مختصر مفيد التكامل المشرقيّ
– سيحاول الكثيرون البحث عن حلول للأزمات التي تعاني منها دول المشرق العربي والإسلامي وخصوصاً لبنان وسورية والعراق وإيران. وسيسعى كل منها ونخبه الاقتصادية والسياسية المتفقة والمختلفة الخوض في مشاريع وبدائل، لكن الحقيقة التي تقولها الطبيعة ستبقى هي الأقوى والأشد وقعاً وتأثيراً، وهي أن هذا المتحد الجغرافي هو مدى اقتصادي حيوي أقيمت بينه حواجز وهميّة كان عبر التاريخ يراكم ثقافة واقتصاداً وعلوماً واجتماعاً عابراً لها. فنهضت كياناته وتشكلت على أرضه إمبراطوريات حكمت العالم لقرون.
– قبل سايكس وبيكو وبعدها وقبل الإمبراطورية العثمانية وبعدها، عندما يصل إفلاس المشروع الاستعماري إلى حد استبدال إغرائه بالتقدم التقني والاقتصادي والعمراني كمقابل للتعايش مع مشروعه بتكرار التهديد الإسرائيلي بإعادة شعوبنا وبلادنا إلى العصر الحجري؛ وما تعنيه العبارة من التجويع والحرمان والتلويح بالانهيار والإفلاس، فهذا يعني أن قوة الإغراء للتخلي عن وحدة المدى الجغرافي الطبيعي وما تجنّده من قوى ومصالح قد سقط، وأن الإغراء المعاكس تاريخياً وجغرافياً قد بدأ، وهو الإغراء بتخطي الحدود المصطنعة وتجسير وتشبيك المصالح الاقتصادية العابرة للحدود.
– ليس مهماً متى سيحدث ذلك، لكن الأكيد أنه سيحدث قبل وقوع الانهيار الذي يهدد به المشروع الغربي الذي قام على مقايضة النهضة بالاقتصاد والعمران بقبول الحدود وعندما يصير مشروعه قائماً على الجمع بين بناء الجدران على الحدود ودفع البلاد نحو الإفلاس ستسقط الجدران كطريق حتمي لمواجهة خطر الإفلاس.
– تكفي نظرة على طبيعة الموارد الطبيعية والزراعات والصناعات والخدمات والكفاءات التي تمتلكها دول هذا المدى الجغرافي لنعرف أنها قادرة على تبادل أغلب حاجاتها دون المرور بالعملات الأجنبية، وأنه يكفيها توافق مصارفها المركزية على قبول التداول بعملاتها الوطنية وفق لائحة تسعير أسبوعية موحّدة تصدر لهذه العملات، وفتح الحدود البرية بلا رسوم ولا ضرائب متبادلة أمام التجارة الحرة وأمام الشركات للعمل في أسواق هذه البلدان بأقلّ قيود ممكنة حتى تبدأ نهضة تغير وجه المنطقة وتنشئ تكتلاً اقتصادياً لا ينقصه الكثير حتى يشكل بعضاً من صورة الاتحاد الأوروبي ويكون نواة لتكتل اقتصادي مشرقي يدخل الأسواق العالمية رغم أنف العقوبات الأميركية التي لن تستطيع الصمود طويلاً كي لا تسقط العملة الأميركية.
ناصر قنديل