هل تمرّد الحريري على حلفائه وعلى نفسه؟ دياب أمام عقدتي التأليف والشارع… وحكومة تكنوسياسية من 18 وزيراً
محمد حمية
لم يخلُ مشهد الاستشارات النيابية في قصر بعبدا، من الإشارات والرسائل السياسية على الخطوط كافة، فضلاً عن المفاجآت والحيوية والتشويق، رغم أن تكليف المهندس حسان دياب كان محسوماً ليل أمس الأول بعد تبنيه من الأكثرية النيابية وعدم ممانعة حريريّة.
وأعاد استحقاق التكليف تظهير صورة الدولة والمؤسسات الدستورية بعد محاولات بعض الجهات الداخلية والخارجية الاحتكام الى الشوارع والأزقة بتحديد مسار البلاد ومصيرها. فقد سارت وقائع الاستشارات وفق المرسوم وبروتوكولات القصر، فموقف الرئيس سعد الحريري في البداية حدّد وجهة التكليف.
وإذ أشّر موقف الحريري الذي افتتح يوم الاستشارات الطويل بلقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون معطوفاً على موقف كتلة المستقبل، بأنه غير ممانع لتسمية حسان دياب لا بل إن التسمية حصلت بعلمه وبالتشاور معه، بحسب ما قالت مصادر عليمة لـ “البناء” والتي أشارت الى أنه “عندما رفض الحريري طلب الخليلين تسمية بديل عنه، اكتفيا بموقف بعدم الممانعة لاسم حسان دياب”.
لكن غياب النائب بهية الحريري عن عداد “الكتلة الزرقاء” شكل رسالة سلبية باتجاه بعبدا ومؤشراً على امتعاض عمة “العائلة” من تكليف دياب ومن مسار تعامل فريق الرئاسة الأولى مع ملف الاستشارات، علماً أن دياب كان على علاقة جيدة مع نائبة صيدا ابان تسلمه وزارة التربية فيما كانت هي تشغل رئيسة لجنة التربية النيابية.
وعلى الرغم من أن الحريري نفسه اتخذ قراره بإقالة حكومته وعزوفه عن الترشح، كان لافتاً التسويق السياسي والإعلامي من أحزاب 14 آذار وخصوم “البيت المستقبلي” لعقدة الميثاقية بسبب نسبة الأصوات السنية المنخفضة التي نالها دياب، بهدف إثارة “الشارع السني المستقبلي” ضد دياب وعرقلة التأليف. فقد عمد نادي رؤساء الحكومات السابقين و”الإبن المستقبلي الضال” نهاد المشنوق، الى استحضار “قميص الميثاقية” في وجه دياب والرئيس عون وثنائي أمل وحزب الله، فيما لوحظ أن كتلة المستقبل لم تَخُضْ في أزمة الميثاقية بعدما رفض النائب سمير الجسر الإجابة عن سؤال أحد الصحافيين حول الأمر. على أن مصادر بعبدا تؤكد لـ”البناء” بأن “الميثاقية ليست في التكليف، بل في التأليف، مذكرة باكتفاء ميقاتي بـ 6 أصوات سُنّة في حكومته عام 2011 مع فارق أن المستقبل آنذاك رفض ميقاتي الذي كان مرشحاً منافساً للحريري بعدما تمّ إسقاط حكومته من فريق 8 آذار والتيار الوطني الحر بضربة “الثلث الضامن” ولم تكد رجله تخطو عتبة البيت الأبيض، بينما الحريري الآن استقال بملء إرادته وليس مرشحاً ولم يمانع تسمية دياب، كما لم يسمِ أحداً. فعن أي ميثاقية يتحدثون؟
وتضيف المصادر بأن “الميثاقية تكون بتأليف الحكومة عبر تمثيل مختلف الطوائف والمذاهب واحترام مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين فضلاً عن تمثيل الكتل النيابية”.
لكن مصادر بعض المستقبليين تعبر عن عتبها إزاء تعامل بعبدا مع الحريري الذي رفض إجراء استشارات التكليف بعدما أُبلغ بعدم تسميته من القوات والتيار الوطني والكتائب حرصاً على الميثاقية، بالمقابل الطرف الآخر كان يعلم أن المستقبل لن يسمّي دياب. فلماذا سار بالاستشارات والتكليف؟
بيد أن الرئيس عون كان يريد إجراء الاستشارات منذ اسابيع، لكنه انتظر المفاوضات لعودة الحريري، بحسب مصادر “البناء” فضلاً عن أن “الحريري نفسه طلب من عون تأجيل الاستشارات وليس بسبب إقناع القوات بتأييده، بل أيقن أن موقف القوات يعكس ارادة وموقفاً أميركياً معارضاً لعودته، وبالتالي انتظر موقف القوات ليس لتأمين الميثاقية بل لاعتباره دعماً وغطاءً أميركياً فقط”.
