بعبدا ترجئ الاستشارات للخميس لمرة أخيرة بطلب من الحريري… وتردّ عليه توضيحاً للأسباب جعجع: ليس في الخارج مَن يربط الدعم بالحريري… ولا مانع من نواف سلام قبل زيارة هيل: تصويب على رئيس المجلس وتصعيد… والقومي مع برّي وضدّ الفوضى
كتب المحرّر السياسيّ
فجراً، حسمت القوات اللبنانية موقفها المفاجئ للرئيس سعد الحريري بعدم تسميته، رغم الوعد الذي تلقاه بأرجحية التسمية، والموقف المرجَأ للفجر ينتج عن إحدى حالتين، إما فرق التوقيت مع خارج تكون الساعة الواحدة فجراً عنده السادسة مساء، أو تباينات غير معهودة وفقاً لبنية القوات وطريقة أخذ القرار فيها، أو قرار بجعل الإعلان عن الموقف غير قابل للتفاوض مع الحريري، لكن الكلام الذي قاله رئيس حزب القوات لاحقاً في تفسير الموقف والحديث عن الكلفة العالية كشف المأزق الذي حاول جعجع إنكاره والذي نجح رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل بوضع القوات فيه، عبر ظهوره كزاهد بالحكم، وترك القوات إذا قامت بالتسمية ساعية للسلطة خلافاً للصورة التي استُثمرت ستين يوماً بمواقفها مع الحراك لتثبيتها. والأهم أن موقف جعجع عن الثمن المرتفع أظهر ربما نقاشاً مفصلاً وطويلاً في صفوف القوات لتجميع المعلومات والمعطيات وتقدير الموقف، لكن بقية كلام جعجع تكشف الاتصال بالخارج لاتخاذ القرار، بقوله إنه لم يسمع من أحد في الخارج ربطاً لدعم الحكومة المقبلة بتسمية الحريري على رأسها، مضيفاً أنّه لا يمانع بتسمية السفير السابق نواف سلام، الذي صار فجأة قاسماً مشتركاً بين القوات والكتائب والنائب ميشال معوّض، وربما يظهر آخرون لتسميته حتى الخميس، بعدما كان طرحه في التداول قد بدأ من عند الرئيس الحريري بما بدا رفع عتب تجاه صاحب التسمية الأصلي، وتمهيداً لعودة طرح اسم الحريري نفسه، كما ظهر من مناورات التسميات المتعددة، ووفقاً لمصادر متابعة، فالتسمية بدأت من عند السفير السابق جوني عبده بترشيحه للأميركيين، الذين يوفدون معاون وزير الخارجية ديفيد هيل إلى بيروت يوم الجمعة، ما جعل تحديد يوم الخميس موعداً للاستشارات النيابية من قبل قصر بعبدا، تعبيراً عن موقف سيادي يرفض فتح الباب للبازار الذي سيسعى لفتحه هيل مع زيارته.
في بعبدا، كان القرار بتحديد يوم الخميس كموعد أخير لتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة، ووضعت الكتل النيابية تحت ضغط اليومين الفاصلين عن الاستشارات لحسم خياراتها، والخيارات تضيق، حيث لم يعد وارداً توقع طرح اسم الرئيس الحريري مرة أخرى مع حسم القوات موقفها، إلا إذا تراجع الحريري عن شروطه المرفوضة من التيار الوطني الحر، ونجاحه بإحداث اختراق في العلاقة بالتيار. وهذا الأمر بات صعباً على التيار نفسه بعد موقفه الأخير برفض أي حكومة برئاسة الحريري ودعوته لحكومة تمثل الكتل النيابية باختصاصيين وبرئاسة غير الحريري، ما يفتح الباب لتسوية وحيدة ليست موافقة الحريري على السير بها أكيدة؛ وقوامها طرح اسم من المشهود لهم بالنزاهة لترؤس الحكومة، بينما بدا أن لا نية لدى فريق الغالبية بإعادة النظر بموقفه الرافض لتسمية مرشح دون التوافق مع الحريري، بينما أعادت بعض الأوساط الحديث عن فرضية اعتكاف الحريري وانسحابه من عملية الترشّح والتسمية معاً.
