ما هي أسباب استهداف الرئيس بري؟
} محمد حمية
لم تجِد الحملة العنيفة التي تعرّض لها الرئيس نبيه بري في عطلة نهاية الأسبوع تفسيرات تُدرج في إطار التحركات الشعبية العفوية، بل أوحت مشاهد ووقائع ليلتي السبت والأحد، بأن هناك عملاً مخططاً وممنهجاً لاستهداف مباشر لأدوار رئيس المجلس تحت عنوان «استعادة ساحة النجمة».
فما الذي يفسّر الهجمة الشرسة على بري، في حين يبيّن المنطق الدستوري بأن رئيس الجمهورية والكتل النيابية كافة والرئيس المفاوض والمحتمل تكليفه لتأليف الحكومة الجديدة أي سعد الحريري، هم المسؤولون عن إجراء الاستشارات النيابية وعملية التكليف والتأليف، إضافة الى مسؤولية حكومة تصريف الأعمال ورئيسها الحريري كمعنيين مباشرين بمعالجة الأزمات وشؤون المواطنين اليومية في غياب حكومة أصيلة! مع التذكير أن الذين احتشدوا أمام البرلمان في الأيام الأخيرة، هم أنفسهم مَن عطلوا جلسات المجلس بحجج واهية!
يظهر بشكل واضح أن استهداف رئيس المجلس فاقَ استهداف الرئاسات الأخرى، ويعود ذلك الى أن بري يُمثل استمرارية النظام والمؤسسات لكونه رئيساً للمجلس النيابي السلطة الأم. أما السبب الثاني فهو موقفه الصلب من ملف النفط في وجه محاولات الاستغلال الأميركي. فلم تعد أطماع واشنطن في النفط والغاز خافية على أحد.
ووفق منطق الأمور، فإن مجموعات الحراك يجب أن تقف في الخندق نفسه مع بري للحفاظ على الثروات والسيادة الوطنية، وليس العكس. وهذا ما تؤكده مصادر الحراك بأنهم تفاجأوا بالهتافات التي خرجت عن مجموعات مشبوهة ضد بري؛ وبهذا السلوك اللاأخلاقي والعنفي. وفي سياق ذلك تؤكد مصادر أمنية أن جهات سياسية وأمنية نقلت مجموعات من طرابلس وعكار والمنية والبقاع في الباصات وكلفت بمهمة شتم الرئيس بري والاصطدام مع شرطة المجلس وأظهرت فيديوات توقيف الجيش اللبناني لأحد هذه الباصات مزوّدين بقنابل مسيلة للدموع وأدوات حادة وحجارة وقبعات زرق وكمامات.
ويقود تتبع الأحداث الى استهداف كبير للأدوار الوطنية التي يلعبها بري، وتحديداً في هذه المرحلة التي يراد دفع لبنان الى الفوضى الشاملة. فالمجلس النيابي يمثل المرجع الصالح الوحيد لإعادة تكوين السلطة في ظل الفراغ في السلطة التنفيذية أو في حالة تقاعس حكومة تصريف الأعمال عن مسؤولياتها، ويضطلع بري بدور بارع في نسج وصياغة الاتفاقات الوطنية إذ يُمثل نقطة الالتقاء والوصل بين كل القوى لا سيما بظل شبه القطيعة بين الرئاستين الأولى والثالثة، وعمله على خط التكليف والتأليف بين بعبدا وبيت الوسط يثبت ذلك. فقدرته على نسج تحالفات ومعادلات يخشى منها الأميركيون الذي لا يريدون الاستقرار في الوقت الراهن.
وعلى خط الترسيم تمسك عين التينة بتلابيب وخيوط الملف، فوقفت سداً منيعاً في وجه المسؤولين الأميركيين الذين أتوا الى لبنان لانتزاع تنازلات، في موقف يتكامل مع موقف حزب الله الذي يؤكد بأن منع لبنان من استخراج نفطه يساوي منع «إسرائيل» من استخراج النفط في فلسطين المحتلة، كما أن بري مستهدف من بعض التنظيمات الإرهابية في الشمال والبقاع التي تتسلل الى داخل الحراك للنيل من اعتداله كصمام أمان للفتنة المذهبية والطائفية.
وفي سياق ذلك، لفتت مصادر مطلعة على ملف النفط لـ»البناء» الى أن «المسؤول الأميركي دايفيد هيل خلال زيارته الى لبنان بعد غدٍ، لن يبحث ملف النفط مع المسؤولين اللبنانيين، لأن المكلف به هو دايفيد شينكر»، وبحسب المصادر فإن «هدف الزيارة حث الاطراف اللبنانية للاستماع الى المطالب الشعبية وتأليف حكومة مستقلين تحت عنوان اختصاصيين لمعالجة الوضع الاقتصادي والمالي ودعوة الأجهزة الأمنية لعدم استخدام العنف مع المتظاهرين».
ووفق المطلعين فإن «هيل لن يعلن موقفاً من مشاركة حزب الله في الحكومة، بل سينقل رسالة بلاده من مشاركة الحزب إلى المسؤولين اللبنانيين، لا سيما في الحكومة»، إلا أن أوساط عين التينة لم تستبعد أن يطرح هيل ملف النفط مع بري على هامش المحادثات وتشير لـ»البناء» الى أن «هيل سيسمع الكلام نفسه من بري بألا تنازل عن ذرة نفط أو غاز مهما اشتدت الضغوط»، وتلفت الى «محاولات أميركية لاستخدام الشارع للضغط على لبنان والقرار الوطني فيه مقابل تنازلات سيادية».
وتشير مصادر متابعة لملف النفط وترسيم الحدود لـ»البناء» الى أن «الاسرائيلي يرفع سقف التفاوض عبر تمسكه بما يزعم أنها حصته في بلوك 9 أي 860 كلم مربع، لكنه يسعى الى إحياء اتفاق خط فيدريك هوف وحصته 360 كلم مربعاً، وتبين بحسب المعلومات من الدراسات التي أجرتها «إسرائيل» أن «كميات النفط والغاز متركزة في هذه البقعة، فيما اكتفى لبنان بإجراء مسح نظري دون دراسات جيولوجية لهذه المنطقة»، وتبين أن «الآثار السلبية لترسيم الحدود البحرية تمتد على طول الحدود المفترضة، لذلك يحاول الإسرائيلي الضغط لاقتناص الفرصة وحالة الفوضى والحاجة اللبنانية المالية والاقتصادية لدفع لبنان إلى تسوية ترسيم الحدود». وتضيف المصادر أن «الهدف الخفي لإسرائيل اضافة للحصول على النفط والغاز هو ربط نزاع مع لبنان وإخراجه من حالة المواجهة عبر خلق آليات تفاوضية لفكفكة ملفات عالقة أبعد من نزاعات حدودية تصل الى التطبيع». وتكشف المصادر عن مفاوضات بين الأميركيين وبعض جهات حكومية على نيل تلزيم شركات أميركية لأحد البلوكات في الشمال، وتضيف أن «الغضب الأميركي ازداد بعدما حصل كونسورتيوم «توتال ايني نوفاتيك» على رخصة الحفر في أول بئر استكشافي في البلوك رقم 4 المواجه لمنطقة البترون».