قمة كوالالمبور تكشف «الورقة» التي هدّدت بها السعودية وإيران تدعو لمحاربة الإرهاب الاقتصادي الأميركي
تقرير اخباري
قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مساء أمس، إن «السعودية هددت بترحيل 4 ملايين باكستاني من أراضيها، لتمنع باكستان من المشاركة في قمة كوالالمبور».
وأشار أردوغان في تصريحات للصحافيين إلى أن «باكستان تعرّضت لضغوط سعودية قوية، من أجل إثنائها عن المشاركة في القمة الإسلامية في العاصمة الماليزية كوالالمبور».
وتابع الرئيس التركي «مثل هذه المواقف التي تصدر عن السعودية وإمارة أبو ظبي، ليست الأولى من نوعها».
وتحدّث أردوغان عن الضغوط السعودية بقوله «السعوديون هدّدوا بسحب الودائع السعودية من البنك المركزي الباكستاني».
وأردف «كما هدّدت السعودية أيضاً بترحيل 4 ملايين باكستاني يعملون في السعودية واستبدالهم بالعمالة البنغالية». واستمر الرئيس التركي قائلاً «باكستان تعاني من أزمات اقتصادية كبيرة، واضطرت لاتخاذ موقف بعدم المشاركة في القمة الإسلامية، في ظل هذه التهديدات والضغوط».
وقال أردوغان إن «الأزمة في واقعها هي قضية مبدأ في الأساس. على سبيل المثال، السعودية لا تقدّم مساعداتها إلى الصومال، لكن الصومال أظهرت موقفاً ثابتاً على الرغم من الأوضاع الصعبة التي تعاني منها، ولم تذعن لضغوط الرياض من أجل تغيير مواقفها مقابل تلقي المساعدات».
وأردف «أبو ظبي كانت ستقدّم هي الأخرى خطوات إيجابية في الصومال، لكنها تراجعت عنها لاحقاً، لعدم استجابة الصومال لمطالبها».
وانطلقت قمة «كوالالمبور 2019» الإسلامية المصغّرة الأربعاء، في العاصمة الماليزية، ومن المقرّر أن تستمرّ أعمالها حتى اليوم.
ونقلت صحيفة «ذا نيوز» الباكستانية عن مصادر أن عمران خان قرّر التراجع عن المشاركة في قمة كوالالمبور المقرّر عقدها في الفترة من 18 إلى 20 كانون الأول.
وأشارت الصحيفة الباكستانية إلى أن «رئيس الوزراء الباكستاني اتخذ هذا القرار، بعد لقائه مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان».
وقرّر عمران خان أن يوفد وزير خارجية باكستان شاه محمود قريشي إلى ماليزيا لحضور قمة كوالالمبور، المقرّر أن يشارك فيها رئيس وزراء ماليزيا، مهاتير محمد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
وقالت المصادر إن «رئيس الوزراء الباكستاني استمع إلى القلق البالغ الذي أبدته السعودية من تصريحات رئيس الوزراء الماليزي من أن قمة كوالالمبور ستكون بمثابة منصة جديدة تحلّ محل منظمة التعاون الإسلامي، التي قال إنها فشلت في تقديم أي حلّ من المشاكل التي تواجه المنطقة».
وتابعت المصادر، قائلة: «كما أن عمران خان استمع لكافة المخاوف العربية من أن حضور أردوغان وروحاني وتميم إلى القمة يظهر أنها بمثابة اجتماع لتقويض نفوذ السعودية وحلفائها في المنطقة».
وقالت المصادر كذلك إن «عمران خان في زيارته إلى السعودية والبحرين أكد أن باكستان لم ولن تكن أبداً جزءاً من أي مخطط لتقويض القيادة الخليجية وزعزعة استقرارها».
وكان رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، الذي تستضيف بلاده قمة لرؤساء العالم الإسلامي قد أعرب عن أسفه لوضع الإسلام الحالي، ودافع عن القمة التي تجاهلتها المملكة العربية السعودية، وقوبلت بانتقادات تتهمها بأنها تقوّض منظمة التعاون الإسلامي الأكبر حجماً.
وبدت الانقسامات في العالم الإسلامي واضحة، إذ لم توفد سوى 20 دولة رؤساء أو مندوبين إلى كوالالمبور لحضورها، رغم توجيه دعوات إلى جميع أعضاء منظمة التعاون الإسلامي الـ57.
