خلايا السفارة.. أساليب المواجهة (4)
} باريس – نضال حمادة
لا يمكن للمتابع للمشهدين العراقي واللبناني إلا أن يتمعّن في أوجه التشابه بين الحالتين والساحتين من حيث التوقيت والتخطيط والتنفيذ على الأرض والتمويل وسبل وطرق التعبير، فضلاً عن شعارات التصويب نحو جهات معينة معادية لأميركا بينما يُستثنى المقرّبون من أميركا وإن كانوا أكبر الفاسدين.
من مفارقات تقارب المشهدين العراقي واللبناني أن أكبر الفاسدين في السلطة تشارك جماهيرهم في الساحات والشوارع في عملية ركوب للموجة. في العراق مسعود البرزاني وفي لبنان سعد الحريري.
في الحالة العراقية يدير مسعود البرزاني جزءاً كبيراً من التظاهرات والمخيّمات في بغداد ومدن الجنوب تمويلاً ودعماً سياسياً فضلاً عن وجود المئات من عناصر الجيش الإلكتروني التابع للسفارة الأميركية مستقر في أربيل. والبرزاني معروف أنه أكبر الفاسدين في العراق والذي يحكم إقليم كردستان منذ عقود طويلة ويحصل على ما يقارب ربع الميزانية العراقية، لا أحد يُنادي به فاسداً ولا أحد ينادي بإسقاطه في الساحات، حتى ولا يتكلم أحد عن خططه لاستغلال هذا الحراك لإعلان الدولة الكردية والانفصال عن العراق بعدما فشلت مشاريعه قبل عامين مع دخول الحشد الشعبي والجيش العراقي إلى كركوك وهروب البيشمركة منها بشكل مهين.
بعد أكثر من شهرين على بدء المظاهرات والمخيّمات في الساحات العامة في بغداد ومدن الجنوب، بينما تغيب هذه المظاهر كلياً في المنطقة الغربية، وتعيش كردستان العراق حياة طبيعية، أصبح لزاماً العمل على مواجهة ما يحصل من مؤامرة ساعدت على كشفها المندوبة الأميركية في مجلس الأمن التي قالت بوضوح حول التظاهرات في العراق ولبنان و(اليمن) سوف يستمر الضغط في هذه الساحات حتى تغيّر إيران أنشطتها الخبيثة.
في العراق السياسي والسلطة بان العجز الحكومي وتخبّط القرار السياسي، مع ضعف المعلومات وعدم كفاءة الجهاز الاستخباري الحكومي ولولا قدرة استخبارات الحشد الشعبي لكان الوضع مكشوفاً لدرجة غير مأمونة، وكلما طال وقت التظاهرات والأزمة زادت تعقيداتها وزادت ضحاياها وأصبح من الصعب رأب الصدع في مجتمع عشائري يؤمن بالثأر، وتعمل في زوايا بلاده مخابرات العالم أجمع مع وجود قواعد كبيرة وثابتة للمخابرات الأميركية في بلاد الرافدين.
كيف يمكن لأحزاب فاشلة وفاسدة، مارست كل أنواع النهب والفساد وعدم المسؤولية في حكم العراق أن تشكل حكومة جديدة في ظل هذه الظروف؟ كيف لمن يعمل فوضوياً منذ خمسة عشر عاماً أن يُحسن مواجهة جهة مخابراتية تتمتع بتنظيم كبير وتملك الإمكانيات المادية والتكنولوجيا والإعلام والعملاء وتدرك كيفية التعامل مع الجمهور الذي تخاطبه؟ في المقابل لا بد أن نستذكر أحداث العام 2013 عندما نُصبت خيم الاعتصام في الأنبار وتركت من قبل الحكومة العراقية دون التعامل معها بحزم وحسم ما أدى إلى إنتاج أخطر التنظيمات الإرهابية إجراماً ودموية، تنظيم الدولة داعش، وما يُروى عن ندم نوري المالكي أنه تسامح مع هذه المخيّمات والاعتصامات ولم يواجهها منذ البداية عندما كان قادراً على ذلك.
ما يجري اليوم في مخيمات الاعتصام مشابه لما حصل في العام 2013 في مخيمات الأنبار، وما يُحاك من مؤامرة في أربيل وتتضح معالمها يوماً بعد يوم يستوجب قراراً حاسماً بالمواجهة يبدأ من التجربة الفنزويلية التي أنقذت النظام والرئيس نيكولاس مادورو، شارع مقابل شارع، والشارع المناهض للمؤامرة التي تحصل حالياً أكبر بعشرات المرات من تجمّعات الجوكر والبعثيين والبشمركة وخيم مجاميع الشيوعيين المتعدّدي الولاء والتمويل. ومن هنا، فإن نزول الجموع الكبيرة الى الساحات في بغداد والمدن الجنوبية بدعوى من المرجعية في النجف، كاد يكون حاسماً لو أن هذه الجموع بقيت في الساحات التي سيطرت عليها وأخرجت منها المجاميع المسيطرة عليها (أنظر الجزء الثالث من هذه السلسلة)، لكن عودة هذه الجماهير الكبيرة الى منازلها مع حلول المساء أعاد مَن كانوا في الساحات إليها وأبقى الأزمة على حالها تكبر يومياً وأعطى المؤامرة نَفَساً آخر تستمرّ في إيغالها بالدم العراقي وعملاً على تقسيم العراق، بسبب الفساد الذي حكم سابقاً والسلبية في التعاطي وعدم القرار بالمواجهة الذي يسود حالياً.