السؤال الذي يواجه الغالبية سيكون اليوم وغداً في حال عدم تقديم الحريري أي صيغة واقعية للسير بها، وتوسّع نطاق تسمية نواف سلام، هو كيفية التصرّف لعدم ترك ملعب التسمية فارغاً، خصوصاً أن التصعيد بالضغوط بدأت معالمه مع حملة مبرمجة استهدفت رئيس مجلس النواب قبيل حلول موعد زيارة المبعوث الأميركي ديفيد هيل، الذي كانت رغبته بإرجاء الاستشارات إلى الإثنين لمحاولة ضمان فرص أفضل لتسمية نواف سلام، والذي يحمل ملفات بحجم طلب التنازلات اللبنانية في ملف النفط والغاز وترسيم الحدود البحرية، والسعي لتسوية وضع العميل عامر الفاخوري المعروف بجزار الخيام تنتهي بترحيله إلى أميركا التي يحمل جنسيتها. وترافقت الحملة التي استهدفت بري مع الشتائم والاستفزازات، وانتهت بحال من الفوضى لليوم الثالث في منطقة وسط العاصمة، وكانت بيانات ومواقف تضامنية مع بري، ومندّدة بالفوضى، وكان للحزب السوري القومي الاجتماعي بيان يدعو الأجهزة الأمنيّة والعسكرية لمنع جرّ البلاد للفوضى، واتصال أجراه رئيس المجلس الأعلى في الحزب أسعد حردان برئيس المجلس النيابي ناقلاً تضامن الحزب معه وتنديده بالحملة التي تستهدفه، وبالسعي المحموم المشبوه لإدخال البلد في الفوضى.
أكد الحزب السوري القومي الاجتماعي أن ما حصل خلال اليومين الماضيين من شتائم غير مسبوقة استهدفت رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه بري، والاعتداءات على القوى العسكرية والأمنية والأملاك العامة والخاصة، إنما تشكل اعتداءً آثماً يستهدف استقرار البلد وسلمه الأهلي ومحاولة لزرع الفتنة ونشر الفوضى.
وأكد الحزب في بيان أن التعرّض للرئيس بري، هو تعرّض للحوار وللوحدة وللاستقرار؛ ودعا إلى أن تتحمّل كل القوى وكل المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية مسؤولياتها، لتفويت الفرصة على أعداء لبنان واللبنانيين، كما دعا إلى إجراء التحقيقات لكشف مَن يقف وراء المجموعات التي تطلق الشتائم الفتنوية وتعتدي على الكرامات وعلى القوى العسكرية والأمنية وتدمر الأملاك الخاصة والعامة، وذلك من أجل وضع حد لكل المحاولات التي تستهدف استقرار البلد.
كما أجرى رئيس المجلس الأعلى في الحزب النائب أسعد حردان اتصالاً بالرئيس بري، مستنكراً التعرّض له، ومشيداً بحكمته ومواقفه ومعوّلاً على استمراره في قيادة الحوار لوأد الفتن وتحصين لبنان.
وفي غضون ذلك، سجل الشارع هدوءاً حذراً يوم أمس، بعد مواجهات عنيفة في وسط بيروت نهاية عطلة الأسبوع، وذلك بعدما قرّرت رئاسة الجمهورية تأجيل موعد الاستشارات بناء على اتصالين تلقاهما الرئيس ميشال عون من رئيسي المجلس النيابي وحكومة تصريف الأعمال لتأجيلها لمزيد من المشاورات والاتصالات.
