«القومي» وأهالي عينطورة والمتن الشمالي شيّعوا المناضل جوزف عازار أبي حيدر: مستمرون في مسيرة النهضة مع أمثاله من ذوي النفوس العظيمة
شيّعت مديرية عينطورة التابعة لمنفذية المتن الشمالي في الحزب السوري القومي الاجتماعي المناضل القومي جوزف أسعد عازار في مأتم مهيب في البلدة حضره عضو المجلس الأعلى نجيب خنيصر، ناموس الرئاسة رندا بعقليني، منفذ عام المتن الشمالي سمعان الخراط وأعضاء هيئة المنفذية، وحشد من القوميين والأصدقاء والمواطنين من مختلف قرى وبلدات المتن الشمالي.
كلمة المنفذية
وألقى ناظر الإذاعة في منفذية المتن الشمالي وسام ابي حيدر كلمة تأبينية جاء فيها:
نلتقي اليوم في حفل تأبين رفيقنا الراحل جوزف عازار، ونقف بصدق أمام صفحات مشرقة من تاريخنا القومي في بلدة الشهداء ومقلع القوميّين ومنبت الأبطال.
نجتمع لوداع رجل مشى الحياة مطمئناً، متزن الخطوات، ظفر بمعرفة هدفه، وآمن بالذي هو اليه سائرٌ.
رجل أقبل الى نور النهضة وعاش في دفئها في عظمة الانتماء في الحب والاحترام والثقة والجد. رفع يمناه قائمة من أجل حياة سورية وجسّد وقفة العز على مرّ السنين من خلال عمله وتقديماته ومواقفه، ولعلّ هذا ما يخفف اليوم بعضاً من حزننا في يوم الوفاء لأصحاب التاريخ النضالي.
فالموت وانْ كان حقيقة قاسية غير انّ البعض يرتشفها بخوف راضياً في حياته بعيش ذليل، فيما يقبل إليها ذوو النفوس العظيمة دون وجل غير قانعين إلا بحياة الحرية والكرامة ووقفات العز،
فالأشجار تموت واقفة والرجال – أبناء الحياة – الأفذاذ يموتون واقفين ايضاً، لأنهم يرفضون الموت على فراش، والرفيق جوزف رفض مواجهة المرض والموت إلا واقفاً وقابضاً على مبادئه كالقابض على الجمر.
الوطن اليوم بأمسّ الحاجة الى الرجال الشجعان الأصيلين من طينة الرفيق جوزف عازار، خاصة في ظلّ ما نمرّ به من ظروف استثنائية وأوضاع صعبة على مختلف الصعد والمجالات نراها نتلمّسها ونشعر بها كحزب حامل لهموم الناس ومتنكّباً للمسؤوليات الوطنية الكبرى.
ولطالما حذرنا من الوصول الى هذه المرحلة في ظلّ هذا النظام السياسي الطائفي الذي يفرّق الشعب مللاً ومذاهب وأعراقاً، ويطمس الهوية الوطنية لصالح الهويات الجزئية الضيقة، كما حذرنا من هذا النظام الاقتصادي الريعي الذي أفقر شعبنا في أرض بلادنا منبت الخصب والرزق وحوّلنا الى مجرد مستهلكين لمنتجات تستورد من مشارق الأرض ومغاربها.
فأمام ما يرزح ويئنّ تحت وطأته مجتمعنا من أزمات سياسية ومعيشية وأمراض اجتماعية وعلل أخلاقية لم يعد ينفعنا سوى الاستئصال – استئصال هذه الأمراض المتجذرة الخبيثة وقلعها من جذورها مهما سبّبت لنا من أوجاع.
فساعة استئصالها هي ساعة مهولة بأوجاعها ولكنها ستكون ساعة مباركة، ستعيد الى حياتنا الحياة العزيزة الكريمة وتنتشلنا من مصير قاتم نحن سائرون اليه.
