الجبّارة الفلسطينيّة أمّ الشهيد سامي أبو دياك: كونوا بخير لتكمّلوا المشوار!
صابرين دياب
بعد استشهاد نجلها البكر، ومعاناتها جرّاء أسر الجثمان، ثم تحريره وترحيله، إلى أرض غير أرض فلسطين، عادت أم الشهيد البطل سامي أبو دياك، من رحلة عناق الجثمان في الأردن، الى سيلة الظهر، بلدة الشهداء والأسرى والأبطال. عادت لتعود مجدداً، الى طقطقة بوابات السجن المزعجة، حيث يقبع سامر، الإبن الثاني الأوسط، المحكوم بالمؤبّد، وفوقه عشرون عاماً..
كان اليوم يوماً قاسياً، “امس الخميس” ومختلفاً بقسوته، عن مرارة وقسوة الأيام التي مضت، وخطفت معها سامي، حيث الزيارة المنقوصة، الى سامر فقط، دون سامي.
الى سامر الذي ينتظر احتضان أمه وأبيه، من خلف جدارٍ زجاجي، ليعزيهما ويعزّي ذاته، بارتحال الشقيق الأكبر، وليتصبّر برؤية أبويه، وهو الذي رافق أخاه المريض، في سجن الرملة حيث المشفى السجن القبيح، ليعتني بأخيه البطل الذي مرض، وطالما اعتنى به داخل السجن، اعتناء الأخ الأكبر بأخيه الأصغر..
يا الله ما أقساه من موقف، أم كافحت حتى تحتضن جثمان بكرها، وجاهدت حتى تصل وهي المتعبة، من مشقة السفر ولوعة الفقد، الى سجن الرملة، لتحتضن نجلها الثاني، من خلف الزجاج.. لا كلام، إلا همس الدموع، دموع الشوق والحرمان، التي تنتهي وتتوقّف، برفع الرأس عالياً شامخاً، بصبرٍ وإيمانٍ شديدين بحتمية الانتصار، الذي لا يتحقق إلا بالدم والتضحيات الجسام.
ثم تسأل الحاجة آمنة، عبر الهاتف، أحد الأقارب: “شو صار بالتحقيق مع صلاح، وايمتى محكمتو يا يمّا؟”. وصلاح نجلها الثالث والأخير، يخضع للتحقيق في معتقل “كيشون” منذ أسبوعين !
هذا مشهد من مشاهد الأم الفلسطينية، المجاهدة الصابرة الجبّارة والمؤمنة. سألتها وصوتي بالكاد يُسمع، سؤالاً غير تقليدي، في موقفٍ غير عادي: “شو بتأمريني خالة”!؟ فقالت بصوتها الهادئ المتماسك: “كونوا أقوياء، لتكملوا المشوار، لا أريد شيئاً، إلا أن تكونوا جميعاً بخير”. فقلت: “سامحينا إن قصرنا معك”. فقالت: “محبتكم تعشّش في مهجة قلبي وتواسيني، وكلمات الأستاذ ناصر قنديل، كانت برداً على قلبي المشتعل، وأنا في طريقي إلى الأردن، للقاء جثمان الغالي، أشكركم جميعاً وأشكر كل مَن ساندنا”.