أولى

لبنان: الحراك الشعبي… والخروج من الأزمة…

 د.جمال زهران _

بعيداً عن المسمّيات الآن، بأن ما حدثولا زالفي لبنان هو ثورة شعبية خالصة أم انتفاضة شعبية سرعان ما تخمد وتنتهي ولو بمجرد وعود، إلا أن الثابت الآن هو أن ما حدث هو حراك شعبي حقيقي، تحاول بعض الأطراف الداخلية والخارجية ركوبه وتوجيهه إلى قبلتها، ولكنهم منكشفون، وفشلوا حتى الآن، حيث إن الرد من رموز وقادة الحراك الحقيقية، يكون عملياً على كل مَن يحاول اقتناص الفرصة وركوب الحراك. ومثال ذلك بعد ظهور المدعو فيلتمان (السفير الأميركي السابق في لبنان) وطرح الأفكار والشروط والتحدث باسم الصندوق والبنك الدوليين، وكذلك باسم الادارة الأميركية، فكان الرد العملي هو توجه آلاف المتظاهرين إلى السفارة الأميركية يرفضون، التدخل الأميركي في الداخل اللبناني، ويندّدون ويحذرون، إلى حد التهديد ضد هذا التدخل السافر، ليتأكد للجميع أن الحراك ليس خارجياً أو أميركياً، وغير ذلك كثير.

إذن الحادث هو حراك شعبي حقيقي، تخطى الخمسين يوماً حتى الآن. والواضح أن الاستهداف الحقيقي لهذا، هو إسقاط وتغيير معادلات الحكم والسلطة في الدولة اللبنانية، الأمر الذي زلزال مضاجع السياسيين، بعد أن تم الترويج لشعار (كلن.. يعني كلن)، إلا أن السؤال الحقيقي للمراقبين عن كثب واهتمام كبيرين هو: ماذا آلت إليه الأحداث والحراك منذ أن بدأ وحتى الآن؟

ويمكن القول إنه في خضم انفجار الثورات العربية خصوصاً في تونس (ديسمبر 2010م)، ومصر (25 يناير 2011م)، وتفجّرت في عدد من الدول العربية انتفاضات، من أهمها تظاهرات شبابيّة في لبنان في عام 2013م، ترفع شعار (الشعب يريد تغيير النظام الطائفي)، لكن تمّ إجهاضها. وفي عام 2015 م، وإثر أزمة النفايات، امتلأت الشوارع بتظاهرات الغضب على أسابيع لكن تمّ إجهاضها أيضاً. ثم تفجّرت تظاهرات في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019م، تحت شعار (كلنيعنيكلن )، وتحطيم وإسقاط النظام الطائفي ومزاياه. وأضحت الحراكات الشعبية الأخيرة والتي لا زالت حتى الآن، وهي الأطول زمنياً بالمقارنة بالحالتين السابقتين (تقترب من الشهرين بشكل مستمر)، والأكثر إصراراً وتصميماً على المزيد من المشاركة والمطالبة بالحقوق، وإعادة هيكلة المجتمع اللبناني (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً..) ويمكن الرجوع لمقال هام في هذا الصدد، للصديق معن بشور بعنوان (الثالثة تابتة)، بتاريخ 24/10/ 2019م بعد مرور ثمانية أيام على بدء ما سماها بالانتفاضة الشعبية. ويبقى السؤال مرة أخرى؟ ما هو الحصاد؟ والخروج من الأزمة؟

حتى الآن، فإن هذا الحراك الشعبي اللبناني استطاع تحقيق ما يلي:

الإطاحة بحكومة سعد الحريري، الذي أعلن بنفسه وبعد مراوغات استقالة حكومته.

الإطاحة بأكثر من اسم/ تمّ طرحه لرئاسة الحكومة من قواعد النظام الذي أعلنت غالبية الشعب في الميادين سقوطه علمياً.

القضاء على أحلام سعد الحريري، في إعادة اسمه للصدارة والترشح مرة أخرى لرئاسة الحكومة.

