تونس تحتضن منتدى العدالة وتنتصر لفلسطين والمقاومة
رامز مصطفى
شكل انعقاد المنتدى العربي والدولي الثاني من أجل العدالة لفلسطين الذي احتضنته تونس بأحزابها وقياداتها وهيئات مجتمعها الأهلي وشعبها المُحبّ، علامة فارقة كانت محط اهتمام لافت لدى الكثير من الأوساط السياسية والحقوقية والإعلامية، ليس لجهة المكان والتوقيت وحسب، بل الحشد الكبير الذي حضر أعمال المنتدى على مدار يومي 22 و23 من نيسان الحالي، حيث حضرته 400 شخصية من نخب عربية ودولية، ضمّت فصائل وأحزاب ورجال دين وشخصيات برلمانية، ومؤسسات ومنظمات أهلية وحقوقية، والذي توّج في ختام أعماله بـ«إعلان تونس من أجل العدالة لفلسطين»، الذي أطلق في مؤتمر صحافي عقدته لجنة المتابعة للمنتدى في السادس والعشرين من الحالي في بيروت. وما تضمّنه من عناوين عشرة تمحورت حول فلسطين ونضال شعبها وكفاحه وانتفاضته الشعبية الثالثة.
لا شك أنّ احتضان تونس لهذه التظاهرة السياسية والحقوقية والإعلامية، إنما جاء تعبيراً صادقاً عن توجهات وخيارات الأشقاء في تونس وأحزابها ونخبها في التبنّي والاحتضان الكامل للقضية الفلسطينية وأبنائها في كفاحهم المشروع والمحق في مواجهة كيان الاغتصاب الصهيوني وجرائمه المستدامة والمتمادية ضدّ البشر والحجر والشجر على أرض فلسطين. وبالتالي رسالة بالغة الوضوح لجهة الانحياز إلى جانب خيار المقاومة في سياق الصراع العربي الصهيوني، وشواهد هذا الالتزام أكدته القافلة الطويلة من الشهداء التونسيين الأبطال على مدار عقود هذا الصراع. وهذا ما ذهبت إليه كلمات ومداخلات المشاركين لا سيما موضوع المقاومة في لبنان ومحاولة تجريمها وشيطنتها ووسمها بالإرهاب من قبل مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية وقمة المؤتمر الإسلامي في تركيا. مؤكدة على تبنّيها وإدانتها لتلك القرارات والتوجهات التي قدّمت خدمة مباشرة للكيان الصهيوني على حساب التنكر للمقاومة وإسهاماتها في الدفاع عن المصالح العليا لأمتنا. ناهينا عن المواقف الراسخة اتجاه الوقوف الحازم إلى جانب الدولة السورية وجيشها في مواجهتها لقوى الإرهاب والمجموعات المسلحة ومموّليهم ومشغيليهم.
أيضاً ما شهدته العاصمة التونسية على هامش المنتدى من لقاءات ووقفات تضامنية وحفاوة التكريم لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان، يأتي دليلاً على اتساع حجم التأييد والتبني للمقاومة وخياراتها في مواصلة كفاحها في مواجهة العدو الصهيوني وسياسات الإدارة الأميركية الحامية الحقيقية للكيان من خلال تبنّيها الفاضح لسياساته العدوانية والعنصرية وجرائمة ضدّ الشعب الفلسطيني.
إنّ المنتدى العربي والدولي من أجل العدالة لفلسطين في دورته الثانية بما شهده من حشد واسع ومتنوّع من المشاركين، حيث جاء انعقاده على توقيت لتطورات تشهدها المنطقة، أولها اندلاع الانتفاضة وتوسع رقعة مقاومة أبنائها والتضحيات التي يقدمونها يومياً في مواجهة الاحتلال «الإسرائيلي» ومستوطنيه، وهي التي عززت من إمكانية وقدرة الشعب الفلسطيني على تعميق مآزق وأزمات الكيان الصهيوني. وثانيها صمود محور المقاومة في المنطقة على مدار السنوات الخمسة في مواجهة الحرب الكونية التي تشنّها الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وأدواتها الوظيفية، بهدف كسره وإلحاق الهزيمة به. لتأتي سياقات الأحداث أنّ محور المقاومة في المنطقة بصموده الأسطوري ليؤكد قدرته على إلحاق الهزيمة بالمحور الأميركي، على الرغم مما يمتلكه هذا المحور من قدرات وإمكانيات سخّرها ووظّفها في تخريب ممنهج للمنطقة ودولها خدمة للمشروع الصهيو أميركي. وثالثها تردّي المشهد العربي بشكل خطير، نتيجة جنوح وانزلاق البعض الرسمي بشكل سافر نحو قيادة حملة تهدف إلى شيطنة المقاومة في لبنان ووسمها بالإرهاب، واستخدم هذا البعض في تأثيره على مؤسسات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لتغطية توجهاته وقراراته المدانة والمشبوهة بقوة البترو دولار وسطوته، لتأتي التوجهات والقرارات متماهية تماماً مع العدو الصهيوني الذي ترى فيه هذه الدول أنه لم يعد يشكل خطراً على الأمن القومي العربي.
إنَّ ما تضمنه «إعلان تونس من أجل العدالة لفلسطين» من عناوين رئيسية تمحورت بعشرة نقاط حول فلسطين ومقدساتها وانتفاضة الشعب الفلسطيني، وإدانة صمت المجتمع الدولي على جرائم الاحتلال، والدعوة الواضحة إلى التمسك بالمقاومة خيار الأمة وشعوبها، لأنّ العدالة لفلسطين لن تتحقق طالما بقي الكيان الغاصب جاثماً على أرض فلسطين. ووجه النداء التحية باسم المشاركين إلى شعب تونس الأبي، الذي احتضن أعمال المنتدى، والذي برهن وأكد على الدوام وقوفه إلى جانب فلسطين ومقاومة شعبها، وقدّموا في سبيلها التضحيات والشهجاء نصرة لها.
وأضيف كيف لا، وأبناء هذا الشعب العظيم كما سائر أبناء المغرب العربي، انخرطوا مبكراً في مقاومة الغزوات بما فيها الهجمة الصهيونية منذ ما قبل العام 1948 بكثير، وحي المغاربة في القدس شاهد حي على عظمة تضحياتهم. كيف لا وشاعرنا الراحل الكبير محمود درويش قد قال في وداعه لتونس: كيف نشفى من حب تونس… الذي يجري فينا مجرى النفس… نحبك يا تونس أكثر مما كنا نعرف…