انطلاق قمّة «نورماندي» لحل سلميّ ومستدام للأزمة الأوكرانية
انطلقت في العاصمة الفرنسية باريس أعمال قمة «رباعية نورماندي»، حول تسوية النزاع في منطقة دونباس جنوب شرقي أوكرانيا.
وبدأت في قصر الإليزيه مباحثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيريه الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حول آفاق التسوية.
وكان زيلينسكي، قد صرّح بأنه يودّ بحث قضايا تبادل الأسرى، واستعادة أوكرانيا سيطرتها على الحدود مع روسيا، وشروط إجراء الانتخابات في دونباس.
ومن المتوقع أن يصدر عن القمة بيان ختامي، رجّح الكرملين ألا يكون ملزماً.
وأعلن رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل، أمس، أن «الاتحاد الأوروبي يعول على إحراز تقدم في قمة رباعية نورماندي»، ويعتبر أن إحدى أولوياته هي «حلّ سلميّ ومستدام للأزمة الأوكرانية».
وقال بوريل، للصحافيين في بروكسل قبل بدء اجتماع مع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي: «نأمل، أن يكون من الممكن في هذا الاجتماع مواصلة العمل والتقدم نحو حل سلمي ومستدام للصراع الأوكراني. هذه واحدة من أهم الأولويات، التي يجب علينا حلها في الاتحاد الأوروبي».
وأشار بوريل، إلى رفضه الرأي القائل بأن موقف فرنسا، الذي يؤيد تطوير العلاقات مع روسيا، يزعم أنه يمكن أن يضعف موقف أوكرانيا في المفاوضات.
وأضاف بوريل رداً على أسئلة الصحافيين: «لا، أوروبا موحدة تمامًا في هذه المسألة».
يذكر أن أول قمة في إطار «رباعية نورماندي» قد عقدت في فرنسا في 6 حزيران 2014.
ووصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الاثنين الى باريس في محاولة لإعادة إحياء عملية السلام في اواكرانيا برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
واستقبل الرئيس الفرنسي ميركل في قصر الإليزيه، ومن ثم زيلينسكي الذي بدا عليه الارتياح رافعاً علامة النصر، وأخيراً بوتين.
والقمة التي تعقد ضمن صيغة «النورماندي»، في إشارة إلى المنطقة الفرنسية، حيث التقى قادة الدول الأربع للمرة الأولى في عام 2014، لم تعقد منذ عام 2016.
لا يتوقع أن ينتهي الاجتماع باتفاق سلام شامل لكنّ دبلوماسيين يأملون أن يؤدي للمساعدة في تعزيز الثقة بين بوتين وزيلينسكي.
وقتل الآلاف ونزح مليون شخص من منازلهم منذ أن بدأ مسلحون مؤيدون لروسيا في شرق أوكرانيا مسعاهم الانفصالي في العام 2014 ما تطور إلى نزاع عمّق من عزلة روسيا عن الغرب.
وسيطر الانفصاليون على منطقتي دونيتسك ولوغانسك بعد وقت قصير من ضم روسيا القرم، وهي شبه جزيرة أوكرانية.
وأكّد دبلوماسيون أنّ قضية القرم، المسألة التي عزّزت من شعبية بوتين داخلياً، لكنّها أدت لفرض عقوبات دولية على روسيا، غير مطروحة على الطاولة في القمة.
وأعلنت كييف بوضوح أنها لن تتنازل عن شبه الجزيرة، التي لا يزال المجتمع الدولي يعتبرها جزءاً من أوكرانيا.
وقدّم الكرملين إشارات بأنه مستعدّ للعمل مع زيلينسكي الذي اعتبره بوتين «شخصاً لطيفاً وصادقاً».
لكنّ بوتين أيضاً لا يريد العودة خالي الوفاض وسيضغط للحصول على تخفيف للعقوبات المفروضة على بلاده.
وأبلغ وزير الخارجية الألماني هايكو ماس صحيفة فونكي قبل القمة «علينا أن نبذل كل ما في وسعنا … لإحراز تقدم في عملية السلام الأوكرانية»، واصفاً النزاع بأنه «جرح متقيّح في (جسد) أوروبا».
وأشاد ماس بزيلينسكي لجلبه «زخماً جديداً» إلى المباحثات، مضيفاً أنه «لإحراز تقدم في الخطوات الصعبة المقبلة، على روسيا أن تتخذ خطوة أيضاً».
وتتضمن أهداف القمة الاتفاق على حل الميليشيات غير القانونية ورحيل المقاتلين الأجانب من دونيتسك ولوغانسك واستعادة كييف السيطرة على حدودها مع روسيا، حسب مصدر في الرئاسة الفرنسية.
وقال المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه «تتبقى أزمة الثقة بين الأطراف. هذا يحتاج أن يتم بناؤه قبل أن نمضي للأمام».
ومن الأمور الرئيسية أيضاً الاتفاق على موعد لإجراء انتخابات في دونيتسك ولوغانسك بموجب القانون الأوكراني مع تمتّع المنقطتين بوضعية خاصة، وهي فكرة تعرف باسم صيغة شتاينماير.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة انسبروك النمساوية غيرهارد مانغوت «إذا كان لهذه القمة ان تكون ذات مغزى، يجب أن يكون لها نتيجة والنتيجة يجب أن تكون معتمدة جداً على صيغة شتاينماير».
وتابع «يبقى أن نرى إذا كانت أوكرانيا ترغب في التنازل عن شروطها المسبقة لتطبيق صيغة شتاينماير».
وتعتبر هذه القمة، أول قمة على هذا المستوى منذ ثلاث سنوات وهي تسعى لتطبيق اتفاقات مينسك المبرمة في العام 2015 وتنصّ على سحب الأسلحة الثقيلة واستعادة كييف سيطرتها على الحدود وحكم ذاتي أكبر وإجراء انتخابات محليّة.
وقال المصدر الرئاسيّ الفرنسي إنّ الحسابات الاستراتيجية لبوتين ليست فقط ما أعاق تطبيق اتفاقات مينسك لكن أيضاً «الصعوبات في أوكرانيا بسبب الرأي العام والانقسامات والجرح العميق الذي سبّبته الحرب».
وتشكّل القمة لحظة دقيقة للمشاركين فيها، لكنّ خصيصا لزيلينسكي الذي يواجه ضغوطاً لئلا يقدم تنازلات مهينة بمواجهة شخصية سياسية بحجم بوتين.
وبالنسبة لماكرون، فالقمة محور سياسة خارجية جريئة في شكل متزايد يقودها الرئيس الشاب رغم الصعوبات في الداخل، حيث دخل عمال النقل في إضرابات منذ أيام في نزاع متعلق بإصلاح المعاشات التقاعدية.وأعرب ماكرون، الذي صعق حلفاء بلاده في حلف الأطلسي بإعلانه أن «التحالف مات سريرياً» عن اعتقاده بأن «أوروبا تحتاج إلى شركة استراتيجية مع روسيا».