غياب الكاتب عبد اللطيف كنفاني
} سليمان بختي
غاب الكاتب عبد اللطيف كنفاني (1927-2019) عن دنيانا بعد عمر قضاه في العمل والكتابة والنضال والإصرار على الذاكرة التي لا تعيد الحياة بل تعيد المكان وتعيد الأمل.
ولد عبد اللطيف كنفاني في مدينة حيفا – فلسطين عام 1927. تخرّج من مدرسة الفنون الأميركية – صيدا Gerard Institute عام 1944. دخل لمدة سنة أو سنتين إلى الجامعة الأميركية في بيروت إلا انه عاد والتحق بمدرسة الحقوق في القدس حتى عام 1948.
انتمى إلى صفوف النهضة القومية ولبث متحفزاً دائماً لكلّ يقظة أو أمر أو قضية.
سافر إلى الكويت وعمل في مجلس الإنشاء ثم في مجلس التخطيط، ولأكثر من 12 سنة كان أميناً عاماً ثم مديراً للبرامج والميزانيات إبان الخطة الخمسية الأولى. كما تولى منصب أمانة المجلس الاستشاري الفني بوزارة الأشغال العامة ولجنة المناقضات المركزية. انتدب عضواً في وفد دولة الكويت لمباحثات السوق العربية المشتركة في جامعة الدول العربية عام 1965 كما عيّن عضواً استشارياً في لجان مجلس المشاريع الكبرى في لبنان 1966. تنقّل بين البحرين والسعودية وعمان وقبرص وفي مراكز قيادية في عدد من شركات الاستثمار والهيئات الاستشارية والمصارف. عمل أخيراً اميناً عاماً للمؤسسة المالية العربية في بيروت حتى تقاعده عام 1998.
تمتع عبد اللطيف كنفاني بثقافة عالية في اللغة والأدب وطول باع في اللغة الانكليزية. كتب في العام 1996 واحداً من أمتع الكتب التي تروي الذاكرة الفلسطينية من خلال عنوان بيته فيها «15 شارع البرج – حيفا» ويتدفق شلال الذكريات والمعالم التي تضع الناس والحياة والمدينة والوطن. تغريبة إنسانية رائعة.
في عام 2007 أصدر «مشاهير على ألسنة الناس» كتاب مصغر لإنسيكلوبيديا المشاهير في العالم الذين قدموا الانجازات والاختراعات والابتكارات التي غيّرت وجه العالم.
وفي العام 2009 كتب رواية «مدرسة العذاب» وهي رواية واقعية يفتتحها بهذه الكلمات: «هي الدنيا مدرسة حافلة بالمباهج والمسرات حيناً ومترعة كأسها بالعذابات أحياناً. يحلو لنا أن نفلسف مفارقاتها في محاولة منا للتعالي على الندوب التي تخلفها في نفوسنا. لكم هي وعرة المسالك هذه الدنيا».
وفي العام 2014 اصدر «من عكا وإليها» رواية مختلفة تروي حياة امرأة عكاوية في يومياتها وفي قيمها ومثلها واستثنائيتها. «أنا إنسانة طبيعية وبسيطة وأمثالي كثيرون. فقط أنظروا من حولكم». كتاب يُعلن الانتصار لقيمة المرأة ودورها في الحياة والوطن.
أما كتابه الأخير فكان بالانكليزية وبعنوان «يوميات مدينة حيفا». كتابة قائمة على تذكّر تلك الوقائع بمشاعر وأحاسيس وحواس متوترة. ذاكرة ترفض أن تضعف. يروي أيام الطفولة والمراهقة والظلال وطرق الحياة والتقاليد في مدينة حيفا.
يروي في هذا الكتاب قصة بيته، في حيفا، فلسطين، الذي رآه معروضاً للبيع في إحدى الصحف الأجنبية. بيت الطفولة والأيام الجميلة. وقرّر أن يشتريه واتصل بالأمم المتحدة يريد شراء البيت، بيته، حتى أثار الأمر قضية إعلامية وقانونية وإنسانية وسجالات. هذا إضافة إلى العديد من المقالات والترجمات في العديد من الدوريات اللبنانية والعربية.
يغيب عبد اللطيف كنفاني، الصديق الكبير، وأحد عشاق بيروت القدامى، مقاهيها ومسارحها وشوارعها وندواتها ومعارضها ومكتباتها وكتبها ونجومها، والفارع الأنيق ببياض شعره ودقّة تعابيره ودماثة خلقه وصفاء سريرة قلبه، ونقاء التزامه القومي، ولا تزال روحه معلّقة في فلسطين وبكلّ أمل يشدّه إلى فلسطين، البداية والنهاية.