في العقيدة الإيمانية المسيحية انتصر السيد المسيح على الموت بالفداء والقيامة، وانّ قيامة مجتمعنا وأمتنا لن تكون إلا بالانعتاق من المفاهيم البالية والإقبال الى العقيدة التي وضعها سعاده المعلم.
فهنا نحن في وداع أحد المناضلين من أبناء النهضة، نؤكد أننا مستمرون مع ذوي النفوس العظيمة وكلّ من هم متواجدون بيننا، ولن نرضى قبر التاريخ مكاناً لنا تحت الشمس، فإيماننا ساطع انّ الأجيال الجديدة ستعيد لأمتنا حياتها وعزها ومجدها.
وختم بالقول: بإسم منفذية المتن الشمالي نتقدّم بالتعازي الحارة لعائلة الفقيد وأنسبائه… فلكم الصبر والبقاء للأمة.
كلمة الأهل والمديرية
وألقى مذيع مديرية عينطورة كلمة الأهل وكلمة المديرية جاء فيها:
من حتميّات الموت الذي لا مفرّ منه، أن تتخلّله تلك الكلمات التي لو استطعنا، لفررْنا منها. والرثاء، في طبعه، غالباً ما يكون بعيداً عن الحقيقة، لأنّ حرمة الموت كفيلةٌ بأن تنسب للفقيد مجاملاتٍ أكثر ممّا ينبغي. طبعاً، لسنا بوارد أن نقيّم من أخذ أكثر أو أقلّ من حقّه. ولكنّني على يقين بأنّ الرجل الذي نحيّيه اليوم – لا نرثيه – بل نحيّيه، لم يأخذ حقّه على الإطلاق.
لا أدري لماذا أستذكر الراحلين في مواقفهم الفكاهية بدلاً من استذكارهم بالمواقف العظيمة. لربّما لأنّ التفاصيل الصغيرة التي لا نعيرها اهتماماً عميقاً، هي التي تدلي بالشهادة الحقّة في شخصية الفقيد. على سبيل المثال. من عاداتنا، حين نمدح بشخص، أن نلقّبه بالملك. جوزيف أسعد عازار، عكس بعض الناس الذين كلّما ارتقوا كلّما ازدادت حاجتهم لسماع كلمة برافو، هو كان يأخذ هذا الدعابة على محمل الجدّ. فلو قلنا له: ملك أنت يا أبو أسعد، حتّى يجاوب بسرعة: لا أبداً. أنا لست ملكاً. أنا لا أطيق البورجوازية والأرستقراطية. أنا رجلٌ من عامّة الشعب.
أليس هذا درساً في الأخلاق والتواضع؟ التواضع صفة نفتقدها أكثر ممّا نتصوّر، صفة يجب أن يتحلّى بها أيّ قومي اجتماعي في الصميم. ألم يقل سعاده إنه يتوجّب على كلّ فرد منّا أن يحسب نفسه صغيراً أمام الأمّة والمجتمع؟
وحين هممنا لتكريمه، ألم ينتفض قائلاً أنا لا أريد أن أكرّم. أنا فعلت ما يمليه عليّ الوجدان القومي، الشعور بحاجات مجتمعي. والرفيق جوزيف كان من أوائل الذين اعتنقوا العقيدة هنا، حيث أقسم اليمين سنة 1953.
في الأيّام القليلة السابقة، سمعت اكثر من مرة عبارة “أبو أسعد تاريخ”. وقد يبرّر هذا التصريح المحقّ بالقول إنّه خدم الضيعة. أعترض على هذا التبرير من دون شكّ في حسن نيّة قائليه. إنّما جوزيف أسعد لم يكن إنساناً خدماتياً. فمهما لطّفنا الواقع، الخدمة يقابلها مردود، عاجلا أم آجلاً. والخدمة مداها مؤقّت. جوزيف اسعد عازار كان إنساناً نهضويّاً وليس خدماتياً. نهض وانتشلنا من قبضة الرجعيّة. فالقومية الاجتماعية ليست عملية تجميل، ليست ترقيعاً لكي تبدو الامور أحلى وأظرف. ليست إعادة ترتيب للواقع الاجتماعي بـ “التي هي أحسن”. هي عمليّة انقلاب على آفّات المجتمع.
وما كانت أفعال الرفيق جوزيف إلا عمليات انقلاب. واجه الأميّة والجهل بفتح مدرسة من رصيده الشخصي، وهو لم يكن يمتلك بيتاً. كان يحلو له ان يردّد للشباب والصبايا: اذا تعلّمتوا، صرتوا مسلّحين. صارع التدخين والمخدّرات والقمار بتنشيط الرياضة، فأسّس نادي المشعل مع الأمين نسيب، ونادي البراعم. حارب البطالة والفقر بتأمين فرص العمل في المغترب.
كلّ بناءٍ يقابله تحطيمٌ. وأغلب الذين تيسّرت أمورهم فحلّقوا، طحنوا بطموحهم أجنحة غيرهم. جوزيف أسعد عازار رجل نادرٌ لأنّه ارتقى دون أن يشيّد بناءه على أنقاض غيره. من كرّس مبدأ بأنّه ليس شرطاً للتضحية أن يكون للفرد مصلحة شخصية أكثر من جوزيف أسعد عازار؟ العطاء دون مقابل مرادف للفداء.
آنذاك، هرعت السلطة الى حضنه متوسّلةً، فرفض كراسيها. أبقي أحدٌ لم يحاربه؟ الزعامات السياسية. الإقطاعيون. رجال الدين. الزعامات العائلية. جميعهم أرادوا الانتصار عليه، فيما أراد هو الانتصار بهم. أساؤوا فهمه، لكنّه عمل للحياة ولم يتخلّ عنها. واليوم، العديد ينعمون بفضله وهم لا يدرون.
رفيق جوزيف… ما أكثر الذين يتباهون بما لا يستحقّ التقدير، ويتبجّحون بما لا يستدعي مجرّد الملاحظة، مقتنعين بأنّ المجتمع مدينٌ لهم إلى أبد الآبدين. كيفما التفتنا، تتعثّر نظراتنا بصورٍ وتماثيلٍ في شوارعٍ منسوبةٍ لمن لا فضل لهم على الإطلاق. أمّا أنت، فمن طينةٍ أخرى. أنت من الذين شقّوا بكدْحٍ صامتٍ طريق الخلاص للمجتمع، ولم تكترثْ يوماً لحاشيات الأزلام والتصفيقات أو شهادات التقدير.
ولا يوهمنّ أحدٌ نفسه. لا يمكن لشخص أن يجاهد ويبذل إلّا وتمتحن عائلته في حلبة الصراع. وذلك لأنّ هذا النوع من العطاء يؤخذ من رصيد العائلة التي هي المعاني الأول. لولا وقوف زوجته وأولاده جنبه وتحلّيهم بالصبر والثبات، لما تمكّن أبو اسعد من المضيّ نحو الأمام.
رفيق شهداء عينطورة، سنفتقدك. نتقدّم بأحرّ التعازي للسيدة منى التي واكبت مسيرتك، ومن أولادك الأعزّاء أسعد ونتالي وماريان وزينة. ماذا يسعنا أن نقول الّا انّنا مدينون لك.
شكراً على ما فعلته، وشكراً أيضاً، على ما حاولت أن تفعل. والبقاء للأمّة.إشارة الى انّ مديرية عينطورة كانت في صيف 2018 قد كرّمت الرفيق جوزف أسعد عازار الذي اقسم اليمين في العام 1953 وذلك على تقديماته وعمله الحزبي سواء في الوطن او في مغتربه الأفريقي حيث بقي ثابتاً على قسمه حتى مماته بعد ان جاوز التسعين من العمر.