كاتيوشا الحبّ والجمال في دمشق
} منال محمد يوسف
كاتيوشا
الصبية الروسيّة العاشقة في دمشق…
إنّها تخطو على ألمٍ، تخطو على شوقٍ يشتاقُ نور الحياة
«آهٍ ما أجمله نور الحياة» عندما يُلمحُ رغم ظلام الحرب، رغم كلّ ما جرى
كاتيوشا أو كاترينا
ربّما الشوق الجارح هو مَن أوصلَ بها المسير إلى هنا، وربّما كانت تبحثُ عن تواريخ المحبة والسّلام وتحاول أن تعزف من أجل الحياة.
في آخر مكالمة هاتفية مع حبيبها الذي استشهد في سورية، «عندما تنتصرون سأعزف لكم نشيد النصر»، وقتها ردَّ خطيبها الروسي قائلاً: وأنا أيضاً سأكتب «كاتيوشا الحبّ والجمال في دمشق».
إنها كاتيوشا حقاً تتذكر مقولته، تحاول أن تسدلُ الستار على ذكرياتها لحظة وصولها إلى تدمر، الأعمدة التي تشاهق رفعة الأزمان وتسمو فوف تواريخ الحرب الظالمة.
تسمو إذ ما لمحت ذكرياتها قبل الحرب، لقد لمحتها بين أعمدة الزّمان بين التواريخ الأقدم والأبجديات الأجمل.
لمحت ذاتها تُسجل حكايات منسوجة من إرث التاريخ، من صرخة حبيبها الذي استشهد هنا بين هذه الأعمدة، حيث كل الذكريات تبدو مؤلمة، وكلّ الحروف تُغتالُ قبل أن تكتبها نتاليا.
هناك عثرت على قصاصة ورقٍ، هذه الورقة كانت قد تركتها «زنوبيا المجد والأمجاد.. زنوبيا التاريخ، وكان قد كُتبَ عليها «أنا جندي سوريّ أوصلوا رسالتي إلى حبيبتي، أوصلوا لها آخر كلماتي التي تنطق اسمها واسم أمي الحبيبة.. أوصلوا لها ماذا جرى لصديقي الروسي الذي ترك رسالة لحبيبته كاتيوشا.. تركها مكتوبة حسب مواثيق الحب والهوى، ترك معزوفة لا تعرف إلاّ دفء الحب ورخامة صوته النبيل ولا تعرف إلاّ العزف المنفرد على موسيقاه الجميلة».
قرأت كاتيوشا الرسالة أو ربّما قرأت أناشيد الحبّ في زمن الحرب، زمن الفقد الحقيقي، زمن الشيء الذي يُفقد ولا يعود..
في لحظتها قابلت من رحّبَ بها دمشق
وقال لها: وما أجمل اسمكِ!
قالت له: أعتز بهذا الاسم «كاتيوشا»
أتدري له خاصية عندنا في روسيا فهو يرمز إلى شيء وطني، الكاتيوشا سجلنا بها تواريخ النصر على ألمانيا، وكذلك كتب حزب الله بالكاتيوشا تواريخ نصره على «إِسرائيل».
آهٍ كم تألمتْ حتى وصلت إلى دمشق؟
لقد جاءت لكي تسترجع شيئاً مما مضى
ولكن هل تعود الأشياء سالمة في زمن الحرب؟
وهل تعود الأمنيات وتُشعل بخورها وتورقُ أشجارها من جديد؟
إنّها كاتيوشا الحبّ الجريح تلمحُ ذاك الطفل السّوري يسألُ كل أعمدة التاريخ، يسألها عن والده الشهيد، «يسألها» ويرجو منها أن تروي له آخر كلماته. يقول لها باكياً: «أينَ جثة أبي؟
أين الشموس التي كان يعشقها أبي؟».
لقد سمعتُ الأحجار والأعمدة تروي قصصاً وحكايات وتنسج أشرعة غير واهية الذكرى، «ربّما أشرعة الحياة» أشرعة البقاء بعد أزمنة الحرب…
تلك الطفلة السّوريّة التي شاهدتها كاتيوشا
لقد سمعتها تُحدّث الأحجار قائلة إذ كانت تقول لها:
«يقولون بأن عمركِ يقارب تواريخ الميلاد والسّلام وربّما يُقاربُ دمعة كلّ أمٍ عظيمة فقدت ولدها الشهيد هنا، فقدت تواريخ الشروق والغرب في آنٍ معاً، وأنا كذلك فقدتُ والدي كُرمى لعينيكِ يا تدمر فقدت تواريخ أمسي وغدي.
انظري تلك الفتاة الروسيّة «كاتيوشا» تبدو وكأنها تُسجّل ما نتحدث به الآن، تبدو وكأنها تُشاركنا البحث عن حبيب! عن سطورٍ نكتبُ روايتها معاً، عن معزوفة جميلةٍ، تذكرتُ حبيبي الذي استشهدَ هنا، تذكرتُ بأنني جئتُ أبحثُ عنه، ولم أجد غير ذكراه.
ولم أجد إلاّ صورة تلك الطفلة السّوريّة التي كانت تُحادث الأعمدة والأحجار وتقول لها، أخبريني عن والدي في آخر أيامه، أخبريني عن عينيه.. ألم يبلغكِ سلامه لي، أخبريني عن بندقيته، عن نطق حكايته الأولى والأخيرة… أخبريني عن خبز أيامه أكان يابساً حقاً؟ أخبريني عن مقال سيُكتب رغم قسوة الحرب، ويُسمّى كاتيوشا الحب والجمال في دمشق.