انتخابات حاسمة لبريكست في بريطانيا
تقرير اخباري
أدلى البريطانيون أمس، بأصواتهم للاختيار ما بين الخروج من الاتحاد الأوروبي بقيادة بوريس جونسون أو تنظيم استفتاء جديد حول بريكست بقيادة جيريمي كوربن، في انتخابات تشريعية مبكرة ستطبع الاتحاد الأوروبي ومستقبل المملكة المتحدة لعقود.
والبرلمان البريطاني في مأزق بريكست منذ التصويت بنسبة 52% للخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016.
والخروج من هذا المأزق كان هدف رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون حين دعا إلى هذه الانتخابات التشريعية الثالثة خلال أربع سنوات، آملاً في الحصول على الغالبية المطلقة التي يفتقر إليها لطي صفحة هذه المسألة التي تثير انقساماً كبيراً في المملكة المتحدة.
وإن كان المحافظون تقدّموا على خصومهم العماليين بزعامة كوربن في استطلاعات الرأي حتى الآن، إلا أن آخر استطلاعات الرأي تشير إلى نتائج شديدة التقارب وغير محسومة. وتوقع استطلاع نشرت نتائجه صحيفة «تلغراف» أمس، تقدم المحافظين بخمس نقاط، فيما أشار استطلاع آخر أجراه معهد كنتار إلى تقدّم بمقدار 12 نقطة.
وتحدّى البريطانيون الأمطار والرياح القوية واصطفوا أمام مراكز الاقتراع، للإدلاء بأصواتهم من أجل اختيار اعضاء مجلس العموم الـ650 في انتخابات تجري وفق نظام الدائرة الفردية على دورة واحدة، على أن يفوز المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في دائرته.
وقالت الناخبة في لندن نيومي بوث «أعتقد أن الحكومة عجزت عن التحرك منذ وقت طويل ويتعين علينا الآن أن نحرك الأمور».
وتظهر استطلاعات الرأي تقدم المحافظين بزعامة جونسون بهامش ضيق.
لكن الاستطلاعات أخطأت جميعها تقريباً في انتخابات عام 2017، وجونسون الذي حمل كلبه وقبّله بعد التصويت قال إن النتيجة لا تزال «متقاربة جدا».
ودأب جونسون (55 عاماً) على ترداد عبارة «دعونا نحقق بريكست!» طوال حملة انتخابية باهتة.
ووعد رئيس بلدية لندن سابقاً الذي حقق طموح حياته السياسية بتوليه رئاسة الحكومة على الرغم من هفواته الكثيرة، «امنحوني غالبية وسأنهي ما بدأناه، ما أمرتمونا بتنفيذه، قبل ثلاث سنوات ونصف».
وأضاف موجهاً كلامه إلى الناخبين المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي «تصوّروا كم سيكون رائعاً أن نجلس حول حبش عيد الميلاد، وقد حسمنا مسألة بريكست».
وإلى توحيد البلاد، يقول جونسون الذي اتهم بالاستغلال السياسي بعد الاعتداء الدامي على جسر لندن في نهاية تشرين الثاني، أنه سيتمكن أخيراً من معالجة «أولويات» الناس وفي طليعتها الصحة والأمن.
ويعتزم جونسون في حال فوزه طرح اتفاق الطلاق الذي تفاوض بشأنه مع بروكسل على البرلمان قبل عيد الميلاد، بهدف تنفيذ بريكست في موعده المحدد في 31 كانون الثاني بعدما أرجئ ثلاث مرات.
وردّد مراراً ممازحاً «الاتفاق جاهز، عليكم فقط خبزه». ووصل به الأمر إلى القيام ببادرة رمزية حين حطم بجرافة جداراً غير حقيقي يرمز إلى «مأزق» بريكست.
لكن المعارضة ندّدت مجدداً في اليوم الأخير من الحملة بأكاذيبه ولا سيما وعده بالتوصل إلى اتفاق تجاري بعد بريكست مع الاتحاد الأوروبي خلال أقل من سنة، وهو وعد تعتبره بروكسل غير واقعي، وفق ما أوردت الصحافة.
ويدرك قادة الاتحاد الأوروبي الذين يعقدون قمة في بروكسل الخميس أنه قبل انتهاء مناقشتهم الموازنة ليلاً سيكون الناخبون البريطانيون قد اتخذوا قرارهم.
ولم يدل القادة لدى وصولهم بتصريحات للصحافيين لكن العديد من المسؤولين قالوا في مجالس خاصة في بروكسل إنهم يأملون أن يفوز جونسون بغالبية تمكنه من العمل.
وعندما تتضح نتيجة الاقتراع الجمعة سيعهد القادة إلى المفاوض ميشال بارنييه صياغة موقف أوروبي موحّد حول اتفاق تجاري يوافقون عليه.
من جهته، اعتمد جيريمي كوربن (70 عاماً) رئيس المعارضة العمالية نبرة أكثر تحفظاً وهدوءاً، غير أنه وعد بـ»تغيير حقيقي» بعد نحو عقد من حكم المحافظين، في تجمع أخير عقده مساء أول أمس في لندن.
وتهيمن على برنامجه عمليات تأميم لبعض القطاعات واستثمارات مكثفة، ولا سيما في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (إن إتش إس) التي أضعفتها سنوات من التقشف.
وراهن الرئيس العمالي على هذه المسألة التي تعتبر من أولى مواضيع اهتمام الناخبين، فاتهم المحافظين بأنهم يعتزمون بعد بريكست بيع هذه الهيئة التي تقدم خدمات مجانية والتي تلقى تقديراً كبيراً من البريطانيين، للأميركيين.
في المقابل، أبقى كوربن موقفاً ملتبساً حيال بريكست، فوعد في حال فوزه بالتفاوض مع الأوروبيين بشأن اتفاق جديد أكثر مراعاة لحقوق العمال، يطرحه في استفتاء يكون البديل فيه البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، على أن يبقى هو نفسه «حيادياً».
وقال الناخب غورانغ نايك «لم أكن راضياً. ينبغي ألا تهيمن مسألة بريكست».
وتوقع معهد «يوغوف» الشهر الماضي أن يحصل المحافظون بزعامة جونسون على غالبية مريحة بفارق 68 مقعداً في البرلمان لكن المعهد أشار الثلاثاء إلى تراجع الفارق إلى 28 مقعداً.
لكن هامش الخطأ، فضلاً عن احتمال اختيار الناخبين التصـــويت المجدي وصعود حزب العمال في الفتـــرة الأخـــيرة، كلها عوامل قد تقود إلى برلمان بلا غالبية كما في العام 2017.
وقال مدير البحث السياسي في «يوغوف» كريس كورتيس متحدثاً لوكالة فرانس برس «الناخبون (…) أكثر تقلباً من أي وقت مضى».
ورأى أن نتيجة المحافظين ستتوقف إلى حد بعيد على قدرتهم على اجتذاب ناخبي الدوائر التي تصوّت تقليدياً للعماليين في وسط إنكلترا وشمالها، غير أنها مؤيدة لبريكست.كما ينبغي النظر إلى نتائج الأحزاب الصغيرة مثل الليبراليين الديموقراطيين والقوميين الاسكتلنديين، التي قد تنتزع من المحافظين والعماليين على السواء بعض المقاعد، غير أن ذلك لن يكون كافياً للتأثير على نتائج الحزبين الرئيسيين.