«اللي استحوا ماتوا»
} علي بدر الدين
الإطاحة بالاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة التي كانت مقرّرة أول أمس، قرار لم يكن مفاجئاً، بل أتى عن سابق إصرار وتصميم، ورسم خطوطه ومؤشراته مسار الآلاعيب السياسية التي رافقت بورصة الأسماء المرشحة للتكليف، والتي تساقطت كأوراق الخريف من دون رحمة أو شفقة، وآخرها سمير الخطيب الذي تقمّص دوره جيداً بعد أن ألبسوه عباءة حلم الرئاسة على مدى أسبوع بكامله أو أكثر، وقد كشفت زيارته الأخيرة لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان كمخرج لائق لسيناريو الانسحاب من السباق الى رئاسة الحكومة، وأنّ الكلمة الفصل في استمرار ترشحه أو الانسحاب هي للمرجعية الدينية المخوّلة بالمباركة أو برفع الغطاء، وبالتالي تسمية سعد الحريري ليكون رئيساً للحكومة الموعودة ونقطة على السطر. وتكون بذلك ختمت بالشمع الأحمر باب الترشيح وإقفاله بوجه كلّ من تسوّل له نفسه الترشح أو الدخول مجدّداً في بازار الأسماء، حيث يكفي استهلاك الأسماء ومنصب رئاسة الحكومة لا يليق إلا بالرئيس سعد الحريري.
انّ تطيير موعد الاستشارات يطرح الكثير من علامات الاستفهام والتساؤلات عن خلفياته وأهدافه مع أنّ كلّ التوقعات والمواقف السياسية التي سبقته تؤشر الى توافق عليها، وأنّ الطريق الى قصر بعبدا كانت سالكة وآمنة، وأنّ الأجواء الإقليمية والدولية كانت توحي ببداية التفاهمات والتسويات على أكثر من ملف ساخن على مستوى المنطقة، ومنها لبنان الموعود غداً باجتماع باريس الذي ربما تعوّل عليه الآمال بمساعدته للخروج من أزمته الاقتصادية والمالية الخانقة والمنزلقة باتجاه الانهيار الكامل، وكان على الطقبة السياسية الحاكمة أن تتلقف فرصة تقاطع المصالح الدولية والإقليمية التي لا تزال سانحة وانْ كانت مغلّفة بالضبابية وعدم الوضوح، ولكن لا خيار أمام هذه الطبقة التي أغرقت لبنان بالأزمات ولم تستجب لحقوق المنتفضين ومطالب اللبنانيين والخروج من مصالحها وفسادها وتبعياتها الا ان تراهن على الخارج وتطلب منه المساعدة عله ينقذها من أفعالها المشينة وينقذ البلد الغارق بالفساد والمحاصصة والفقر والجوع والتلوّث.
وبعد أن توضّحت الصورة، وبات الحريري المرشح الوحيد لتشكيل الحكومة وتدعمه كتل نيابية وازنة، وأمامه فرصة قد لا تتكرّر فعليه وعلى القوى السياسية المؤيدة والرافضة والمتحفظة عليه أن تخرج من مصالحها وشروطها وتضييع الوقت وإلهاء اللبنانيين بمسرحيات وسيناريوات باتت مكشوفة ومطعون في صدقيتها والإفراج عن الحكومة اليوم قبل الغد، وأنّ أسبوعاً كاملاً من المشاورات الإضافية كاف لفكّ قيد الحكومة وأن يكون الاثنين المقبل موعداً ثابتاً للاستشارات وللإعلان عن الحكومة التي تمّ التوافق عليها.
على الطبقة السياسية أن تضع حداً لشيطنتها وأن تخجل وتستحي، وفعلاً “اللي استحوا ماتوا”، وما هو مطلوب منها في هذه المرحلة الإفراج عن الحكومة والتقيّد بالدستور والقانون بإصدار قرارات تحاكي وجع اللبنانيين وتحول دون الغرق في المجهول، ومن حقهم المطالبة بحكومة تكون على مستوى الطموحات والتحديات وإخراجهم من جحيم السياسات الاقتصادية والمالية والخدمية وأحكمت الخناق عليهم لإفقارهم وتجويعهم وإسكاتهم، مع أنّ الرجاء منها معدوم، لأنه لا يغيّر الله بقوم قبل أن يغيّروا هم بأنفسهم، والرهان سيكون دائماً على صرخات المنتفضين القادرة على تغيير المعادلات وقلب التوازنات لصالح لبنان وشعبه، وإفساح المجال أمام الاستشارات النيابية التي باتت ضرورة وطنية، وإعطاء الفرصة للرئيس المكلف وقد بات معروفاً من دون أحجيات وعمليات البحث عنه، وأعتقد أنه لم يعد هناك سؤال “مَن التالي”، ولأنه لا بدّ من حكومة ترضي معظم اللبنانيين في أيّ اتجاه كانوا، وإلا فإنّ المهوار المجهول بانتظار الجميع.
على المنتفضين الصادقين أن يراقبوا ويحاسبوا ويتصدّوا للفاسدين أياً كانوا وفي أيّ موقع والتغيير يبدأ خطوة كما رحلة الألف ميل إلى بناء وطن العدالة والمؤسسات.