أنّ مصيرنا سيكون أسوأ. … وبرسم مَن لا يعلم فإنّ سايكس ـ بيكو انتهى وأصبح الخطر يطاول الجميع».

وأضاف: «الفتنة هي في أكثر من دولة ومنطقة وإنّ الحساسية المذهبية تُستغلّ إلى أبعد الحدود مع العلم بأن لا شيء اسمه الدين الشيعي أو الدين السني، بل كلنا مسلمون».

وشدّد على السعي «إلى التضامن والوحدة من خلال الحوار»، قائلاً: «سارعنا إلى إيجاد حوار حمى لبنان من الفتنة، وأوجدنا المظلة له هي الحوار الوطني لنحمي الحكومة أيضاً. وقد خرجنا بنتيجة عكس ما حولنا. ففي لبنان الأمور اليوم معكوسة. لقد أوجدنا الأمن، لكن في السياسة لا نزال بلا رئيس منذ نحو سنتين، والحكومة تمر أحياناً بإرباكات وهزّات وتكون شبه معطلة، ولبنان اليوم واحة أمنية بالنسبة إلى المنطقة».

وتطرق بري إلى المسألة الفلسطينية، متسائلاً: «هل لا تزال فلسطين أولوية أو قبلة سياسية؟ نحن العرب بمن فينا الفلسطينيون تقسّمنا وتشتتنا بعد أن أصبحنا نرى أنّ القضية الفلسطينية ليست الأولوية عندنا. وهنا مصدر العلة. المطلوب اليوم العودة الى هذه الأولوية، وأن نعيد فلسطين إلى الواجهة».

وفي شأن العلاقات العربية ـ الإيرانية، سأل أيضاً: «هل ما بين العرب وإيران هو أكثر مما بين إيران والولايات المتحدة الأميركية؟ مَن كان يصدّق أن يحصل إتفاق 5+1 النووي؟ مع الإشارة إلى انني كنت أتوقع وقلت غير مرة أنّ المفاوضات في هذا الشأن ستصل إلى نتيجة. وأعتقد أنّ التقارب بين 5+1 وإيران كان أصعب من التقارب بين السعودية وإيران. ولذلك أقول إنّ التقارب والحوار بين طهران والرياض هو أكثر من ضروري. وهذا الاقتناع يجب أن يترمم لكن ويا للأسف الأحداث تتسارع وتخربط كلّ المحاولات واللقاءات التمهيدية. مع ذلك لا أزال أرى أنّ مفتاح الحلّ هو هذا التقارب».

الاستحقاق الرئاسي والحوار

وكانت السفارة اللبنانية والجالية في بروكسل أقامتا استقبالاً حاشداً على شرف الرئيس بري في مقرّ إقامته، وألقى الرئيس بري خلاله كلمة شكر فيها نظيره البلجيكي، منوهاً بإنجازات الجالية في بلجيكا.

ثم انتقل إلى الوضع السياسي الداخلي، فقال: «أصبحنا أقرب وأقرب من أي وقت مضى من إنجاز الاستحقاق الرئاسي على قاعدة التوافق الوطني كالعاده لا غالب ولا مغلوب لأنّ هذا الأمر يخدم متطلبات العيش المشترك»، مشيراً إلى «أنّ تفعيل عمل الحكومة وإصدار القرارات الضرورية لإجراء الانتخابات البلدية في موعدها أمر لا يعني أنّ ذلك يشكل تعويضاً عن إجراء الانتخابات الرئاسية».

وشدّد على «أنّ الحوار الوطني بين كافة المكونات الوطنية وممثليها مستمر وهو يشكل ضمانة وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسّسات وأنه وطن نهائي لجميع أبنائه».

وأضاف: «إنّ الحوار الثنائي بين تيار المستقبل وحزب الله الذي انعقد في أربع وعشرين لقاء تمكن من خفض سقف التوترات وإجهاض كلّ نوازع الفتنة المذهبية وقد جرى فيه تطوير نقاط الالتقاء وتضييق الهوة حول نقاط الاختلاف ضمن الدين الواحد وأكد أنّ بإمكان اللبنانيين إدارة اتفاقاتهم واختلافاتهم وحفظ الوطن حديقة باردة للاختلافات الإقليمية مهما عصفت رياح الاختلافات الإقليمية وزادت الحوارات الساخنة الجارية على غير ساحة».

كما أكد أنّ المجلس النيابي اللبناني «سيكون بالتأكيد المرجع الصالح لإعادة إنتاج الدولة وأدوارها انطلاقاً من انتخابات الرئاسة وإصدار قانون للانتخابات التشريعية بما يتضمن فتح الباب لمشاركة المرأة ضمن كوتا معينة والشباب والاغتراب».

