رسالة إلى قضاة لبنان
بشارة مرهج
إذا لم نساعد أنفسنا، أولاً، فلا جدوى من مساعدة الأشقاء والأصدقاء لنا. نقول ذلك لا لأننا نرفض المساعدات وإنما لأن هذه المساعدات – إن أتت – فستشكل عبئاً مادياً وأخلاقياً يُضاف إلى الأعباء التي ننوء تحتها ما لم يتم استثمارها في عملية الإنقاذ والنهوض على أسس اقتصادية جديدة وسليمة بدلاً من تبديدها هنا وهنالك.
ونقطة البداية في مساعدة أنفسنا تكمن في امتلاك القدرة على استعادة المال الذي نهبته الطبقة الحاكمة وشبكاتها المعروفة بطرق “قانونية” أو احتيالية. وإذا لم نعتمد هذه الخطوة الأولية ونسير في دربها الصعب فعبثاً يبني البناؤون.
والمفتاح الذي يفتح هذه الطريق – بعد فشل السياسة والسياسيين – هو بيد القضاء اللبناني أو بالأحرى بيد قضاة يعرفون معنى الحفاظ على الملكية، ويعرفون معنى العدالة، ويتمتعون بالجرأة والتصميم – كما العديد من أسلافهم الكبار – على إنقاذ بلدهم من الحالة المأساوية التي وصل إليها بسبب عبث السلطة وفسادها. ونقول ذلك أيضاً لأن القضاة يملكون وحدهم الحق في إصدار الأحكام باسم الشعب اللبناني ضد كل من تثبت إدانته. وكما نعرف جميعاً فلدى القضاة وأمامهم وفي أدراجهم عشرات الملفات المتعلقة بالفساد، بعضها قديم، وبعضها حديث، وبعضها يتكوّن اليوم جهاراً نهاراً، وكأن شمس العدالة قد غابت تماماً عن البلد الذي يُباهي بأنه بلد الحرف والشرائع والإنسان.
ولعل أهم هذه الملفات التي تحرق بلظاها المواطن اليوم هي الملفات المتصلة بالعصبة المالية المصرفية التي تتقن فنّ السحب والتحويل، وتعصر أموال اللبنانيين عصراً، وتستغلّ نفوذها لخرق القانون، ومعه الدستور، خدمة لأغراضها وتنصلاً من مسؤولياتها تجاه أموال ومدخرات اللبنانيين..
وفي هذا الإطار لا يريد المواطن المسحوق تصريحات أو محاضرات – على أهميتها وضرورتها – وإنما يريد أحكاماً عادلة تحاسب الفاسدين الذين يثبت ضلوعهم في سرقة أو هدر المال العام… أحكاماً تخاطب مطالب الانتفاضة الشعبية المباركة، وتتجاوب مع القَسَم القضائي… أحكاماً تتلاءم مع ضرورة إنقاذ البلاد من شريعة الغاب، والأنامل المخملية المزيفة، فضلاً عن نعرات الاستقواء المالي ولوثة المال الحرام.
وعلى ما نعتقد – ومن حقنا كما غيرنا أن نجتهد – فإنه عند صدور بعض الأحكام وانجلاء الأمر عن تصميم على سلوك هذا الدرب الصعب ترتعد فرائص كل من استهزأ بكرامة المجتمع اللبناني واستباح الأموال والودائع والأمانات. حينها يتسابق الذين اكتنزوا الفضة والذهب، احتيالاً وعدواناً، إلى دقّ الأبواب والتماس الأعذار وردّ الأموال إلى الخزينة المنهوبة والمصارف المسلوبة فتتعافى الأوضاع تدريجاً ليس على جبهة الاقتصاد وحده وإنّما أيضاً على سائر الجبهات، لأن سرّ الفساد في لبنان ليس الجشع وحده، وإنما يقين جماعة الفساد – حتى اللحظة – أنهم بمأمن من كل عقوبة في بلد ليس فيه من يُحاكِم او يحاسِب.حينهاوحينهافقطتشرقصورةلبنانالجديدة: لبنانالمساءلةوالمحاسبةفنطمئنإلىاستقبالواستثمارالمساعدات،لابلنطمئنإلىورودالأكثرمنها. فليسأقسىعلىالمانحمنأنيرىمنحتهتخيبوتتسرّبالىجيوبالمتنفذينالفاسدين،وليسأفضلعندهمنأنيرىمنحتهتصيبوتساهمفيإطلاقالمشاريعوتحريكعجلةالإنتاجمدركاّفيكللحظةأنهسيخضعلاحقاًللمساءلةوالمحاسبةعنكلمبلغيتمّصرفهأوتسليفهأوالتبرّعبه.