بلبلة عشية الذهاب للاستشارات النيابية… ومؤتمر في باريس لتمويل عاجل يمنع الانهيار التياران الأزرق والبرتقالي يتبادلان الاتهامات بنسف التسوية على “الخطيب” ترجيح تسمية الخطيب قائمة… لكن البديل هو الحريري بتأجيل أو بدون تأجيل
كتب المحرّر السياسيّ
مع تقدم موعد الاستشارات النيابية والاقتراب من يوم الاثنين المحدّد لها من رئيس الجمهورية، بدأت كل الكتل النيابية تعيد حساباتها لترصيد الأرباح والخسائر، وبدا أن التسوية المبرمة لا تزال هشّة وعرضة للاهتزاز، في ظل ما ظهر من فقدان للثقة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، حيث أظهرت مواقف التيار الوطني الحر تشكيكاً بصدق سير الرئيس سعد الحريري بالتسوية، وتحدّث بعض نواب التيار عن مخاوف من مشروع توريط بتسمية الرئيس المكلف وعدم الوصول لحكومة، أو تشكيل حكومة وتفخيخ مسيرتها بتفجير الأزمة بوجهها بصورة دراماتيكية تستعيد مشهد ما جرى مع حكومة الرئيس عمر كرامي في عام 1992 تمهيداً لمجيء الرئيس الراحل رفيق الحريري، ليتسنّى هذه المرة للرئيس سعد الحريري العودة على حصان الأزمة، كما قال النائب ألان عون في حديث تلفزيوني ليل أمس؛ بينما تحدّث تيار المستقبل عن شكوكه بصدق سير التيار بالتسوية التي كان شريكاً كاملاً في إنتاجها، متسائلاً عن معنى لقاءات روما التي يؤكد أنها جمعت وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بمن يصفونه بمرشحه لرئاسة الحكومة النائب فؤاد مخزومي، ويتحدّث المستقبليّون عن تبلّغهم من التيار الوطني الحر عزمه على عدم المشاركة في حكومة المهندس سمير الخطيب إذا تمّت تسميته، وتفضيل البقاء في المعارضة لعدم الوقوع في فخ المشاركة بحكومة ستنفجر بوجهها أزمة بدلاً من أن تصنع على أيديها حلول.
في هذا المناخ أكد الفرنسيون الدعوة لمؤتمر دولي إقليمي حول لبنان لتوفير الدعم المالي العاجل لمنع الانهيار المالي مواكبة للتسوية الحكومية، والمؤتمر المقرّر انعقاده يوم الثلاثاء ستحضره الدول الأوروبية وأميركا وروسيا والصين ودول الخليج خصوصاً السعودية والإمارات، وربما قطر وتركيا أيضاً.
الساعات المقبلة ستكشف الكثير من المواقف المغفلة، تمهيداً لصورة واضحة ليوم الاثنين، خصوصاً بالنسبة لتيار المستقبل الذي ستتولى كتلته تسمية مرشحها لرئاسة الحكومة في صدارة الاستشارات، وتكون أول الكتل التي تكشف أوراقها، وما لم يتم تأجيل الاستشارات بقرار من رئيس الجمهورية تفادياً لانكسار التسوية والذهاب إلى المجهول، ترجّح مصادر متابعة أن يكون موقف الرئيس الحريري أحد موقفين، إما السير بتسمية المهندس سمير الخطيب، أو قبول العرض الذي تلقاه من ثنائي حركة أمل وحزب الله عبر وزير المال علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، بدعوته لتلقف مضمون التسوية التي أسست للتفاهم على اسم الخطيب وترؤسها من قبله شخصياً. وهذا يعني أن يزور الحريري عين التينة ويتفاهم مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الصيغة الجديدة.
في حال قام المستقبل بتسمية الخطيب سيكون اسم الخطيب قد حُسم عملياً، حيث سيتولى نواب كتل كثيرة السير بتسميته، والأرجح أن التيار الوطني الحر وتكتل لبنان القوي سيفعلان ذلك، وسيتم ترحيل التفاوض على مشاركة التيار لما بعد التكليف، أما في حال قبول الحريري ترؤس الحكومة الجديدة وفقاً لشروط تسمية الخطيب فسيكون تواصل جديد بين حزب الله والتيار الوطني الحر لإسقاط التحفظات والشكوك التي يبدّدها تولي الحريري نفسه رئاسة الحكومة.
