واقعتان…على طريق سقوط البلد
المحامي ريشار رياشي _
واقعتان حصلتا الأحد 8/12/2019، الأولى: هي اعتذار المهندس سمير الخطيب الذي كان اسمه مطروحاً لترؤس الحكومة اللبنانية، وإعلانه ذلك من دار الفتوى بعد لقائه المفتي ناقلاً عنه تسميته للحريري! والواقعة الثانية تصريح مستهجَن للمطران الياس عودة من تهجّم فيه على فريق من اللبنانيين من على مذبح الكنيسة المكان الذي لا تصحّ فيه سوى الدعوة للمحبة والتسامح والتآخي.
إن الواقعتين بمدلولاتهما وما رافقهما من ممارسات طائفية عند أغلب الأفرقاء، منها شعارات الأقوى في طائفته ونوادٍ لرؤساء سابقين لا يصدر عنها سوى فحيح الطائفية السامّة تحت عناوين واهية مثل صلاحيات الطوائف.
إن هذا المشهد هو أخطر ما شهده لبنان وهو أشد فتكاً من كل المؤامرات والاعتداءات والاجتياحات التي تعرّض لها. لقد ظهرت أفعى الطائفية بأبهى حللها متبرّجة لتخفي عن وجهها عفن القبور فسحقت ومحقت بخبثها وفتنها الدولة بمؤسساتها كاملة وعلى رأسها مجلس النواب والحكومة ورئاسة الجمهورية والبعض القليل مما تبقى من هذه الدولة الطائفية البائسة.
والأخطر أيضاً أن هذا الأمر حصل في ظل “حراك يرفع شعارات إصلاحية لا سيما إلغاء الطائفية وإجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي وقيام الدولة المدنية القوية العادلة. لكن المفاجأة كانت بأن الألسن التي كانت تزغرد وتطلق العبارات الطائشة التي لم تُصِبْ سوى ما تبقى من دولة موعودة تخرسنت بالأمس ولم تجد سبيلاً للنطق، مما يزيد التساؤلات والشبهات حولهم وحول الأمل الذي توهّم اللبنانيون تحقيقه.
هذا الأمر الخطير لم يكن ليحدث لولا المفاهيم الخاطئة السائدة، والتي ندعو اللبنانيين للانقضاض عليها وتمزيق الثوب الطائفي البالي المفروض عليهم، كي لا يبقوا عبيداً عند أمراء الطوائف مدنيين وروحيين.
إنّ النصوص الدستورية للدولة اللبنانية (الدستور الحالي) واضحة، إذ تنص على النظام البرلماني وحرية الرأي والمعتقد والمساواة بين اللبنانيين، وبأن الشعب هو وحده مصدر السلطات يمارسها من خلال المؤسسات الدستورية. كما أن الدستور نصّ أيضاً على إلغاء الطائفية السياسية، وبالتالي فإن ما ورد في الفقرة (ي) من مقدمة الدستور بأن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، جرى تفسيره من قبل الطائفيين بشكل مشوّه وخاطئ لحماية مواقعهم.
لا نرى في الدستور اللبناني اعترافاً بـ “ميثاقية الطوائف” بل اعتراف بالمواطن اللبناني الى أي طائفة انتمى، والعيش المشترك والميثاقية هما بين المواطنين اللبنانيين أياً تكن انتماءاتهم الطائفية، والعيش المشترك يقوم على ان يعيش المواطنون بحرية ومساواة أمام القانون ويكون لهم حرية المعتقد والتنقل والسكن في أي منطقة وحرية التعليم في ظل سيادة القانون، فلا تعزل أية فئة لفكرها او انتمائها او ايمانها. فهذا هو العيش المشترك والميثاقية الحقيقية وليست ميثاقية الطوائف.
من هذا المنطلق لا احتكارات في مراكز الدولة سواء في الرئاسات أو في أي موقع رسمي لطائفة دون أخرى مع الاحترام الكلي لكافة الطوائف والأديان.
إن ما حصل وبالشكل السافر الذي حصل فيه أظهر أن ثمة فريقاً أفلس لبنان بسياسته الاقتصادية على رأسه رئيس حكومة مستقيل يختبئ خلف الطائفية لابتزاز كل اللبنانيين فيمارس ما هو غير مشروع في العمل السياسي لتعطيل الدولة وشلّ قدراتها الاقتصادية، بالرغم من وجع الشعب والفقر المدقع الذي يعيشه اللبنانيون، مختبئاً وراء نادٍ لرؤساء الحكومة السابقين والذي تحجّج بعدم أحقية رئيس الجمهورية في ظل هذا الوضع الصعب الذي نعانيه من إجراء أية مشاورات مع القوى السياسية فيما يتعلّق بإنتاج حكومةٍ قبل استشارات التكليف بالرغم من أحقية الرئيس القيام بكل ما تفرضه المصلحة العليا للدولة في هذا الظرف الصعب، فإذ بهم يرتكبون خطيئة من خلال مسرحيتهم الطائفية فيصادرون دور النواب بتسمية أي رئيس حكومة، الأمر الذي يشكل سابقة لا مثيل لها في التاريخ وبعد الذي حصل لا داعي لانتخابات نيابية ومجالس ومؤسسات دستورية فليعقد رجال الدين مجلساً بينهم ويسمّون الرؤساء ويديرون من خلاله لبنان ومصالح مواطنيه.
إن الآلية الدستورية تقضي حصول استشارات نيابية ملزمة، غير أن جهة طائفية قررت الانقلاب، لا بل الاعتداء على الدستور وآلياته، وهذا ما يستدعي موقفاً من النواب المنتخبين من الشعب لإسقاط مفاعيل الاعتداء على حقهم الدستوري في تسمية رئيس الحكومة.
يبقى النداء الى كل مواطن مسؤول وكل سياسي مسؤول وكل حزب يسعى لخير لبنان واللبنانيين بأن خلاص البلد بوقف المسار الانحداري ووقف الهدر والمحسوبيات والانهيار الاقتصادي وتحضير كل الآليات الدستورية لتحقيق:
ـ الغاء الطائفية السياسية وفصل الدين عن الدولة ومنع رجال الدين من التدخل في السياسة والقضاء.
ـ إصدار قانون انتخابي خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة انتخابية واحدة.
ـ إصدار قانون مدني للأحوال الشخصية.
ـ إصدار قانون جديد للأحزاب.
ـ إصدار قانون برفع الحصانات عن كل المسؤولين والقضاة والموظفين.
ـ إصدار قانون استقلالية القضاء مع إمكانية أيضاً ملاحقتهم من قبل جهاز قضائي مختص لهذه الغاية لا يحق له تولي أية مسؤوليات قضائية وغير قضائية أخرى.
وفي حال العجز عن تنفيذ ما تقدّم كما هو حاصل على الدوام، فإننا مع أن يطلب فخامة رئيس الجمهورية من المجلس النيابي إصدار قانون دستوري بهدف إجراء استفتاء ملزم بنتائجه حول النقاط الواردة أعلاه إذ إنه لم يعد هناك سبيل للخروج من دوامة الفساد والطائفية إلا من خلال هذه الحلول الجذرية مؤكدين ما قاله سعاده العظيم: “إن لم تكونوا أحراراً من أمة حرة فحريات الأمم عار عليكم”. وبأن “الحرية حمل ثقيل لا يضطلع به إلا ذوو النفوس الكبيرة أما النفوس العاجزة فتنوء وتسقط مستسلمة”.
والاستسلام ليس من شيم اللبنانيين. *عميدالقضاءفيالحزبالسوريالقوميالاجتماعي