حكومة تكنوقراط… انقلاب على الطائف والديمقراطية ونتائج الانتخابات
} حسن حردان
يصرّ رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري على عدم قبول تسميته لتأليف حكومة جديدة إلا اذا كانت حكومة تكنوقراط يختار هو أعضاءها، وتتمتع بصلاحيات استثنائية تنفيذية وتشريعية، وتدعمه في ذلك واشنطن التي ربطت المساعدات المالية الخارجية بتشكيل مثل هذه الحكومة والتزامها تنفيذ إصلاحات “سيدر” التي تخضع لبنان لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين أداة الغرب لإخضاع الدول والهيمنة عليها..
غير أنّ الفريق الوطني رفض بقوة الموافقة على منح الرئيس الحريري تشكيل مثل هذه الحكومة وأصرّ في الوقت نفسه على تسمية الحريري لتشكيل حكومة تكنو سياسية وفق ما نص عليه اتفاق الطائف…
لكن ما هي خلفيات موقف الفريق الوطني برفض حكومة التكنوقراط؟
ولماذا يتمسّك الحريري بمثل هذا الحكومة؟
اولا، انّ خلفيات موقف الفريق الوطني برفض حكومة تكنوقراط إنما يعود إلى ثلاثة أسباب جوهرية، هي:
السبب الأول، انّ حكومة التكنوقراط تشكل انقلاباً على دستور الطائف الذي نص على أنّ الحكومة باتت هي السلطة التنفيذية، بعد أن تمّ نقل صلاحيات رئيس الجمهورية الى الحكومة مجتمعة، وليس إلى رئيس الحكومة.. وبالتالي فإنّ مثل هذا الطرح يستهدف إعطاء السلطة لرئيس الحكومة المكلف تشكيل حكومة تكنوقراط كما يريد، ومن دون أن تعكس التوازنات في البرلمان، كما نص الطائف.. وهو ما يعتبر، إذا ما تمّ، انقلاباً موصوفاً على دستور الطائف..
السبب الثاني، انّ حكومة تكنوقراط تتمتع بصلاحيات استثنائية، تنفيذية وتشريعية، تعتبر انقلاب على الديمقراطية لأنها تستهدف انتزاع صلاحيات مجلس النواب الرقابية والتشريعية، والحلول مكانه في إصدار التشريعات والمراسيم من دون حسيب او رقيب..
السبب الثالث، انّ تشكيل حكومة تكنوقراط يمثل انقلاباً على نتائج الانتخابات النيابية التي انتقلت بموجبها الأكثرية، من قوى ١٤ آذار، الى الفريق الوطني الذي أصبح يملك الأغلبية في البرلمان، والتي جعلته قادراً على تسمية رئيس الحكومة والحصول على غالبية الحقائب الوزارية فيها، واستطراداً التحكم بقراراتها.. في حين يريد الرئيس الحريري من خلال تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسته، عدم مراعاة نتائج الانتخابات النيابية، وأن تكون له صلاحية اختيار أعضائها.. وبالتالي التحكم بقراراتها..
ثانياً، انّ إصرار الرئيس الحريري على تشكيل حكومة تكنوقراط هدفه، أولاً تنفيذ انقلاب سياسي يطيح بنتائج الانتخابات النيابية، وإعادة إجراء انتخابات جديدة مبكرة وفق قانون تعدّه الحكومة يضمن حصول القوى الموالية لواشنطن على الغالبية النيابية، وثانياً تحقيق الانقلاب السياسي الذي يمكن واشنطن من العودة إلى التحكم بناصية القرار السياسي الحكومي وتنفيذ الأهداف التي تحقق مصالح كيان العدو الصهيوني في العمل على تطويق المقاومة من ناحية، وكذلك تحقيق الأهداف التي تصبّ في صالح الإستراتيجية الأميركية، التي تسعى الى استعادة المبادرة والحدّ من تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، اثر انتصارات محور المقاومة وتنامي قوته في كلّ من سورية والعراق واليمن ولبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية، من ناحية ثانية.. وثالثاً، تأجيل انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية من خلال تنفيذ إصلاحات مؤتمر “سيدر” الذي اشترط تقديم القروض بتنفيذ حزمة من الإجراءات اهمّها خصخصة ما تبقى من مؤسّسات تدرّ عائدات مهمة على خزينة الدولة، مثل الخليوي والمرافئ والمطار إلخ… وفرض ضرائب جديدة غير مباشرة، وتقليص حجم الدولة ايّ تسريح جزء من الموظفين تحت عنوان ترشيق الدولة والتخفيف من أعبائها.. وتطبيق مثل هذه الإصلاحات يجعل لبنان أكثر ارتهاناً لصندوق النقد والبنك الدوليّين واستطراداً للدول الغربية الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة..
انطلاقا من ذلك يصبح من الخطورة بمكان ان يقبل الفريق الوطني بمثل هكذا حكومة، بل من الطبيعي ان يرفضها وبحزم.. ويصرّ على تشكيل حكومة تحترم اتفاق الطائف والتوازنات التي يعكسها البرلمان.. أما إصراره على أن يرأس الحريري مثل هذه الحكومة إنما ينطلق من عدم السماح له بالهروب من المسؤولية عن تحمّل أعباء معالجة الأزمات التي تسبّبت بها السياسات الريعية للحكومات الحريرية منذ اوائل التسعينات والتي ادّت إلى إغراق لبنان بدَيْن بلغ عتبة التسعين مليار دولار، وعجز كبير في الموازنة وفوائد مرتفعة إلى جانب تدمير الإنتاج الزراعي والصناعي وإفقار اللبنانيين وسحق الطبقة الوسطى وتفشي البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، وإشاعة الفساد وحماية الفاسدين الذين استفادوا من التلزيمات والصفقات بالتراضي، التي جرى تضخيمها على حساب المال العام.. الأمر الذي دفع أحد الخبراء الاقتصاديين إلى القول بأنّ الحكومات الحريرية أفلست البلاد، وهذا ما يشكل أساس الأزمة بشقها الداخلي، أما الشق الآخر من الأزمة المتفجرة، ببُعديها الاقتصادي المالي والسياسي، فهو خارجي، أيّ المؤامرة الأميركية. التي استفادت من الأزمة وانفجار غضب الناس في الشارع، وسارعت إلى استغلالها وركوب موجتها من خلال القوى المحلية التابعة لواشنطن لتنفيذ اجندتها السياسية، من خلال محاولة تغيير المعادلة السياسية التي أنتجتها الانتخابات النيابية، واعادة توحيد وتعويم قوى ١٤ آذار، وتمكينها، عبر فرض حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري او شخصية موثوقة أميركياً، من استعادة الغالبية النيابية والتحكم بالقرار السياسي الحكومي، لأجل العمل على تطويق المقاومة، وفرض الشروط الصهيونية لترسيم الحدود البحرية…لكن وعي قيادة المقاومة لهذا المخطط الانقلابي، منذ البداية، ووضع خطة مقابلة في مواجهته، ولكلّ سيناريو من سيناريواته، هو الذي أحبط الانقلاب وجعله يواجه المأزق، هذا الى جانب موازين القوى التي تميل لمصلحة المقاومة وحلفائها، التي تجعل واشنطن تتجنّب الذهاب بعيداً في مخططها، وتضبط إيقاع حربها الاقتصادية، لمحاولة إحداث الانقلاب السياسي، عند عتبة حافة الهاوية، التي تتقن، أيضاً، قيادة المقاومة خوض المواجهة على حافتها…