حكومة تصريف الأعمال هي الأفضل
ناصر قنديل
– تُوصلنا القراءة البسيطة الهادئة لمواقف جميع الأطراف المعنية بالأزمة الحالية إلى استنتاج واحد وهو أن مطلب استقالة الحكومة الذي سقط على الشعب الموجود في الساحات من مكان مجهول، كان فخاً لدفع البلاد نحو الفوضى. وأن الاستجابة لهذا المطلب كانت تتمة النصف الثاني من الفخ، وأن الحكومة التي ولدت بعد الانتخابات النيابية يصعب تشكيل بديل عنها على كل ما فيها من مشكلات ومساوئ، وأن كل صيغة من الصيغ المطروحة تستدعي لولادتها حرباً أهلية أو تبشيراً بحرب أهلية. فحكومة تضع الرئيس الحريري خارج المعادلة الحكومية وتقوم على المبدأ البسيط للديمقراطية اي حكومة الغالبية النيابية تعني استبعاد طائفة كبرى هامة وتعيش حال استنفار تجاه حضورها وزعامتها، في ظل تعرّضها لضغوط خارجية ستستعمل عصبيتها لزجها في معارك تشيطن كل من يقبل رئاسة الحكومة من غير البطانة الحريرية، وتفتح بوجه الحكومة جبهات متعددة من المشاكل الإضافية للمشاكل الكبرى التي عليها مواجهتها، وسوف تكون هذه الحكومة أمام مواجهة مع الخارج الذي سيعتبرها كسراً لمخطط أراد تحقيقه بالاستثمار على أزمات لبنان المالية وسيعمل على إفشالها ومحاصرتها. وهذا يعني الحكم على هذه الحكومة بالفشل أو الضعف على الأقل قبل ولادتها.
– الصيغة الحكومية التي يطلبها الرئيس سعد الحريري، والقائمة على القفز فوق نتائج الانتخابات النيابية بداعي سقوط زمن الحكومات السياسية، تعني سقوط اتفاق الطائف القائم أصلاً على مبدأ الحكومات السياسية كمجلس قيادة جماعي للدولة، واعتبار الانتخابات النيابية التي تستولد منصب كل من رئيسي الجمهورية والحكومة، مصدر استيلاد التركيبة الحكومية، وطالما أن طلب الحريري ليس توافقياً، ويشكل توفير الغطاء النيابي له بأغلبية يوفرها مع حلفائه ثنائي حركة أمل وحزب الله، قبولاً بحكومة تستبعد المكوّن المسيحي من المعادلة الحكومية، خصوصاً بعد موقف التيار الوطني الحر، فهذا يعني أن الحكومة الحريرية لو قبلها الخارج فهو سيستضعفها ويفرض عليها شروطاً وإملاءات في ظروف مالية ضاغطة، يشكل جلب الأموال رصيد الحكومة الوحيد المفترض خلالها، ما يعني أن مشكلتين كبيرتين ستتكفلان بتفجير الحكومة أو سقوطها، ما لم تسقط البلد في المحظور، الأولى قبول الحكومة بشروط خارجية تستفز الشركاء فيها فتفجّرها، والثانية ما ستفتحه من خطوط تماس طائفية ستكبر كثيراً بعد تشكيل الحكومة.
– الصيغة البديلة التي تعبر عن نتائج الانتخابات النيابية، تعني حكومة برئاسة الحريري ومشاركة الوزير جبران باسيل. وهذه تعني صيغة منقحة عن الحكومة الحالية، وهي صيغة جرى استنفار الشارع سلفاً ضدها بتعبئة تفوق طاقة أصحابها على التراجع، ما يعني انفجاراً جديداً في الشارع بوجهها، والدخول في متاهة جديدة، لن تهدأ ولن تتيح للحكومة تحقيق أي صدمة إيجابية داخلية وخارجية، وبمثل ما يبدو الرئيس الحريري غير قابل بهذه الصيغة فهو لا يبدو متحمّساً لصيغة رئيس سواه يسمّيه، كما طلب الوزير باسيل لمرحلة انتقالية تتولى التصدي للمشاكل الاقتصادية بدعم القوى السياسية والكتل النيابية وتمثلها. وهي صيغة قد تنجح في تهدئة الوضع مؤقتاً إذا تم اختيارها بعناية، لكنها ستتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال عملياً بسبب عدم نضوج مناخات توحي بالقدرة على إتخاذ قرارات كبرى، تجاه قضايا خلافية مستحكمة بين الأطراف الداخلية أو يطالها موقف خارجي ضاغط بقوة، كقضية النازحين وكيفية حلها، وقضية ترسيم الحدود البحرية، وقضية الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي، وسواها من القضايا.
– البديل الوحيد الذي يبدو غريباً هو الانتظار، أي التأقلم مع واقع صعوبة تشكيل حكومة جديدة ومصارحة الداخل والخارج بذلك بكل شفافية من جميع الأطراف، وتأكيد أن بمستطاع حكومة تصريف الأعمال أن تجتمع وتتخذ القرارات اللازمة لمواجهة التحديات ضمن النطاق الدستوري لتصريف الأعمال، واللجوء فيما يعوزها إلى مجلس النواب لاستصدار تشريعات للقضايا التي لا تتيح صلاحيات تصريف الأعمال اتخاذ قرارات حولها، أما عن التزامات مؤتمر سيدر فقد سبق وأقرتها الحكومة قبل استقالتها ولا يحتاج إقرارها لحكومة جديدة، وسبق وتم تضمين أغلبها في موازنة العام 2020، والورقة الإصلاحية، وببساطة شديدة إذا أراد الرئيس الحريري التصرّف بمسؤولية فيمكنه جمع حكومة تصريف الأعمال واستصدار بيان عنها يعلن تحملها المسؤوليات الدستورية التي يتيحها تصريف الأعمال، ويدعو مجموعة مؤتمر سيدر ويطلب البدء بالسير بمضامين مقرراته، ما يخصّ لبنان وكذلك ما يخصّ الخارج. – الوقت اللازم لتخطي الخلافات الداخلية من جهة، وتخطي الخارج لأوهام فرض إرادته على لبنان من جهة موازية هو شهور، على لبنان أن يصمد في ظلها. وأفضل صيغ الصمود توفرها حكومة تصريف أعمال، إن قرّر المعنيون تجنيب لبنان المزيد من التجارب.