قوانين استعادة الجنسية ومكافحة تمويل الإرهاب

وتطرق الرئيس بري في كلمته إلى جملة التشريعات التي أقرها المجلس النيابي حول مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، مؤكداً «أنّ تجفيف موارد ومصادر الإرهاب تتطلب البحث خارج لبنان عن هذه الظاهرة إذ ليس هناك مال ينتمي للبنان يتحرك في إطار صورة حركة مخططات الإرهاب لا في الماس ولا في تجارة السيارات ولا في خلاف ذلك أو دور الإرهاب في تهديد الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين».

أما في ما يتعلق بالمغتربين، لفت بري إلى «أنّ التشريع الاخير الذي أصدره مجلس النواب حول تحديد شروط واستعادة الجنسية للمنتشرين اللبنانيين يؤكد إصرار المجلس على مشاركة الاغتراب في كلّ ما يصنع حياة الدولة والمجتمع».

وعلى صعيد الأزمة السورية، أكد «أنّ لبنان تصرف بأخوة ومسؤولية حيال مشكلة النازحين تماماً كما تصرفت سورية تجاه لبنان خلال الضغوط الناتجة عن حروب إسرائيل على أرضه»، مشدّداً على «أننا ندعم العودة الآمنة للنازحين إلى المناطق الممكنة على خلفية بيان ميونيخ حول الأزمة السورية». وقال: «إنّ حل المشكلة السورية، وضمناً مشكلة النازحين في إطارها، هي بوقف الحرب وبناء وصنع المجموعة الدولية لدعم سورية لحلّ يركز على استقرار سورية وعودة أبنائها وبناء ازدهارها وإعادة إعمارها ونشر نظام للتنمية الشاملة فيها وتجفيف الموارد البشرية ومصادر تمويل الإرهاب».

ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة حمت لبنان

وتحدث بري عن دور الجيش اللبناني في حماية البلاد في مواجهة «إسرائيل» والمجموعات الإرهابية المتطرفة، مؤكداً أنّ ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة «مكّنت لبنان من ردع الإرهاب بكلّ صوره». وتوجّه إلى أبناء الجالية قائلاً: «أطمئنكم إلى أنّ جيشكم الباسل والأجهزة الأمنية يقومون بجهود مضاعفة لمنع تسلل التهديدات الأمنية عبر حدود الوطن وحدود المجتمع وكذلك لمنع استفادة إسرائيل من تفكك المنطقة لتصعيد التهديدات للبنان بالترافق مع الخروقات اليومية المتواصلة للقرار الدولي 1701».

اقتصادياً، تطرق رئيس مجلس النواب إلى حجم المديونية الهائلة، مؤكداً في الوقت عينه، «أننا حافظنا على الاستقرار النقدي والأمني ومنعنا الوقوع في الأفخاخ والوصول إلى إعلان فشل الدولة». وقال: «إنّ حضور قوة مغترب لبناني واحد يوازي حجم مديونية لبنان إلا أنّ المطلوب أن يستعيد لبنان المقيم، كما المغترب، الثقة بالمستقبل، خصوصاً أننا إزاء تهديدات لاقتصاديات بلدان نفطية اغترابية شقيقة وصديقة في أفريقيا وأميركا اللاتينية».

فلسطين وأزمات المنطقة

وختم بري: «إننا نأمل اليوم أن تكون سورية على أبواب حلّ سياسي يعيد توحيدها أرضاً وشعباً ومؤسسات ويفتح الباب لاستقرارها وهو أمر يصبُّ بالتأكيد في مصلحة لبنان. كما نأمل أن تشكل الحلول الممكنة للمسألة السورية بوابة لإزالة كيان الإرهاب عن الجغرافيا السورية والعراقية بحيث لا نقف أمام إسرائيليات جديدة. وكذلك الحال بالنسبة إلى اليمن بما يمكن الأفرقاء من العودة أيضاً إلى جنيف وعودة سلطنة عُمان للعب دورها في تقريب وجهات النظر اليمنية وكذلك التقريب ما بين السعودية وإيران لأنّ تفاهم البلدين يشكل ضرورة عربية وإسلامية وشرق أوسطية ويمنع تهديد الأمن والسلام الإقليميين والدوليين.

إنّ السلام السوري يشكل ضرورة لبنانية والحوار السعودي الإيراني يشكل حاجة لبنانية ويفتح الأبواب أمام الحلّ اللبناني وإنّ السلام اللبناني يشكل ضرورة وقاعدة ارتكاز لتعميم السلم الأهلي في الأقطار العربية كما أنّ صيغة التعايش اللبناني تشكل أنموذجاً لأقطار الشرق بدل الهرب إلى الأمام وتقسيم المُقسَّم. وفلسطينياً لا بدّ من تأكيد موققنا إلى جانب الشعب الفلسطيني الباسل في قيامته المباركة الجديدة بوجه الاحتلال والقمع الإسرائيلي، ولو بالسكين، ونرى أنّ القضية الفلسطينية كانت أم القضايا، وعندما تخلينا عنها تخلينا عن أنفسنا وتقسمنا وتقسم الفلسطينيون».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى