حرب ناعمة أميركية على حافة الهاوية…
} حسن حردان
من يتفحّص أهداف الحرب الناعمة الأميركية التي تستخدم وسائل ضغط متعدّدة، اقتصادية ومالية وإعلامية، لتغيير الواقع السياسي الرسمي الحكومي في كلّ من العراق ولبنان، يدرك انّ هذه الحرب إنما تخاض على حافة الهاوية، لأنّ واشنطن لا تريد دفع الأمور في البلدين إلى الانفجار او الفوضى الشاملة، لانّ ذلك لا يخدم أهدافها وقد يقود إلى نتائج معاكسة كون موازين القوى ليست في مصلحة القوى التي تتبع لها وتلتزم تنفيذ أجندتها…
هذه القراءة دفعت واشنطن إلى دوزنة تدخلها في الشؤون الداخلية لكلّ من العراق ولبنان، على أساس استغلال الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية بهدف تعزيز ودعم القوى الموالية لها لتمكينها من إحداث التغيير المتدرّج عبر الوسائل الدستورية والقانونية، ولذلك جرى تحديد طريقة الوصول إلى هذا الهدف عبر طرح شعار الضغط لأجل تشكيل حكومة تكنوقراط او حكومة حيادية من الاختصاصيين تحصل على صلاحيات تنفيذية تشريعية، ايّ امتلاك السلطة كاملة لتنفيذ انقلاب سياسي بوساطة وضع قانون انتخاب جديد لإجراء انتخابات مبكرة تمكن القوى التابعة لواشنطن من الفوز بالأغلبية النيابية لإعادة تشكيل السلطة من تأليف حكومة وانتخاب رئيس جديد للجمهورية إلى إجراء التعيينات الأمنية والعسكرية.. أيّ الإمساك بناصية القرار السياسي والأمني بما يمكن واشنطن من تحقيق عدة أهداف دفعة واحدة:
الهدف الأول، تحويل لبنان والعراق إلى منصّتين لإعادة فرض القطيعة ومنع التواصل مع كلّ من سورية وإيران وبالتالي إغلاق معبر القائم – البوكمال، ومنع عودة النازحين السوريين في لبنان إلى سورية ومنع العراق ولبنان من التوجه شرقاً وإقامة علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري مع إيران والصين وروسيا إلخ…
الهدف الثاني، تأمين الصيغ القانونية التي تمكّن الشركات الأميركية من السيطرة على عمليات استثمار واستخراج وتسويق النفط والغاز في كلّ من العراق ولبنان، وفرض اتفاق لترسيم الحدود البحرية والبرية، بين لبنان وفلسطين المحتلة بما يمكن كيان الاحتلال الصهيوني من تحقيق أطماعه في ثرواث لبنان النفطية والمائية والاستحواذ على جزء هام من هذه الثروات..
الهدف الثالث، تطويق قوى المقاومة والعمل على إضعافها وعزلها وصولاً إلى محاولة نزع سلاحها تحت عنوان حصر السلاح بيد الدولة، فهذا الهدف يشكل نقطة محورية في الخطة الأميركية، لإجهاض انتصارات محور المقاومة وإنقاذ نفوذ الولايات المتحدة من حالة التراجع وإعادة تعويم مشروع الهيمنة الأميركي بما يقود إلى العودة إلى إنعاش الحرب الإرهابية ضدّ الدولة الوطنية السورية وادامة استزافها بهدف تقويض استقرارها ومنعها من استعادة عافيتها والبدء بورشة إعادة بناء ما دمرته الحرب.. وكذلك انعاش الرهان على تنفيذ مخطط عزل إيران والعبث بوضعها الداخلي لفرض الشروط والاملاءات الأميركية عليها..
الهدف الرابع، ربط لبنان والعراق بشكل كامل بوشائج التبعية السياسية والاقتصادية والمالية، من خلال تكريس النموذج الاقتصادي الريعي على حساب الإنتاج الزراعي والصناعي، وبالتالي إبقاء البلدين مرتبطين بالنظام الرأسمالي الغربي بقيادة أميركا، والمؤسسات المالية الدولية التي تهيمن عليها واشنطن لتكون الوسيلة لتكريس هذة الهيمنة..
في مواجهة أهداف الخطة الأميركية الانقلابية، عمدت قيادة المقاومة في كلّ من لبنان والعراق إلى وضع خطة مقابلة لاحباطها، وحماية الإنجازات الوطنية ومنع الانزلاق الى مستنقع الارتهان والخضوع للمستعمر الأميركي الغربي.. وكما أنّ الأميركي يخوض حربه الناعمة على حافة الهاوية، أيضاً قوى المقاومة تخوض المواجهة على حافة الهاوية لأنه ليس لها مصلحة بانزلاق الأوضاع إلى مستنقع الفوضى الشاملة، ولهذا وضعت خطتها لإحباط المخطط الأميركي الانقلابي، واستعدادها لخوض المواجهة على حافة الهاوية، والتأكيد بأنها لا تخافها وهي تملك الجاهزية لخوضها وتتقن خوض هذه الحرب تماماً كما أتقنت خوض الحروب العسكرية في مواجهة الحروب الصهيونية الأميركية والحروب الإرهابية ونجحت في إسقاط أهدافها..