في حال التأجيل تكون علاقة التيار الوطني الحر مع حزب الله قد دخلت مرحلة من الإرباك تحتاج إلى ترميم، وتفاهمات جديدة، ويُخشى أن يوفر هذا الارتباك فرصة لتحسين شروط الحريري في العودة إلى رئاسة الحكومة، بما يفتح الباب لخلط أوراق سياسي ربما يغيّر الكثير من المشهد السياسي.
تتجه الأنظار إلى بعبدا التي تشهد استشارات نيابية ملزمة تحدّد مسار التكليف والتأليف. وحافظت المواقف على ثباتها لجهة المشاركة في الاستشارات وإن لجهة تسمية المرشح الأوحد حتى الساعة المهندس سمير الخطيب، إلا أن مؤشرات لاحت أمس تشي بإمكانية خلط الأوراق وتعديل وجهة الاستشارات وتعيد الرئيس سعد الحريري الى واجهة المشهد مع بروز الدور الفرنسي المتقدّم على خط الأزمة السياسية.
وفي حين تردّدت معلومات عن إمكانية تعديل أو تأجيل موعد الاستشارات بسبب تلويح الحراك بتصعيد كبير في الشارع رفضاً لإجراء الاستشارات ولتكليف الخطيب، أكدت أوساط بعبدا لـ»البناء» أنه «لم يحصل أي تغيير في موعد الاستشارات الاثنين المقبل»، موضحة أن «هذا استحقاق دستوري ولا يمكن لأحد أن يمنع حصوله»، مشيرة الى أن «هناك إجراءات أمنية مشدّدة ستتخذ بالتنسيق بين الحرس الجمهوري والجيش اللبناني والقوى الأمنية لتأمين طريق القصر الجمهوري ووصول النواب إليه».
ولفتت الاوساط الى تضخيم إعلامي لبعض التحركات التي تحصل امام القصر الجمهوري، متسائلة كيف يطالب الحراك رئيس الجمهورية باستشارات، ولما تحدد الموعد طالب بإلغائه ويدعو الى عدم حصولها وصولاً الى التلويح بقطع طريق القصر ومنع النواب من الوصول؟ مضيفة: «هم بذلك يطالبون بالشيء ونقيضه»، مؤكدة أنه «اذا كانت هناك نية وارادة لدى النواب للمشاركة في الاستشارات فلا يمكن لأحد منعهم». كما أكدت الأوساط أن «الاستشارات لن تُلغى ولن تؤجل رغم أن ذلك حق لرئيس الجمهورية، لكن مهما كان موقف كتلة المستقبل وغيرها من الكتل، فإن الاستشارات ستستمر لتشمل كافة الكتل وفي ختام الاستشارات تُحتسب الأصوات ومَن ينل الاكثرية إن كان سمير الخطيب أو غيره يكلّف بتأليف الحكومة». ورجّحت الأوساط تكليف الخطيب بأكثرية مريحة في ظل التزام 4 كتل أساسية بتسميته وهي تكتل لبنان القوي وكتل المستقبل والتنمية والتحرير والوفاء للمقاومة، فضلاً عن اللقاء الديموقراطي والمردة وكتل أخرى».
وعلمت «البناء» أن «الاتصالات مقطوعة بين بعبدا وبيت الوسط ولا مشاورات لعودة الحريري، مستبعِدة أي مفاجآت تعيد خيار الحريري الى الواجهة خلال المدة الزمنية الفاصلة للاستشارات». لكن برزت أمس الدعوة الفرنسية لحضور اجتماع مجموعة الدعم الدولي للبنان، يعقد في 11 كانون الأول الجاري في باريس، وفق ما أفادت رويترز نقلاً عن مصدر أوروبي. ما فسّرته مصادر على أنه تعويم لمؤتمر سيدر الذي ارتبط بوجود الحريري في رئاسة الحكومة. وبالتوازي برزت أيضاً رسائل وجّهها الحريري إلى رؤساء ورؤساء وزراء عدد من الدول، طالباً مساعدة لبنان بتأمين اعتمادات للاستيراد من هذه الدول، بما يؤمن استمرارية الأمن الغذائي والمواد الأولية للإنتاج لمختلف القطاعات، وذلك في إطار الجهود التي يبذلها لمعالجة النقص في السيولة، وتأمين مستلزمات الاستيراد الأساسية للمواطنين. وشملت الرسائل كلاً من رؤساء السعودية وفرنسا وروسيا ومصر وتركيا والصين وإيطاليا ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو.
