فيصل صائب والوداعُ الأخير
بقلم الأمين بشير موصللي
كثيراً ما ارجو تم يمد الله من عمري، محتفظاً بعافيتي فأكتب الكثير مما احتفظ بهِ في ذاكرتي، وفي محفوظاتي، من معلوماتٍ تُفيد تاريخ حزبنا، وهذا يَترافقُ مع الكثيرَ من الألمِ لما أجدهُ من إهمالٍ، بقاربِ الجّريمة بحقّ تاريخ الحزب. قلتُ وأقولُ أن ما أقومُ بهِ ليسَ أمراً شخصياً يَعنيني، ولا هو موضوعٍ تجاري – مالي، أسعى إليه، إنّه فقط، وفاءً لِمُناضلين وذُخرًا للمُستقبل.
في محفوظاتي الكلمةُ التاليةُ التي كانَ نشرها الأمينُ الراحل بشير موصللي في جريدةِ الديار بتاريخِ 29 نيسان 1998 بُعيدَ أيّامٍ من رحيلِ الرفيق فيصل صائب:
ل. ن.
* * *
الموتُ سنّةُ الحياة والوجه الاخر لها، ولا مرّد لقضائه، واذ هو لا يستثني احدا، ولا يوفر صغيرا ولا كبيرا، ولا مسنًا ولا طفلًا، فإنّهُ لا يمنعُ حُزنًا ولا يوقفُ حرقةً، ولا يُخفّفُ لَوعة. انّها قاعدةُ القضاءُ وألقدر.
وفي قافلةِ الراحلين من القوميين الاجتماعيين التي لا تكادُ تنقطعُ كل شهرٍ تقريبا، لا نكادُ نستعيدُ هدوءنا واستقرارُنا بعدَ الاحزانُ والآلامُ، حتى يُفاجئُنا رحيلُ عزيزٌ آخر.
فيصل صائب قد لا يكون معروفا للجيل الجديد من القوميين الاجتماعيين، إلّا أنَّ سجونَ الخمسينات والستينات حفظتهُ عن ظهرِ قلبٍ، مُناضلًا صلبًا عِملاقًا في ثباتهِو تحدّيهِ للجلادين.
في النضالِ السّري عَمِلنا معًا لفتراتٍ طويلةٍ، كانَ مُميزًا بكتمانهِ وهدوئهِ وتنفيذهِ دون ان تدري يدهُ اليُسرى ما فعلت اليُمنى، افنى سنينَ عُمرهِ في خدمةِ رُفقائهِ وَغيرِ رُفقائهِ في أيّ أمرٍ قصدوه.
كثيرًا ما كان الخلافُ يقطعُ اطول فترات عملاقتنا معًا، ولكنّهُ، في نفسهِ الكبيرة وبراءته العفوية، يمتصُّ كُلَّ سوءِ تفاهُمٍ ويَصفَح بسرعة.
شيّعتهُ دمشق ظُهرَ يومِ الاحد 26 نيسان في مأتمٍ ضَمَّ جمعًا كبيرًا من رُفقائهِ في لبنان والشام وكُل من عَرفهُ وكُل من فرّقت بينهُم المواقفَ والتنظيمات، جميعهم مشوا وراء نعشه، وما شعرَ اَحد انّهُ لم يكن منهم، بأيّ تنظيمٍ التحقوا– حَسبَهُمْ انّهُ قومي اجتماعي نَذَرَ نفسهُ للحق– متى تجمَعُنا الحياةَ معًا بدلًا من أن تكونَ الاحزانَ ومناسباتِ الوداعِ مُناسباتٍ للقاء؟
غَدَرَ بهِ المَرضُ وهو في عزّ عطائهِ وشبابهِ بانيًا عائلةً وجيلًا من شبابِ المُستقبلِ الآتي تُكملُ طريقهِ في العملِ القومي والانساني وفي توزيعِ محبّتهِ على كُل من حوله.