لكن السؤال لماذا وافق الحريري على دياب؟
تقول مصادر مطلعة لـ”البناء” بأن “الحريري علم بمعارضة أميركية شديدة لعودته وتأييد نيابي ضئيل لا يتعدى الـ 50 صوتاً فضلاً عن انه لا يريد معاكسة الارادة الخارجية، ولا يستطيع تلبية الطلب الخارجي بحكومة تكنوقراط لرفض امل وحزب الله وعون والوزير جبران باسيل، وبالتالي تأكد من أن عودته تعني عودة باسيل، ولا يستطيع تحمل مسؤولية بقاء البلد بلا حكومة الذي من الممكن أن يؤدي للانهيار. فبدأ الحريري يفكر باختيار بديل لا يُشكل خطراً مستقبلياً عليه، فرفض ريا الحسن الذي يعتبرها محسوبة على الرئيس فؤاد السنيورة ولديه خشية من أن تتحالف مع قيادات خصمة له في الشمال من ميقاتي الى الصفدي، وبالتالي يمكن أن تؤثر في الشارع الطرابلسي على حساب رصيده لكونها إبنة المدينة، كما رفض تمام سلام لكونه يمثل إرثاً بيروتياً عريقاً خطف الزعامة السنية في مراحل معينة، كما خشي نواف سلام لكون الأخير يملك بعداً دولياً يشكل منافساً للحريرية، فكان دياب أفضل الخيارات لكونه ليس بعيداً من الحاضنة الحريرية”. وكشف دياب أمس أنه لم يلتقِ أحداً من امل وحزب الله بل فقط الرئيس عون والحريري الذي كان متجاوباً معه، كما أكد أنه لن يعتذر عن التأليف الذي سيكون سريعاً قياساً بتأليف الحكومات السابقة. وعلمت “البناء” أن دياب زار بعبدا مرتين خلال اليومين اللذين سبقا الاستشارات.
وقالت مصادر “البناء” إن تسمية دياب تعكس توافقاً داخلياً بين الاكثرية النيابية والحريري وتعكس مناخاً دولياً داعماً لهذه التسوية “المؤقتة” فضلاً عن أن الرئيس المكلف هو محاضر في الجامعة الاميركية في بيروت وله بعد خارجي أميركي ايضاً. والسؤال هل هي تسوية على التكليف فقط أم تشمل التأليف؟ وما شكل الحكومة المتوقع؟ وهل يستطيع دياب تخطي عقد الشارع؟
أوساط بعبدا رجحت أن يأخذ التأليف بعض الوقت بسبب التحوّل الذي جرى في خريطة مواقف الكتل النيابية، فضلاً عن دخول الشارع كقوة جديدة، حيث أن الأمر يتطلب مروحة مشاورات واسعة بين الرئيس المكلف والكتل النيابية لتحديد مواقفها من المشاركة في الحكومة وشكل المشاركة ما إذا كانت سياسية أم عبر وزراء تكنوقراط وما إذا كانت حكومة جامعة تكنوسياسية، علاوة عن شكل الحكومة؟
وتشير الأوساط لـ”البناء” الى أن “الحكومة ستكون تكنوسياسية من 18 وزيراً، 4 سياسيين يمثلون الكتل النيابية و14 اختصاصياً”، مضيفة أن “تيار المستقبل أبلغ رئيس الجمهورية بأنه لن يشارك في الحكومة”، وعلمت “البناء” أن “الرئيس عون تمنى خلال لقائه كتلة المستقبل تعاون الكتلة مع الرئيس المكلف ومساعدته في تشكيل حكومة جديدة وتمنى أيضاً مشاركة المستقبل بالشكل الذي يرتئيه”.
ولفتت مصادر نيابية في تكتل لبنان القوي لـ”البناء” إلى أن “مسار التأليف لن يكون سهلاً، لكن الاتفاق على التكليف سيريح الأجواء ويسهل عملية التأليف، متحدثة عن أكثر من صيغة لشكل الحكومة منها حكومة اختصاصيين لا يشارك فيها أي من الأحزاب ولم تستبعد عدم مشاركة التيار في الحكومة، وهذا ما ألمح اليه الوزير باسيل بقوله “لسنا مع مشاركة سياسيين في الحكومة بل أن تحظى بثقة اللبنانيين والبرلمان وارتياح وقبول من المجتمعين العربي والدولي”. فيما تصر مصادر ثنائي امل وحزب الله على مشاركة الطرفين في الحكومة بوزراء سياسيين.
وعلمت “البناء” ان مجموعات الحراك منقسمة إزاء تكليف دياب، فمنهم من يعارض ومنهم من يدعو الى منح فرصة لتأليف حكومة والحكم عليها لاحقاً.
وقد كان لافتاً موقف تكتل اللقاء الديموقراطي بتسمية نواف سلام في تمايز واضح مع الحريري، فيما ترددت معلومات بأن موقف القوات بالإحجام عن تسمية سلام كان صفعة للاشتراكي، حيث ظهرت القوات أكثر استقلالية من جنبلاط الذي بدا أنه نفذ أمراً أميركياً صرفاً رغم معرفته بأن سلام لا يملك حظوظاً للفوز بعدما قطعت الأكثرية النيابية الطريق عليه، فهل باع جنبلاط موقفاً للأميركيين كغطاء لمشاركته في الحكومة؟ وهل استثناء النائب السني بلال عبدالله عن عداد وفد الكتلة استدراك من جنبلاط بعدم إحراق المراكب مع الحريري؟ هذا التحدّي النهاري المضمَر بين “البيك” و”الشيخ” ظهرت فلتاته في المساء، حيث خرج جنبلاط ليتهم الحريري بالخذلان بإحجامه عن تسمية سلام؟ فهل هذا تأكيد بأن فريق 14 آذار كان بصدد تهريب سلام في استشارات الأمس لولا تدارك الفريق الآخر؟ وهل تمرد الحريري على نفسه بالتنسّك عن العودة الى السرايا وعلى حلفائه بإحجامه عن تسمية سلام؟
وبعد نهار ثقيل الوطأة على الحريري نُقل عن بيت الوسط مساءً تعبير الحريري عن ارتياحه بقوله “حمل وانزاح عن ظهري”. ويبقى موقف متناقض للمستقبل ورؤساء الحكومات السابقين بالحديث عن الميثاقية تارة وتلبية مطالب الشارع الذي يرفض الخطاب والاعتبارات الطائفية تارة أخرى!