وبحسب مصادر إعلامية فإن رئيس المجلس النيابي نبيه بري حمّل رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط رسالة الى الحريري مفادها: «تنازل بعض الشيء وترأس أنت الحكومة الجديدة». وأشارت مصادر في 8 آذار لـ”البناء” “تمسك ثنائي أمل وحزب الله بالحريري مراهنين على عودته عن قراره وموافقته على ترؤس الحكومة خلال الساعات الفاصلة عن الاثنين”، وأوضحت أن سبب تمسّك الثنائي بالحريري هو اعتباره جزءاً من المسؤولية الذي أوصلت البلد الى هذه الأزمة الكبيرة، وبالتالي مَن كان يبدي شجاعة وحماسة لترؤس الحكومات السابقة لا يمكن له أن ينسحب في هذا الوقت الذي وصل فيه البلد الى حافة الانهيار”. ولمست المصادر «تراجعاً وتسهيلاً في الموقف الأميركي والأوروبي لجهة تأليف الحكومة في لبنان بمعزل عن الشروط التي وضعها الحريري للعودة في بداية المفاوضات عازية السبب الى الخوف الدولي من الانهيار الكامل في لبنان الذي يضر بالمصالح الغربية». لكن مصادر أخرى تخوّفت من تحريك الشارع قبيل الاستشارات لخلق ذريعة لبعض الكتل ككتلة المستقبل لعدم المشاركة في الاستشارات وبالتالي حجب الغطاء السني عن الخطيب وإسقاطه سياسياً وسنياً وشعبياً في الشارع وتعميق وتعميم الفراغ في السلطة ومزيد من الفوضى على كافة المستويات.
وفي هذا السياق كانت لافتة كلمة رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمر «يوروميد» بروما، الذي أشار الى أن «الفوضى في لبنان التي يُعِد لها البعض في الخارج، ستكون نتيجتها حتماً كما الأزمة السورية: خراباً للبلد، ودماراً لمؤسساته، ودماً لأبنائه، وتطرفاً متنقلاً، ونزوحاً باتجاهكم وستكون في النهاية انتصاراً لأهل الأرض وهزيمة لأعدائها. وستكون نتيجتها كذلك اختلالاً في الموازين الداخلية، فيما لبنان بلد التوازنات لا يريد المزيد من الاختلال ولا يريد الانتصار بخرابه، إن كان انتصار البعض من أبنائه على البعض الآخر، أو كان انتصار خارج على خارج من خلاله. فمنطق الخاسر والرابح في لبنان مرفوض ولا يدوم، ومسار حياتنا الوطنية دليل على ذلك».
ولفتت معلومات الى أن باسيل وبعد تسميته للخطيب «سيكون له موقف من المشاركة في الحكومة واحتمالات بعدم مشاركة التيار أو المشاركة بوزير دولة»، لم تؤكد مصادر التيار هذه المعلومات. في المقابل وفي وقت أعلنت القوات اللبنانية أنها لن تسمّي أحداً في الاستشارات، أفادت مصادر نيابية في حزب الكتائب لـ»البناء» الى أن «الكتائب سيعقد اجتماعاً خلال اليومين المقبلين ويقرّر على ضوئه المشاركة والتسمية»، وأكدت أنها «لن تسمّي الخطيب مبدية اعتراضها على طريقة الاستشارات التي حسمت التكليف والتأليف قبل حدوث الاستشارات».
على صعيد الحراك، أفادت مصادر أنه «يجري التنسيق بين المتظاهرين في كل المناطق والاتجاه إلى إعلان إضراب عام الإثنين وإقفال الطرقات احتجاجاً على ما يتم التداول به من حكومة يعتبرون أنها أسوأ من السابقة وليست مؤلّفة من اختصاصيين».وكانت سرت إشاعات عن الوضع الصحي للخطيب لكن مكتبه نفى هذه المعلومات، مشيراً الى ان «الخبر المشار اليه، شأنه شأن سائر الشائعات عار عن الصحة، ولمن يهمه الأمر، فإن صحته جيدة جداً».