وكان لافتاً أنّ قائد المقاومة في لبنان سماحة السيد حسن نصرالله ومنذ الأيام الأولى لاندلاع الانتفاضة الشعبية العفوية، كان قد أدرك أبعاد ومخاطر المخطط الأميركي الجاهز لاستغلال الأزمة واستخدام الضغط الاقتصادي والمالي لزيادة حدة الأزمة وتسعيرها بهدف توجيه السهام صوب المقاومة وتجريدها من حلفائها في السلطة السياسية من خلال إضعاف قوتهم في الحكم.. وقد تنبّه السيد نصرالله مسبقاً لهذا المخطط وأوصل رسالة واضحة موجهة للإدارة الأميركية وهي… انه إذا افلست الدولة ولم تعد قادرة على دفع رواتب الموظفين فإنّ المقاومة تبقى قادرة على دفع الرواتب، وأنّ المقاومة لن تنجرّ وتنزلق إلى لعبة استخدام الشارع لان هناك من حضر لتدبير تصادم معها، وأن حكومة تكنوقراط على قياس الشروط الأميركية لن تمرّ وأنّ المخرج الوحيد من الأزمة ومنع انزلاق الوضع نحو الفوضى إنما يكون بتشكيل حكومة ترتكز إلى قواعد دستور الطائف، تماماً كما أعلن قائد المقاومة في بداية حرب تموز انّ الأسرى الصهاينة لن يُطلق سراحهم الا عبر التفاوض غير المباشر للاتفاق على تبادل الأسرى.. وهذا ما حصل بعد هزيمة أهداف العدوان وانتصار المقاومة على جيش الاحتلال..
واليوم في مواجهة الحرب الناعمة الاقتصادية المالية الأميركية لتغيير المعادلة السياسية على مستوى السلطة في لبنان، تقول قيادة المقاومة ومعها حلفاؤها، لن تأخذ أميركا بالحرب الاقتصادية ما عجزت عن تحقيقه بوساطة الحرب العسكرية المباشرة والحرب الإرهابية غير المباشر.. أما حلّ الازمة الاقتصادية والمالية فيجب ان يكون بمشاركة الجميع عبر حكومة شراكة وطنية تتحمّل مسؤولية النهوض بالاقتصاد واستعادة موارد وأموال الدولة وحقوقها المنهوبة ومحاربة الفساد والفاسدين ودعم القطاعات الإنتاجية وتلبية المطالب الشعبية التي طرحت في الساحات..
وكذلك عمدت قوى المقاومة في العراق ممثلة بالحشد الشعبي، الى الردّ على خطة الانقلاب الأميركية، عبر عدم الانجرار إلى مواجهة المتظاهرين، والتحرك لمنع استغلال الأزمة من قبل داعش، والتصدّي للتدخل الأميركي بوساطة فرض عقوبات على قيادات الحشد بتظاهرات شعبية عارمة تندّد بهذا العدوان الأميركي وتؤكد حجم التأييد الشعبي الذي تحظى به فصائل الحشد الشعبي.. وفشل محاولات تأليب الشارع العراقي ضدّها.. والعمل على التفريق بين مطالب الناس المحقة في الساحات وبين بعض القوى والأطراف التي تسللت إلى التظاهرات وعملت على إثارة الشغب وتنفيذ عمليات تخريب واستخدام العنف لاستجلاب ردّ فعل من القوى الأمنية وجرّ فصائل الحشد الشعبي إلى المواجهة مع الشارع.. وقد أدّى هذا التكتيك إلى إحباط هذا المخطط..غير أنّ كلّ ذلك لا يعني انّ المعركة قد انتهت وأنّ الأميركي وأدواته قد سلموا بفشل حربهم الجديدة، وأنّ الأمر يتطلب المزيد من الوقت حتى تصل الإدارة الأميركية إلى التسليم بعدم القدرة على تنفيذ خطتها الانقلابية وأنّ توازن القوى لا يسمح لها بذلك، وأنّ القوى المقاومة القوى الوطنية لا يمكن أن تقع في شرك المخطط الأميركي.. وانّ الاستمرار في الحرب سوف ينقلب سلباً على نفوذ الولايات المتحدة في كلّ من لبنان والعراق.. على أنّ انتقال قوى المقاومة إلى مرحلة تهديد النفوذ الأميركي سوف يلعب دوراً مهماً في إيصال رسالة قوية للإدارة الأميركية ترغمها على التراجع عن مواصلة التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين.. وبالتالي التسليم بعدم قدرتها على تغيير المعادلات السياسية…