عدم تمكين مجلس النواب من الانعقاد، ولأكثر من مرة، حيث تمّت إعاقة وصول النواب إلى البرلمان، الأمر الذي أفقد مجلس النواب شرعيته السياسية وهي القبول العام من مواطني البلاد، وهو الأمر الذي يستلزم إعادة انتخابه.

الفضح المستمر للفاسدين والعملاء، الذين يحاولون ركوب موجة الحراك لإخفاء فسادهم وفي مقدمتهم (سمير جعجع، ووليد جنبلاط، (ابن الزعيم كمال جنبلاط الوطني العروبيللأسف)، والسنيورة وغيرهم..) الذين يمتلكون مليارات الدولارات، قدرت وبالارقام بـ (400) مليار دولار، بينما لبنان مدين بأكثر من (100) مليار دولار!!

الإجماع الشعبي حول ضرورة استمرار المقاومة وحزب الله، وهو النزيه الذي لم تطاله أحاديث الفساد، وأعلن أمينه العام السيد / حسن نصر الله، أن ملفاته جاهزة للتحقيق اذا تم الاستدعاء على أي شبهة وفي منتهى التحدي. الأمر الذي أجهض مؤامرة أميركا وعملائها، بإحداث الفتنة بين الشعب والمقاومة الجسورة.

كسب الجيش الوطني اللبناني في صف الشعب والحراك الشعبي، الذي أعلن من البداية دعمه وانحيازه للشعب وحراكه الوطني.

ويبقى الطرح الذي يروّجه البعض بإحلال حكومة تكنوقراطية محل حكومة الحريري للخروج من المأزق، حيث يمكن القول إن الحكومة في الأصل توجّه سياسي، والمطلوب أساساً حكومة لها أهداف سياسية هي أهداف الحراك الشعبي أصلاً.

فالحكومة التكنوقراطية بدون رؤية سياسية أو فنية، هي إعادة إنتاج الواقع، واستمرار السياسات القائمة وهي سياسات الرأسمالية المتوحشة، وهي ترجمة لسياسات البنك والصندوق الدوليين، والتي تهدف لتركز الثروة في يد القلة، وإفقار الشعب وإشاعة الفساد، واعاقة المجتمع عن التقدم والنهضة.

ومن ثم فإن المطلوب حكومة انقاذ وطنية، تترجم أحلام الشعب. أي أن تشكيل الحكومة يجب أن يكون من وزراء ذوي سمعة طبية وغير متورطين في قضايا فساد أو مجرد شبهة فساد، ولهم اتجاهات معتدلة واجتماعية، وأن يتم التوافق على برنامج انقاذ بتوجهات سياسية واقتصادية جديدة تتجه شرقاً، ابتداءً من سورية والعراق وايران والهند ودول آسيا وتنتهي بالصين وروسيا وتعطي ظهرها لسياسات الإفقار والفساد الغربية. كما أن المطلوب هو المحاسبة ومواجهة الفساد بحسم ووضوح، وإنهاء اسطورة أن هناك شخصيات فوق المحاسبة، ومصادرة أموال الفاسدين فوراً، وتغيير محافظ البنك المركزي اللبناني وهو مطلب شعبي لبناني، لأنه المتهم الأول في تيسير أمور الفاسدين، ومحاسبة هذا الرجل شأن كل الفاسدين.

إن الحراك الشعبي في طريقه إلى النصر الحاسم خلال الأيام المقبلة. وليعلم الجميع أن البديل هو استمرار الحراك واحداث الشلل في المجتمع، وقد يتحول مع الوقت إلى العنف. ويكفي أن هذا الحراك نظيف حتى الآن. فهو الحراك الوحيد في المنطقة الذي لم يشهد شهيداً واحداً بشكل مباشر حتى الآن. وهذه هي اشارة واجبة لكل السياسيين في لبنان أن يحترموا هذا الحراك الشعبي وأن يتنازلوا عن أنانيتهم السياسية ومصالحهم الشخصية. فحاضر ومستقبل الوطن اللبناني على المحك هذه المرة الثالثة في أقل من 6 سنوات.

*أستاذ العلوم السياسية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى