ما بعد التصويت التاريخي لمحاكمته.. ترامب بين العزل والتغاضي
تقرير اخباري
أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب جدلاً واسعاً، إذ رجح لنائبة ديمقراطية صوتت لصالح عزله أول أمس أن يكون مثوى زوجها الراحل تحت الأرض، لا في السماء.
وأعرب ترامب في كلمة ألقاها الليلة الماضية في ميشيغان أمام حشد من مؤيديه عقب تصويت مجلس النواب لصالح عزله، عن خيبة أمله إزاء تصويت النائبة ديبي دينغل ضده، على الرغم من المراسم التذكارية «من الدرجة الأولى» التي أقامها لزوجها الراحل، المشرع الديمقراطي المخضرم جون دينغل الذي توفي في فبراير الماضي عن عمر ناهز 93 عاماً.
وذكر ترامب أن النائبة دينغل اتصلت به في شباط وأعربت عن امتنانها على المراسم المقامة لزوجها، وهو من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية.
ونقل ترامب عن ديبي دينغل قولها في تلك المكالمة إن زوجها الراحل «ينظر من الأعلى»…! وتابع ترامب: «لكن ربما ينظر من الأسفل… لا أعرف».
وسرعان ما حاول الرئيس التخفيف من حدّة نبرته قائلاً: «دعونا نرجح أنه ينظر من الأعلى»، لكن ذلك لم يساعده في تفادي موجة الانتقادات الجديدة من قبل معارضيه.
وأعربت دينغل عن استيائها إزاء تصريحات ترامب، مشددة على أن زوجها استحق كل المراسم التي أقيمت له، وأشارت إلى أن الرئيس أهانها «بقدر لا يستطيع تصوره».
ونفت مهاتفتها ترامب، مشددة على أن الأخير هو مَن اتصل بها.
وصوّت مجلس النواب الأميركي في جلسة تاريخية على محاكمة الرئيس دونالد ترامب برلمانياً، بتهمتي إساءة استخدام السلطة، وعرقلة عمل الكونغرس.
وبدأ مجلس النواب أول أمس، جلسة استمرّت ساعات عديدة وبأغلبية 230 صوتاً مقابل 197 وامتناع نائب واحد عن التصويت، وافق المجلس الذي يهيمن عليه الديموقراطيون على توجيه تهمة استغلال السلطة إلى الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
وقد أحال مجلس النواب بذلك، ترامب إلى المحاكمة أمام مجلس الشيوخ بتهمتي استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، ليصبح بذلك ثالث رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه إجراءً رسمياً لعزله.
وقد سارع الرئيس الجمهوري الذي يبلغ من العمر 73 عاماً إلى التنديد بالتصويت التاريخي الذي جرى ضدّه في مجلس النواب، متّهماً خصومه الديموقراطيين الذين يسيطرون على المجلس بأنّهم مدفوعون بـ»الحسد والحقد والغضب» و»يحاولون إبطال تصويت عشرات ملايين الأميركيين» الذين انتخبوه رئيساً في 2016.
وسيباشر مجلس الشيوخ، محاكمة ترامب في كانون الثاني/يناير على الأرجح.
غير أنّه خلافاً لمجلس النواب فإنّ مجلس الشيوخ يهيمن عليه الجمهوريون بأغلبية 53 سناتوراً مقابل 47 وقد سبق لهؤلاء أن أكّدوا أنّهم يعتزمون تبرئة ترامب من هاتين التهمتين.
لكن مع ذلك يبقى التصويت الذي حصل في مجلس النواب تاريخياً، إذ إنّه في تاريخ الولايات المتحدة بأسره لم يُحلْ إلاّ رئيسان للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ، هما آندرو جونسون في 1868 وبيل كلينتون في 1998، وقد برّئ كلاهما في مجلس الشيوخ.
أما ريتشارد نيكسون، فاستقال في 1974 قبل أن يصوّت مجلس النواب على إحالته إلى المحاكمة على خلفية فضيحة ووترغيت.
وللمفارقة فإنّه في الوقت الذي كان مجلس النواب يصوّت فيه على اتهام ترامب كان الملياردير الجمهوري يلقي على بعد ألف كيلومتر من واشنطن خطاباً أمام حشد من أنصاره في تجمّع انتخابي في مدينة باتل كريك بولاية ميشيغان.
وسارع ترامب إلى التنديد بقرار مجلس النواب قائلاً «بينما نحن نخلق الوظائف ونقاتل من أجل ميشيغان، فإنّ اليسار الراديكالي في الكونغرس ينهشه الحسد والحقد والغضب، وأنتم ترون ما يجري الآن».
وأضاف أنّ «الديموقراطيين يحاولون إبطال تصويت عشرات ملايين الأميركيين» الذين انتخبوه رئيساً في 2016، متّهماً خصومه بأنّهم أقدموا لتوّهم على عملية «انتحار سياسيّ».
وأتى القرار التاريخي لمجلس النواب قبل أقلّ من عام من الانتخابات الرئاسية المقرّرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 والتي يعتزم ترامب خوضها للفوز بولاية ثانية.
وباستثناء عدد ضئيل للغاية فقد صوّت معظم النواب الديموقراطيين لصالح القرار الاتهامي ومعظم النواب الجمهوريين ضدّه، في حين شهدت الجلسة التي جرى في نهايتها التصويت واستمرّت ساعات طويلة تبادل اتهامات بين الحزبين.
وقالت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي عند بدء الجلسة إنّه «من المأساويّ أن تصرفات الرئيس الطائشة جعلت من الضروري البدء بإجراءات العزل»، مضيفة «ما نناقشه اليوم هو الحقيقة الراسخة بأنّ الرئيس انتهك الدستور. ومن المؤكد كحقيقة أنّ الرئيس يمثل تهديداً مستمراً لأمننا القومي ونزاهة انتخاباتنا».
ونفى النائب الجمهوري داغ كولينز ذلك وقال «الرئيس لم يرتكب خطأ»، مؤكّداً أنّ الديموقراطيين «قالوا لأنفسهم، إذا لم نستطع هزيمته (في الانتخابات) فدعونا نحاكمه لعزله.. الأميركيون سيرون ذلك بوضوح».
أما ديبي ليسكو الجمهورية من أريزونا، فقالت إن ترامب يتعرّض «لعملية هي الأكثر ظلماً وتحيّزاً سياسياً شاهدتها في حياتي».
وأضافت «لا يوجد أي دليل على أنّ الرئيس ارتكب مخالفة توجب العزل… هذه عملية عزل هي الأكثر حزبية في تاريخ الولايات المتحدة».
وقال النائب الجمهوري باري لودرميلك إن الرئيس الأميركي عومل أسوأ مما عومل يسوع المسيح قبل صلبه، الأمر الذي تسبّب بجدل على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضاف لودرميلك، النائب عن ولاية جورجيا المحافظة التي تنتمي إلى ما يُسمّى بولايات حزام الإنجيل «أريدكم أن تضعوا هذا في ذهنكم: عندما اتُّهم يسوع زوراً بالخيانة، أعطى بيلاطس البنطي يسوع الفرصة ليواجه متّهميه».
وأضاف «خلال تلك المحاكمة الصورية وفّر بيلاطس البنطي حقوقاً ليسوع أكثر ممّا وفّره الديموقراطيون للرئيس ولهذه العملية».
وردّ النائب الديموقراطي جيري نادلر بالقول إنّ ترامب «أُعطي الفرصة ليأتي ويشهد أمام لجنة العدل (…) لكنّه رفض».
وسرعان ما تصدّر وسم «ترامب تو جيسوس» موقع تويتر، لكن لودرميلك لم يكن النائب الوحيد الذي أشار إلى صلب يسوع خلال جلسة الأربعاء.
فقد اقتبس النائب الجمهوري فريد كيلر من بنسلفانيا آخر كلمات ليسوع على الصليب وهي «يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون»، في إشارة إلى زملائه الذين قرّروا التصويت ضدّ الرئيس.
