صفعة قويّة تلقتها أجهزة مخابرات الاحتلال في إحدى العمليات الأمنية الأكثر تعقيدًا وفضح عجزها في قطاع غزة «سراب» كشف صراع الأدمغة بين «القسام» وأجهزة مخابرات العدو الصهيوني
شكَّل فيلم «سراب» الذي بُث عبر قناة «الميادين» الفضائية الليلة قبل الماضية، وتضمّن تسجيلات ومشاهد حول إدارة طاقم أمني من كتائب القسام لمصدر مزدوج (عميل مزدوج)، صفعة قوية لأجهزة مخابرات الاحتلال، وفضح فشلها الذريع في قطاع غزة، بحسب ما يرى خبيران في الشأن الأمني والدعائي.
ويعتبر أن كشف كتائب القسام عن تفاصيل إحدى العمليات الأمنية الأكثر تعقيدًا في صراع الأدمغة بين المقاومة الفلسطينية وأجهزة مخابرات الاحتلال الصهيوني والتي دارت بين عامي 2016 و2018، ضربة وجهت من خلالها رسائل عدة.
واعتبر الخبير الأمني محمد أبو هربيد، أن هناك حالة من الجرأة والشجاعة لدى المقاومة الفلسطينية في التعامل مع هذا الملف، مشيرًا إلى أن هناك تجارب قديمة وتمّت المراكمة عليها، واليوم أصبحت هناك مأسسة لهذا العمل، وأصبح لدينا ضباط تشغيل لدى المقاومة لإدارة عمل المزدوجين، كما عرض الفيلم.
وأضاف أن الفيلم يوثّق أن حالة انتصار المقاومة على الاحتلال في البعد الميداني والعسكري، ترتب عليها نجاحات في صراعات الأدمغة والحرب الأمنية، وتمكن المقاومة من الحصول على معلومات من داخل عقول رجال المخابرات الصهيونية، وماذا يفكرون لغزة وما توجهاتهم المستقبلية ونوعيّة المعلومات التي يطلبونها، وكيف يديرون عملاءهم على الأرض.
الاستخبارات الإيجابية
هذه المرحلة، بحسب ما عرضها الفيلم يعني أننا دخلنا في مرحلة الاستخبارات الإيجابية الهجومية، وتعني أن تلعب في عقل العدو وتنجح في تضليله وتعمل على ساحته وأرضه. وهذا الأمر لم يكن متوفراً بالقدر الكبير في المرحلة السابقة، لولا المراكمات والاحتكاكات المباشرة والرؤية والإرادة. يقول أبو هربيد.
ويرى الخبير الأمني أن من أبرز الرسائل التي وجهها الفيلم، كانت للعدو، وهي أن كل أفعالك وأنشطتك مكشوفة، ومسيطر عليها من قبل رجال الاستخبارات الفلسطينية. والرسالة الثانية للعملاء وهي أن ضباط المخابرات ومشغليهم ليسوا خارقين، بل يمكن هزيمتهم وخداعهم والسيطرة عليهم وتضليلهم، وفي ذلك طمأنة للعملاء أنه يمكنهم العودة إلى أحضان شعبهم والانخراط للعمل في صفوف المقاومة كمصدر مزدوج ولكن في إطار مؤسسي ومنظومة أمنية.
ويضيف أن الفيلم حمل رسالة للمجتمع الفلسطيني ليثق بأن المقاومة الفلسطينية قادرة على إدارة هذا الملف، ورسالة أخرى للحلفاء أن المقاومة ليست عبثية وعلى قدر من الاحترام والتقدير وصاحبة خبرة. فالفيلم عبارة عن رسالة أو مادة توعوية أو تثقيفية لتبادل الخبرات.
رسالة مُضمَرة
بدوره، يقول الباحث في قضايا الإعلام السياسي والدعاية حيدر المصدر، إن ما يقدّمه الكشف الأمني في الفيلم من معطيات صريحة، يدلل على الجرأة الاستثنائية في اتخاذ مبادرة هجومية عكسية.
ويضيف «أن تطيح بالمصدر، ثم تعيد تأهيله نفسيًا، وصولاً إلى استيعابه تنفيذيًا، يعني تغيّر في المزاج على مستوى التكتيك، وتحلل من إرث المقصلة التقليدي، واستدعاء لأنماط مراوغة جديدة، سترهق بالتأكيد خصماً كان يظن حتى فترة قريبة أنه متفوق تمامًا».
«هذه ضربة تتجاوز فهمنا السائد هي لكمة للمشغل ومن يفوقه رتبة، رصاصة في قلب نمط تشغيلي ساد لسنوات، أو لعلها رسالة مضمَرة بأن المثال المعروض لا يهيمن بمفرده على المشهد، وأن أمثلة عديدة لا نعلمها تنتظر دورها للانكشاف على الشاشة»، بحسب المختص المصدر.
ويبين المصدر أن من بين الرسائل الظاهرة أنه يأتي ضمن سلسلة رفع الروح المعنوية للجمهور الفلسطيني الداخلي، وإثبات قدرة كتائب القسام في المواجهة الاستخبارية، لا سيما أن الفترة السابقة شهدت حملة مجتمعية «خليك صاحي»، والفيلم يؤدي دوراً توعوياً في السياق الأمني ومكافحة التجنيد.
مشكلة التوظيف البشري والتقني
ويشير إلى أن الفيلم بيّن كيف من الممكن عكس عملية التجنيد من حالتها السلبية إلى حالة إيجابية، مشيراً إلى أن الاحتلال يواجه مشكلة في عملية التجنيد، والمقاومة تستغل هذا الأمر في اتجاه ترسيخ عدم قدرته، من خلال حملات مجتمعية أو دعائية مثل فيلم سراب.
ويلفت المصدر إلى أن تفاعل الجمهور الفلسطيني مع الفيلم كان واضحاً وكبيراً. وهذا يدل على أنه حقق أهدافه تجاه هذا الجمهور.أما الرسالة الثانية الظاهرة، بحسب المصدر، فهي موجهة إلى القيادة الصهيونية والأمنية بالتحديد، بأن هناك حالة فشل في التشغيل الاستخباري الميداني، على صعيد العنصر البشري في قطاع غزة، وفشل أيضاً في التوظيف التقني التي كشفته عملية حد السيف في المجال نفسه.