أقلّ الواجب… تصريف الأعمال
د. فادي فخري علامة _
مع تقدّم عمر الأزمة السياسية في البلاد وعدم الوصول إلى اتفاق على تكليف شخصية سياسية لتشكيل الحكومة العتيدة والذي يترافق مع تفاقم مخيف للأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية… كلّ هذا يُعيد إلى الواجهة مسألة لم تغِب أساساً وهي مسألة قيام الحكومة المستقيلة بواجبها لناحية تصريف الأعمال.
ولا يمكن لأحد التذرّع بحجج قانونية تمنع الحكومة من القيام بتصريف الأعمال أو الاجتماع كمجلس وزراء مستقيل. وهنا يهمّنا أن نلفت النظر إلى النقاط التالية:
١) نص الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور اللبناني واضح لناحية حق الحكومة المستقيلة أو التي لم تنل الثقة بعد القيام بممارسة صلاحياتها بالمعنى الضيّق للكلمة، وبالتالي هذا مبدأ دستوري ثابت.
٢) المبدأ الأساسي الآخر يتمثل بضرورة استمرارية عمل المرافق العامة، وبالتالي القيام بما يلزم للمحافظة على هذه الاستمرارية أقلّه في حدودها الدنيا.
٣) وإن كان البعض يذهب إلى القول بأنه لا يحق للحكومة المستقيلة القيام بأيّ عمل، على اعتبار أنها أصبحت غير مسؤولة أمام البرلمان، إلا أنّ هناك من يرى بأنّ لمجلس النواب سلطة الرقابة والمساءلة حتى على الوزراء المستقيلين عند قيامهم بأعمال تفرض ذلك، وأيضاً الاستقالة لا تعفي الوزراء من المساءلة القانونية ومن سلطة القضاء الإداري مثلاً.
٤) سبق لمجلس شورى الدولة أن أكد على ضرورة القيام بتصريف الأعمال خوفاً من الوقوع في الفراغ ولكن ضمن حدود لا تطال السياسات العليا للدولة أو تلزم الحكومة المقبلة بقرارات وخطوات معينة. وهو بذلك سار على خطى مجلس شورى الدولة في فرنسا الذي أصدر قرارات مماثلة أجاز فيها للحكومة القيام ببعض الصلاحيات مخافة الوقوع في الفراغ.
٥) عادة وإنْ كان من واجب الوزراء القيام بأعمال تصريف الأعمال فإنّ البعض يرى بأنه لا حاجة لانعقاد مجلس الوزراء في هذه المرحلة إلا في حالات الضرورة القصوى أو الظروف الاستثنائية.
بناءً لما تقدّم نرى أنه من واجب الوزراء المستقيلين القيام بمهام تصريف الأعمال الذي فرضه الدستور وأكده القضاء الإداري.
وانطلاقاً من البند الخامس أعلاه نسأل: ألسنا في ظروف استثنائية مالياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً؟! أليست هناك ضرورة بل ضرورات قصوى تفترض من الحكومة المستقيلة الاجتماع وتوحيد جهود الوزارات للعمل على منع التدهور أكثر وإلى طمأنة المواطن القلق بحق على مصيره ومصير وطنه؟! وربما مجرد انعقاد مجلس الوزراء المستقيل هو إشارة ثقة للمجتمع اللبناني والمجتمع الدولي الذي يأخذ علينا عدم قدرتنا على تشكيل حكومة إلى الآن، والذي يحتاج أن نثبت له أننا دولة تحترم مؤسساتها والتزاماتها وتقوم بواجبها تجاه مواطنيها الذين بلغوا حدود الفقر بسوادهم الأعظم.
لتكن رسالة من وجهين… الوجه الأول والضروري داخلي من خلال القيام بخطوات عبر تصريف الأعمال تمنع الانهيار أكثر وتُريح واقعنا الاقتصادي والمالي والاجتماعي المعيشي، ووجه آخر للمجتمع الدولي نقول فيه بأننا دولة تؤمن باستمرارية العمل في مؤسّساتها وبأننا كقوى سياسية مهما اختلفنا في السياسة فإننا نلتقي في الوطنية وبأننا نعمل بجدّ للوصول إلى تشكيل حكومة تستلم مهامها من الحكومة المستقيلة استناداً لمبدأ استمرارية الحكم.
*نائب في البرلمان اللبناني.