الزراعة في الأردن… بين إهمال الحكومة وأزمات الجوار

محمد شريف الجيوسي

تعتبر الزراعة والتعليم، إلى جانب الأمن والجيش الوطني في أي بلد من العالم، من مؤشرات استقراره وأمنه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

لكنّ ركنين هامين في هذه المعادلة لا يزالان خارج معادلة الاهتمام الكافي في الأردن، وهما الزراعة والتعليم.

وبالنسبة إلى أوضاع القطاع الزراعي والمزارعين في الأردن، فقد نفذ مزارعو الأغوار اعتصاماً، قبل أيام، احتجاجاً على تردّي أوضاعهم الاقتصادية ومعاناتهم، حيث اعتبروا أنّ الحكومات الأردنية لا تولي قضاياهم ما تستحق من رعاية واهتمام، لا سيما على صعيد تأمين الأسواق والمعابر الآمنة، خاصة مع سورية والعراق، باعتبارهما البلدين الأهم اللذين يستوردان الخضار والفواكه الأردنية، إضافة إلى كونهما معبرين أساسيين لتصديرها إلى أوروبا، كما تُعتبر سورية أهم مصدر لبعض منتجات الخضار والفواكه التي تحتاجها السوق الأردنية.

إنّ إزدهار الزراعة في أي بلد من العالم، يعني ضمان الأمن الغذائي، واستقرار الإنسان في أرضه وعدم النزوح من القرى والبلدات إلى المدن الكبرى، حيث يتسبّب النزوح من الأرياف بتصحُّر الأراضي الزراعية في تلك القرى والبلدات، ويخلق مشكلات اجتماعية وديموغرافية وبطالة في المدن.

إنّ قطاع الزراعة لا يتعلق بالمزارعين فحسب، زراعة الخضار والفواكه والحبوب بأنواعها ، وإنما بكلّ أشكال الزراعة من تربية الأغنام والماعز والأبقار والجمال والخيول، ومزارع الأسماك ودجاج اللحم والبيّاض، وصولاً إلى مشاتل الورود ونباتات الزينة والنباتات البرية والعلاجية.

وتتصل الزراعة أيضاً، بالعديد من الأعمال والأنشطة المساعدة أو المتولدة عنها كالبذور والسماد الحيواني والكيماوي والأعلاف والمُبيدات الحشرية وأنظمة الريّ والحراثة والبيوت البلاستيكية والتخزين والتبريد والنقل.

كما يتصل بالزراعة التسويق المحلي والخارجي المصدرون والمستوردون والهندسة الزراعية والبيطرة والعلاجات الزراعية والتقليم والتشجير والصناعات الزراعية كالمنسوجات والصناعات الغذائية والكونسروة والسكر والزيوت والمعجَّنات والفواكه المجففة.

وبذلك، نجد أنّ المعنيين بقطاع الزراعة موضوعياً هم الأكثر عدداً من وجهة مهنية وحرفية وفنية وعلمية وتجارية وصناعية فضلاً عن أنّ كلّ مواطن في أي بلد في العالم، في حاجة قصوى إلى التعامل مع مُنتج زراعي واحد على الأقلّ.

وإذا أضفنا إلى ذلك مزايا استقرار المزارعين في مناطقهم، سواء عليهم أوعلى أوطانهم، وهو ما أشرنا إليه في مقدمة هذه المقالة، تتضح ضرورة إيلاء الحكومات الزراعة أهمية قصوى.

إنّ امتلاك أي بلد في العالم الثروات والصناعات الثقيلة والقوة والنفوذ والعملات الصعبة، لا يجعله في مأمن حقيقي وقرار مستقلّ، طالما لم يمتلك الأمن الغذائي، على الأقلّ في مجال الزراعات الاستراتيجية من حبوب وبذار وزيوت ولحوم ومنتجات خضار وفواكه رئيسية وخبرات زراعية وبيطرية كافية. فكيف الحال في بلد صغير كالأردن؟

إنّ اهتمام الحكومات المُتعاقبة المُفترض بالزراعة يعني استقراراً اجتماعياً وديموغرافياً واقتصادياً، كما يعني امتلاك القرار السياسي والاقتصادي أو الاقتراب منه، ويعني امتلاك الأمن الاجتماعي، وتكامُل القطاعات الاقتصادية وإعلان حرب لا هوادة فيها على البطالة.

وحتى يتحقق الاهتمام الكافي، لا ينبغي النظر إلى الزراعة وفق منظور الغرب الرأسمالي وفقر المياه جرّاء سرقة الكيان الصهيوني لمياه نهري اليرموك والأردن وسفوح الضفة الغربية، وأحواض مياه أخرى عديدة، وإنما إلى النتائج البعيدة والقريبة للزراعة كمكوِّن اقتصادي وديموغرافي واجتماعي وثقافة عربية أردنية عريقة.

إنّ العودة إلى الزراعة، بمفهومها الشامل الواسع، خاصة الزراعات الاستراتيجية، سينعكس إيجاباً في المدى المتوسط على مُجمل الحياة في الأردن، مهما أُنفق عليها من أموال حتى يتمكّن المزارعون بكلّ أنواع زراعاتهم من الصمود.

ولكي يكون الاهتمام في صلب الاستراتيجية الاقتصادية الأردنية، لا بدّ من أن تكون هناك مؤسسات للإقراض والتسويق الزراعي، ونشرات تثقيفية وإرشادية للمزارعين وإنشاء غرف وتعاونيات زراعية ومعامل لاستيعاب الفائض من المنتجات الزراعية وفتح الأسواق ومعابر التصدير ودعم الشحن الجوي والبحري وانتهاج سياسة واضحة للتعويض عند حدوث عواصف أو حرائق وما شابه والتعويض في حالات الحروب وإلزامية النمط الزراعي للمزارعين وربط العمالة الوافدة بوزارة الزراعة ووقف الملاحقات القضائية بحقّ المزارعين وجدولة قروضهم، ووقف التعامل الزراعي مع الكيان الصهيوني من خلال تطوير الزراعة المحلية والاستيراد من بلدان عربية أخرى، كمصر والسودان وسورية ولبنان وتونس والجزائر، عند عدم كفاية المنتج المحلي ويمكن مُبادلته بمنتجات أردنية زراعية متوفرة.

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى