في ثوابت السيد نصر الله
ناصر قنديل
– يقع أعداء المقاومة وخصومها وبعض محبيها كثيراً في القراءة الخاطئة لمواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كمرجع في تشخيص مواقف المقاومة ومحور المقاومة من قضايا لبنان والمنطقة، ذلك لأن الموقف الذي يعالج حالة خصوصية في ظرف معين يؤخذ بصفته تعديلاً لما قبله أو سقفاً لما سيليه. فيقع الخطأ لأنه ينسلخ بالموقف من السياق الذي ترسمه وتحكمه ثوابت لا تتعرّض لتغيير ظرفي وتشكل الإطار المستديم لرسم مواقف المقاومة.
– حدث هذا في قراءة موقف المقاومة من الحراك الشعبي؛ فتارة نظر البعض لكلام السيد نصرالله كداعم ومرة نظروا إليه كمخاصم، وهو لم يكن في هذه وتلك. هو كان يقرأ من موقع ثوابته كل لحظة في سياقها. فهو مَن يقود معركة بحجم المنطقة وفي قلبها لبنان، معنيّ بتصويب البوصلة عندما تحيد عن وجهتها لكل مكوّن من مكوّنات الساحة التي ترسم مشهد المواجهة الشاملة. فيبارك كل ما يزخم مواقع الشعوب وسيادتها ونهوضها، ويحذّر من كل تلاعب بوجهتها وسعي لتوظيفها خارج مصالحها.
– النهوض الشعبي القائم في لبنان حقيقة لا حاجة لإعادة تأكيدها كل مرة. وهذه الحقيقة مستمرة، وهذا الاستمرار متعرّج السياقات بسبب غياب قيادة واضحة وبرنامج واضح لهذا النهوض الشعبي، ترتسم معهما معالم انسجام الكتل التي يتكوّن منها النهوض وسياق ممارسته مهمته نحو التغيير بوضوح؛ ولذلك يصير النهوض المستمرّ عرضة لتجاذبات ورياح تأخذه يميناً ويساراً، فيحدث تحت اسمه ولباسه أن ترتكب أخطاء وخطايا، كالدعوة لاستقالة الحكومة وما ترتب عليها من متاهة يصعب الخروج منها، أو قطع الطرقات وما رُسم له أن يفتح من أبواب على الفوضى، ولم يكن أي من هذين عفوياً، بل بفعل تسلّط على الحراك واندساس لجماعات لها حسابات وأجندات. والمقاومة ترى من يشغل هذه الجماعات من بعيد، لأنه خصمها الحقيقي، ولا تخاصم الحراك بل تدعوه للانتباه، وبعد مرور الوقت الكافي تدعوه للمراجعة، وتدرك أن صعوداً وهبوطاً في قيادة النهوض الشعبي لا بدّ أن ينتج عنهما في المدى المتوسط والبعيد فرز للقوى داخل النهوض نفسه، وتصحيح للخيارات، وتبلور للقيادات.
– في الشأن الحكومي قرأ الكثيرون من الخصوم والمحبّين، بصورة خاطئة تمسّك المقاومة بحكومة تحظى بدعم المكوّنات الرئيسية للبلد ولمجلس النواب، ففي لحظة استقالة مبرمجة وغير متفق عليها للحكومة، معلوم أنها تلاقي مَن رموا كرة الدعوة للاستقالة لفتح بازار توازنات تشكيلة حكومية جديدة وبرنامج لحكومة جديدة، ظنّ كثيرون أن المقاومة ستسارع للاستقواء بالغالبية النيابية لتشكل حكومة مواجهة، بينما المقاومة كانت ترى ذلك فخاً وترى أن الخطر هو في أن يتسلل من بين شقوق مكوّنات المشهد القائم على الارتباك، المشروع الذي يريده اصحاب شعار الاستقالة الحقيقيون وهم ليسوا في لبنان، لا هم الرئيس سعد الحريري الذي استقال، ولا الحراك الذي هتف بالاستقالة. فللمرة الألف يجب إدراك أن اللاعب المقابل للمقاومة في ملعب المواجهة ليس محلياً، بل هو تحالف واشنطن وتل أبيب ومعهما تخديم مالي وإعلامي لحكام الخليج، والمقاومة وسيدها يضعان نصب أعينهما ما سبق وقاله زعيم الثورة الفيتنامية هوشي منه ذات يوم، إنه لا يمكن أن تكون وأنت وعدوك رابحان معاً في لحظة الاشتباك، فما يفرحه هو حكماً خسارتك وما يفرحك هو حكماً خسارته، ولذلك يراقب اهل المقاومة الأميركي و”الإسرائيلي” وما يريدان، ويعلمان علم اليقين من خلال الخبرة والتاريخ طبيعة الأهداف، وخارطة طريق المواجهة، وقواعد الاشتباك، وكل ما يُقال من المقاومة للداخل اللبناني، هو تحفيز لعناصر قوة لبنان وتحذير من نقاط ضعفه، وليس اشتباكاً مع أحد من هذا الداخل، لا في التركيبة السياسية ولا في الشارع.
