في فيينا… الأرض لا تتكلّم عربي فقط!
} طلال مرتضى*
من كل جهات الأرض تناثروا مثل حبات البرد، ذابوا ملء أرواحهم المتعبة في تراب أرض البرد، اكتنفتهم كفلذات أكبادها أو كأم بثتهم دفء قلبها ليورقوا من جديد ماء زلالاً وخضرة لا تنطفئ أمام هلع الريح وتشتت الحواس..
وحدها مائدة الكلمة، سجادة الشعر الحمراء هي مَن تستطيع لمّ شمل القلوب التي أنهكها شتات الجهات بعدما تاهت بوصلة النور في عيون العابرين نحو منتهى الضوء.
على الرغم من أننا كسرنا سطوة البحر الأبيض المتوسط وبدّدنا عن سابق هزيمة في أوطاننا وقلوبنا وأرواحنا، وفي كل ذواتنا هوج أمواجه التي لا تقهر، بقينا نردد في ما بيننا وفي كثير من الأحيان عن سابق قناعة في العلن، (الأرض بتتكلم عربي.. الأرض بتتكلم عربي)، لكنني في الأمس المنصرم وقفت وأنا بكامل أهليتي أمام حقيقة لمستها بكل حواسي دون مواربة، فمقولة «الأرض بتتكلم عربي» خاطئة بكل ما تعنيه الكلمة.
الأرض الدوارة هذه لها ألف لسان ولسان، وما أطيبها من ألسن حيث لا تنطق إلا بالحب، الحب وليس سواه.
كنا معاً على رأس اللغة بعدما فتحت لنا مجلة «كلمات وعوالم» «Words and Worlds « صفحات قلبها الغارق بوهج الحبر الغامر بإنسانية الأرض من أعلاها إلى أقصاها ومن شرقها إلى غربها، وكما تقول العوام، حيث التقى الجمعان، ركاب الحبر العظيم وعشاق اللغة.
منبر «هجرة وأدب بلاد حدود» لم يفاضل أحد أبيض على أسود ولم يتفقد جوازات سفرنا التي لا يحبها حراس الحدود، فتح باب الكلمة على مصاريعه معلناً قيام الحب.. نعم.. أمس، قام الحب بالشعر وهذا ما جرّني إلى التراجع عن قَسَم أقسمته ذات مرة وأنا أكتب روايتي السالفة «نزاز»، حيث قلت على أثر حادثة: «والحبر إن الشعر لفي قهر».
أمس، تغنجت القصائد مثل غزالات الأحلام، فردن بكل أنوثة دفاتر دهشتهن فتساقط بلح غوايتهن يانع القطاف.
هكذا كانت أمسية الشعر التي أقامها منبر «هجرة وأدب بلا حدود» ومجلة «كلمات وعوالم» بالتعاون مع منظمة «القلم النمساوي PEN» في مقره الكائن في الحي الأول الفيناوي العتيق.
القصائد تحرّرت من قيد الجغرافيا بعدما انحلت عقدة لسانها لتنطق بالعربي والروسي والفرنسي والألماني والتركي والفارسي والهندي والألباني والصربي والباكستاني وغيرها من لغات الأرض على هدهدة موسيقى العود العربي.
كان مهرجاناً مكتملاً بدورة الأرض كلها وجهاتها الأربع حيث لا سلطة لحراس الحدود أمام حضور قوافل الصور الشعرية الفادحة الدهشة وانسياب لغة الوتر الناعس..
الأسماء كبيرة بحضورها والعناوين غاوية حد الشهقة، وهي تؤطر ليل فيينا البارد مثل قوس قزح جديد.*كاتب عربي/ فيينا.