الوقوع في الفِخّ
د. عماد عكوش
عندما بدأ الحراك في 17 تشرين الأول، تأمّلنا خيراً في تحقيق الإصلاح السياسي، والاقتصادي، وكان مفترضاً أن يلاقي الحراك السياسيين الذين يحملون لواء محاربة الفساد ليكونوا سنداً داعماً ضاغطاً لتحقيق هذه الإصلاحات، وكان يمكن ان يحدث هذا التعاون تغييراً جذرياً في السياسة والاقتصاد. ولا زلنا نأمل هذا التعاون علنا نستطيع ان نحدث تغييراً في الواقع الطائفي الحالي.
في بداية الحراك نزلت الناس وبشكل عفوي تطالب بمحاسبة الفاسدين وإعادة المال المنهوب، لكن هل يمكن تحقيق ذلك بالشعارات فقط أم نحن بحاجة الى من يقدّم قوانين في هذا المضمار، وبالتالي بحاجة الى نواب نظيفي الكفّ يقفون الى جانب هذا الحراك؟
لقد كانت هذه البداية مخيفة للولايات المتحدة الأميركية لكون معظم المتهمين بالفساد هم حلفاء لها، لذلك لجأت الى زرع مجموعات منظمة ضمن الحراك تنادي بشعار “كلن يعني كلن” حتى تضمن عدم قيادة هذا الحراك أو على الأقل دخول الحزب بكل ثقله في هذا الحراك.
نعم لقد استطاعت هذه المجموعة إخراج كل الأحزاب حتى مَن لا يوجد لديه أي ملف فساد، وبالتالي أخرجتها من إمكانية الاستفادة منها في عملية الإصلاح عبر رفع شعار “كلن يعني كلن”. وكانت هذه الشعارات مقصودة ومقصود من ورائها إخراج هذه الأحزاب، لأن دخول هذه الأحزاب ضمن المنظومة الحركية للثوار كان يمكن أن يضاعف من شعبية هذه الأحزاب؛ وبالتالي فإن المقصود من وراء خروج هذا الحراك عبر مجموعات منظمة بهذه الشعارات لن يحقق الهدف الأساسي منها وهو إضعاف قوى الإصلاح والسيادة.
كما وقعت أيضاً هذه الأحزاب الإصلاحية في الفخ الذي نصبه لها هذا الجزء من الحراك، بحيث أصبحت في الجانب الآخر من الضفة، وبدأت تدافع بها عن نفسها تجاه من يتهمها بالشراكة مع الفساد، وبالتالي أصبحت أسيرة هذا الدفاع، ولم تعد تتمكن من الوقوف الى جانب هذا الحراك أو الاستفادة منه لفرض محاربة الفساد ولفرض الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلد.
كما فرضت في المقابل الولايات المتحدة على الأحزاب الحليفة أن تخرج من الحكومة فكانت استقالة الرئيس سعد الحريري واستقالة وزراء القوات والضغط لاستقالة وزراء الاشتراكي. كما فرضوا على هذه الأحزاب ان تدخل بطريقة او بأخرى في هذا الحراك مع القيام ببعض الخطوات الاستفزازية والتي طالت الحزب وبيئته حتى تستدرجه هو وبيئته الى الشارع، وبالتالي حصول صدام على الأرض يبرر تدخلاً أممياً أو دولياً. لقد استطاع مَن رسم هذا الفخّ أن يوقع بين الناس العفوية التي نزلت الى الشارع بكل عفوية وبين الأحزاب الإصلاحية والتي تبنت قوانين إصلاحية كثيرة ولازلنا نأمل أن يتم، لكن بالتأكيد هذا الأمر أصبح صعباً جداً، لكن هل يمكن إنجاز توافق أو تسوية معينة بين هذا الحراك وهذه الأحزاب مع تشكيل الحكومة الجديدة، أم أن هذا التوافق غير مقبول لا اليوم ولا في الغد؟