وقال القسّيس والكاتب الأميركي جيمس مارتن على تويتر إنّ «المقارنة بين الطريقة التي عومل بها الرئيس وما عاناه يسوع أمر عبثي، وأيضاً واحد منهما فقط هو بلا خطيئة».
من ناحيته قال النائب الديموقراطي آدم شيف، الذي أشرف على التحقيق، إنّ الملياردير الجمهوري «كان مستعدّاً للتضحية بأمننا القومي (…) في سبيل تعزيز فرصه في إعادة انتخابه»، واتّهم الرئيس بأنّه «حاول أن يغشّ وافتضح أمره»، مؤكّداً أنّ «الخطر ما زال قائماً».
وكان ترامب استبق الجلسة بالتأكيد على أنّه لم يرتكب «أي خطأ»، وذلك غداة توجيهه رسالة إلى بيلوسي شبّه فيها إجراءات العزل بـ»محاولة انقلاب».
وقال الرئيس في تغريدة على تويتر «هل يمكنكم تصديق أنّه سيتم إطلاق إجراءات عزلي اليوم من قبل اليسار الراديكالي، (من قبل) الديموقراطيين الذين لا يقومون بشيء، بينما لم أرتكب أي خطأ! إنه أمر فظيع»، مضيفاً «يجب أن لا يحصل هذا الأمر مع أي رئيس آخر».
والثلاثاء قال ترامب في رسالة استثنائية من ستّ صفحات مخاطباً رئيسة مجلس النواب إن «التاريخ سيحكم عليك بشكل قاس»، متّهماً الزعيمة الديموقراطية المخضرمة بـ»انتهاك ولائها للدستور» وإعلان «حرب مفتوحة ضد الديموقراطية الأميركية».
وردّت بيلوسي على ترامب بالقول إنّ رسالته «مريضة حقًاً».
والاستقطاب الحادّ بين الحزبين في مجلس النواب انعكس في استطلاعات الرأي التي جرت أخيراً.
وقال 50 في المئة ممن شملهم استطلاع للرأي أجرته شبكة «فوكس نيوز» إنّهم يؤيّدون عزل ترامب من منصبه، في حين أبدى 41 في المئة رفضهم لعزله.
وفي استطلاع آخر أجرته شبكة «سي إن إن» قال 45 في المئة ممن شاركوا فيه إنّهم يؤيّدون عزل الرئيس بينما قال 47 في المئة إنهم يرفضون ذلك.
وفي استطلاع ثالث أجرته شبكة «أن بي سي» وصحيفة «وول ستريت جورنال» أتت النتيجة متساوية بين 48% يؤيدون عزله و48% يعارضونه.
وسجّلت تظاهرات مؤيّدة لعزل ترامب في مدن عدة بينها نيويورك وبوسطن ونيو أورلينز ولوس أنجليس.
بالمقابل اعتبر أنصار لترامب في باتل كريك إن ما يتعرّض له الرئيس ظلم. وقالت إحدى مؤيّدات ترامب وتدعى ويندي تيمرمان «هناك رجل بريء يُحاكم على كمّ من الهراء»، في حين قال مؤيد آخر يُدعى جو بونتراغر «ليس لديّ أدنى شك: هذه عملية احتيال!».
وبدأت القضية بعد تسريب ألقى الضوء على اتصال هاتفي في تموز الماضي، ضغط فيه ترامب على الرئيس الأوكراني فولودمير زيلينسكي للتحقيق مع بايدن، بعدها تحرّك النواب الديمقراطيون بسرعة لسماع شهادات من مسؤولين سابقين وحاليين بالإدارة.ويتّهم الديمقراطيون ترامب بتجميد مساعدات أمنية بقيمة نحو 400 مليون دولار لأوكرانيا وعرض على زيلينسكي عقد اجتماع في البيت الأبيض لحمله على أن يعلن التحقيق مع بايدن وابنه هنتر الذي كان عضواً في مجلس إدارة شركة غاز أوكرانيّة.