– تعلم المقاومة أن المعركة على لبنان اليوم بقوة الأزمة الاقتصادية والمالية تفوم على محاولة مقايضة يعلم الأميركي والإسرائيلي استحالة وضع سلاح المقاومة ومصادر قوتها بين عناصرها، كما قال بصراحة جيفري فيلتمان. لذلك فمخطئ مَن يظنّ أن ما تتخذه المقاومة من مواقف يهدف لحماية نفسها أو سلاحها. فالمقايضة هي بين عناصر سيادية للبنان ومال موعود ثبتت استحالتها مع الحكومة المستقيلة، والمال الموعود قد يأتي وقد لا يأتي. وقد يأتي بعض قليل منه، أما العناصر السيادية فتطال مسألتين، ترسيم واستثمار مناطق النفط والغاز حيث هناك مصلحة “إسرائيلية”، والعلاقة اللبنانية السورية، والتي تختزن ملفات النازحين وعودتهم واستخدام المعابر الحدودية السورية مع الأردن والعراق لتسويق المنتجات اللبنانية وتنشيط استثمار مرفأي بيروت وطرابلس في تجارة الترانزيت، وتأمين تشغيل خط النفط بين العراق ولبنان عبر سورية. وكل ما يجري حول الحكومة من دعوة الاستقالة وتلقفها إلى فتح باب التكليف والتأليف، ومَن يشارك ومَن لا يشارك، هو صراع غير مباشر حول هذه العناوين، والتزام المقاومة ثابت في هذه العناوين ولن تكون عنصر تسهيل لتمريرها على الإطلاق، ولذلك فهي تقارب ملف الحكومة من زوايا تضمن عدم خلق صراعات جانبية تضعفها، وتضمن عدم ضعف تركيبها بما يسهل الضغوط عليها، ولذلك تتمسك بحكومة أوسع مشاركة ممكنة، وهذا إن كان ينطبق على مشاركة الخصوم الوازنين في تمثيل طوائفهم، فهو حكماً ينطبق على حكومة الحلفاء الأشد وزناً. – الخلاصةهي أنه ليس لدى المقاومة خوف على ذاتها كي تقدّم تنازلات وترضى بمساومات يستعيد البعض تشبيهاً بها تجربة التحالف الرباعي عام 2005؛وهو في جوهره كان منعاً لفتنة تستهدف لبنان أكثر مما كان حماية للمقاومة. وليس لدى المقاومة مايدعوها تحت شعار تسهيل ولادة الحكومة كضرورة وطنية، أن تقبل بأن تتخلى عن التمسك بوطنية الحكومة، وطنية تمثيلها الواسع ووطنية أهدافها، والصبر الذي دعا إليه السيد نصرالله جمهور المقاومة بوجه الاستفزاز، تمارسه المقاومة عندما لايُسمع صوتها أو يُساء فهم مدّها يدَها طلباً للتشارك، ولأن تحديد وجهة الصبر ضروري كيلا يُساء الفهم مجدداً، فالصبر اليوم حتى تتبدد عند الخارج المتربّص أوهام القدرة على تمرير الأجندات المشبوهة. والصبر حتى يثق الداخل الموهوم بالمكاسب الصغيرة بأن الوقت ليس للربح خارج الربح مع الوطن أوعلى حسابه، وحتى ذلك الحين صرّفوا أعمالكم بالتعاون والتضامن والتكافل، وتدبّروا وتبصّروا، فالبصيرة والصبر توأمان في صناعة النصر.