فهد العبدالله… تجربة عميقة في فلسفة الصلاة وثورته بالصوت من خلال الرقص
} جهاد أيوب
هو ليس من العابرين في فن الدبكة… وهو ليس راقصاً في الفنّ الأصعب، وليس رقماً سهلاً في فنون التراث، وليس متحدثاً والسلام…
هو حالة استطاعت رسم حضورها، وثقة في الفنّ الثابت كرائد، والمتغير من بعده ليبقى هو المدرس، والبصمة عبر الزمن في زحمة الأيام والمواهب والتعب والتنافس والغيرة والحرب اللبنانية مع بعض الحقد! هو واحة في فهم خطوات الموهبة، وعباءة مزركشة بالتراث الشرقي العميق، وقصيدة حروفها بريق الصلاة مع نغم يشبهنا…
هو ثائر أراد أن يصرخ مترجم ثورته من خلال الصوت الطالع من فنون الرقص التعبير الحركة.. هو عرف كيف نروح من جراء النظر!
أقصد هو التجربة الراسخة الواثقة بسمفونية الرقص الشعبي، وبكبرياء الدبكة اللبنانية المنعكسة بجذور مشرقية… إنه بكل مسؤولية كاهن الدبكة العريقة فهد العبدالله .
فهد العبدالله تمسك بفنون الدبكة التراثية بكل فصولها اللبنانية وأعماقها العربية وجذورها المشرقية، ونقلها بتطوير لا انفصامات فيها، ولا حركات إيمائية مأخوذة من هنا وهناك بعباطة، أو سرقها من فنون راقصة جميلة لكنها ليست منا ولا تشبهنا، أو استعارها من عالم رقص الباليه، هو هويتنا الغنية بفلسفة الجسد وعمق الروح الهاربة إلى رقص يزيدها اشراقاً!
اللعبة والحركة والتراث
لا انفصامات في لعبة فهد في كل ما قدمه حتى الآن منذ أن أسس فرقة «فهد العبدالله للفنون اللبنانية» عام 1978، ومن خلالها ومعها اقتحم مسارح اليابان، والصين، وكوريا، وفرنسا، واليونان، وبلغاريا، وقبرص وكل الوطن العربي حتى غدا الابرز، والمسؤول الذي عمل على نبش الذاكرة وتقديمها بصورة بلوحة غير ساذجة!
هو في لعبته يجسّد روحاً لبنانية مدروسة على صعيد تصرفات الفرد بقالب مشوق دون تشويه الاصول، ومبادئ الحرف الكلمة والحركة الارتجالية لتصبح قالباً مشوقاً على طول الشكل!
التزم فهد بما قدم أكثر بالتراث والفلكلور كأسلوب عمل خاضع للتجديد من خلال تطوير الشكل الفردي بالتشكيل الجماعي، وبخطوات منسجمة مع إدخال تقنيات مدروسة ومعاصرة تشبهنا، وتكون معنا ومن حولنا، ونقوم بها يومياً ولا نعرف أو نتنبه إليها مع أننا نغير تصرفاتنا مع تغيير إيقاع العصر فيأتي هذا العبدالله القلق ببحث النظر والقراءة ويلتقطها ويدرسها ويشبكها في ذاكرة صورة مفصلة عنا.
اقصد فهد العبدالله لا يهدأ، لذلك لا يكبر، ولم تتغير ملامحه الشخصية والفنية، إنه ملك الكوريغرافيا في حركة دائمة داخل مشهدية غنية تتمايل فيها تناغمات أجسادنا طرباً وانسجاماً.
الرقص صلاة
لا تزاوج بالإكراه في حركة المجاميع عند فهد العبدالله بحجة التطوير، بل دراسة معمقة في اختزال الكون بمشهدية، بلوحة القصة، بحركة، بثوب ببصمة لبنانية فيها كل الكل في الشرق كما ذكرنا آنفاً، ويضاف إليها أنها تنبض بحركة نشيطة دائماً!
الذكاء في هذا التزاوج المطرز بعبارة الموسيقى الصوت العربي بعمق كل نوتات المشرق المنبر المنير!
هو يدرك أن الرقص صلاة وأول الفنون على الأرض، وأول الخطوات تكون بالرقص، وأول خطوات الطفل تكون بالرقص!
هو يدرك أن الرقص صرخة من داخل الصمت وقلق الحرية… وهو يعمل على أن يكون الشريك في البوح من خلال ثبوت القدم الراسخة بالأرض مع ضوابط الدبكة المشغولة بالحصاد والمواسم والثمار وخطوات العنب!
فهد أوصل إلينا أن الرقص قراءة لذلك هو تعمّد أن يغوص في فكر الشعوب وتراثها، في لغتها المنبعثة من اجسادها، في عاداتها وتقاليدها، وتصالح مع ذاته ومحيطه ومع آلهة كل العصور ليؤكد أن الرقص الدبكة ثورة، وثبت في كل ما قدمه أن إله الرقص عند الفينيقيين «بعل مرقد»، وعند الفراعنة «بعل سونة»’، وفي الصين يرتبط الرقص بالدين والأخلاق، ولم تتذكر الشعوب التي احتلت بلاد الهنود الحمر في أميركا غير رقصات الهنود، وما حملوه من بلادهم من فنون الرقص الجماعي!
كلمة أخيرة
لم يُنظّر فهد في تقديم تجاربه رغم ما تحمل من لغات وإشكالات وسجالات وجماليات وعادات وتنوّعات، ولم يتفلسف في تقديم فنون الدبكة اللبنانية وأنواع الرقص الشرقي المأخوذ من محلية التصوف والصلاة، وثورة المتعبين، وانتفاضة الذات… قدمنا عفواً قدم فنوننا الجماعية بقراءة الفرد فينا حتى غدت صورة عنا وهذا أجمل ما في فلسفته وأسرار حضوره.فهد العبدالله تجربة تشبه روحه، وروحه تشبه جارنا، وجارنا يشبه الوطن، والوطن حكاية تراب وماء وشجر، وكل ما لديه من صخر بعمق الحجر، وحجر يغازل الحجل، وطيور تحاور العاصفة، وعاصفة تهدر مع أنفسنا وأنفاسنا وأناسنا وكل فرد فينا، وكل فرحنا لتقف في وجه كل من يعتدي علينا… قد نبالغ في الوصف… والوصف يعجز أمام وصف فنون تجربة فهد العبدالله الراسخة الواثقة!