الا أن الحريري بحسب المعلومات طلب تأجيل الاستشارات لأسبوع أي إلى الاثنين المقبل، لأن عون رفض ذلك مانحاً الحريري الفرصة الأخيرة حتى يوم الخميس كحد أقصى، لكن الحريري حاول التنصل من مسؤولية إرجاء الاستشارات، ملقياً المسؤولية على التيار الوطني الحر مدعياً في بيان من مكتبه الإعلامي بأن كتلة التيار النيابية كانت بصدد إيداع أصواتها رئيس الجمهورية ليتصرف بها كما يشاء. واصفاً ذلك بأنه تكرار الخرق الدستوري الذي سبق أن واجهه الرئيس رفيق الحريري في عهد الرئيس اميل لحود، وللتأكيد أن الرئيس الحريري لا يمكن أن يغطي مثل هذه المخالفة الدستورية الجسيمة أياً كانت وجهة استعمالها، في تسمية أي رئيس مكلف”.
ورد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية في بيان بأن «الحديث عن إيداع اصوات «كتلة التيار الوطني الحر» فخامة رئيس الجمهورية، هو محض اختلاق واستباق للاستشارات النيابية الملزمة التي كان ينوي رئيس الجمهورية إجراءها اليوم، وبالتالي فإن التذرع به للتمني على رئيس الجمهورية تأجيلها، هو حكم على النوايا لا يصح في العمل السياسي السليم، ومحاولة مكشوفة لتبرير هذا التمني وتجاهل اسباب أخرى له». واعتبر مستشار رئيس الجمهورية للشؤون السياسية بيار رفول أن الحريري «يضع شروطاً على لبنان وعلى الشعب اللبناني كله»، مؤكداً أن «الاستشارات النيابية لن تتأجل بعد الخميس». وقال: «يبدو أن الحريري مرفوض داخلياً وخارجياً وعليه ان يعرف السبب». أضاف «أن الحديث عن خرق دستوري مردود لمطلقيه، الذين كان يجدر بهم معرفة القواعد الدستورية والإقلاع عن الممارسات التي تتناقض ونص الدستور وروحه».
إلا أن تصريح الرئيس نجيب ميقاتي يؤكد بما لا يرقى للشك بأن الحريري هو المسؤول عن تأجيل الاستشارات وليس أي سبب آخر، وقال ميقاتي في حديث للـ»ال بي سي»: «مبررات الحريري غير مقبولة والرئيس عون لديه واجبات دستورية وما يحصل مرفوض على كل الأصعدة».
بيان بيت الوسط أُتبع ببيان طويل لـ»المستقبل» اعتبر فيه أن «رئاسة الحكومة ليست رهينة عند أحد مهما علا كعبه». فردّ التيار الوطني الحر بالقول: «مرّة جديدة نحرص على التعالي فوق السجالات حرصاً على الوطن وإنقاذه من الكارثة التي يعيشها بسبب السياسات المعتمدة منذ 30 سنة»، إلا أن اللافت أنه وبعد حرب البيانات بين بعبدا ميرنا الشالوحي – بيت الوسط، سربت أوساط بيت الوسط بأن الحريري قد يقدم على الاعتذار وترك أمر البحث عن شخص غيره للأطراف الأخرى اذا ما استمر إقفال الأبواب في وجهه.
وتجمع عشرات المتظاهرين في محيط «بيت الوسط»، رفضاً لإعادة تكليف الحريري وشدّد بعض المشاركين على أن «الاعتراض ليس على شخصه بل لوجود فاسدين من فريقه»، وطالبوه بـ»كشف هؤلاء الفاسدين ومحاسبتهم».
ودعا النائب فؤاد مخزومي في حديث للـ»أو تي في» الحريري الى ألا يربط كل شيء به على قاعدة «يا أنا يا أنا».ودعت مصادر 8 آذار الى ترقب زيارة المسؤول الأميركي دافيد هيل الى لبنان وما سيحمله من تعليمات من إدارته الى فريق 14 آذار، وتحديداً الى الحريري ورئيس القوات سمير جعجع، مشيرة لـ»البناء» إلى أن «رهان الحريري على ضغط أميركي على القوات للسير بتسميته في الاستشارات المقبلة»، وتخوفت من مناورات الحريري لتضييع الوقت ودفع لبنان الى الفوضى والفراغ الشامل تنفيذاً لأوامر خارجية أميركية.