ومع رفض العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، الحضور وانسحاب باكستان المتأخر، قال مهاتير إن «القمة لا تستهدف أن تضع بديلاً لمنظمة التعاون الإسلامي، ولكنها تهدف إلى أن تفهم لماذا صار الإسلام والمسلمون ودولهم في حالة أزمة وبلا حول ولا قوة وغير جديرين بهذا الدين العظيم».
وبحسب وكالة الأنباء الماليزية «بيرناما»، فقد جاءت فكرة عقد القمة الإسلامية على هامش اجتماعات الجمعية العامة لـ»الأمم المتحدة» في نيويورك، أثناء لقاء رئيس الوزراء الماليزي «مهاتير محمد» مع الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» ورئيس الوزراء الباكستاني «عمران خان».
وتعتبر قمة كوالالمبور هي الثانية بعد قمة تشرين الثاني 2014، والتي شارك فيها عدد كبير من المفكرين والعلماء من العالم الإسلامي، ووضعوا أفكاراً وحلولاً للمشاكل التي تواجه المسلمين، ولهذا تأتي مشاركة القادة هذه المرة للاتفاق على آلية لتنفيذ الأفكار والحلول التي يتمّ التوصل إليها.
وتستمر أعمال القمة حتى اليوم، والتي تتمحور حول «دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية».
وفي كلمته الافتتاحية قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن «حل مشاكل العالم الإسلامي تكمن في تعاون الدول الإسلامية، وإن القضية الفلسطينية هي الجرح النازف بالنسبة للعالم الإسلامي ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في قمة كوالالمبور».
وأوضح روحاني أنها أبرز المهام أمام القمة هي «القضية الفلسطينية، وتدخل القوى العظمى في الشؤون الداخلية للمسلمين، وضرورة التقدم العلمي والاقتصادي».
واضاف أن «التكفيريين والإرهابيين لديهم أفكار أشاعوا من خلالها القتل في المجتمع الإسلامي»، مشدداً على أن «الأفكار التكفيرية جعلت دولنا الإسلامية تدفع ثمناً باهظاً».
وتابع الرئيس روحاني قائلاً: «إذا لم نجهز أنفسنا للوحدة مع أخواننا المسلمين فإننا سنواصل الفشل».
وتابع روحاني أن «الحظر الاقتصادي تحول اليوم الى حربة للهيمنة الاستكبارية، وأن الولايات المتحدة تستخدم الاقتصاد كآلية للإرهاب»، معتبراً أن «على العالم الإسلامي التعامل بالعملات الوطنية كآليات لمواجهة التحديات الحالية».
وفي كلمته الافتتاحية قال رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد إن الدول الإسلامية في «حالة أزمة وعجز، وغير جديرة بهذا الدين العظيم الذي فيه خير للبشر».
وقال محمد: «نحن لم نُقصِ أحداً، أردنا فقط أن تكون هذه القمة بداية مصغرة»، لافتاً إلى أن «هذه القمة ستشهد نقاشات حول الأوضاع الراهنة للمسلمين، وليس عن الدين كمعتقد».
وأضاف: «نحن جميعاً نعرف أن بلدان العالم الإسلامي تشهد أزمات، ونرى أن شعوب تلك الدول تضطر إلى ترك بلدانها والهجرة إلى بلدان غير مسلمة».
وتابع مهاتير: «من جانب آخر نجد بعض المسلمين يمارسون عنفاً واستبداداً بعضهم حيال بعض»، مضيفاً: «ومن ثم نحن مطالَبون بمعرفة كيف ظهرت هذه المشكلات، علينا أن نواجه أسباب الحروب الداخلية، وغيرها من الكوارث، والعمل على تقليل هذه المشكلات، وإصلاح سمعة ديننا».
وشدّد على أن «من الضروري فهم المشكلات التي يعاني بسببها العالم الإسلامي، وإدراك أسبابها»، مبيناً: «وكما نعلم جميعاً، فإن بعض الدول بعد الحرب العالمية الثانية انهارت ودُمّرت، لكنها استطاعت الوقوف ثانية، وتطوّرت، لكن معظم البلدان الإسلامية، لم تنجح حتى في نظام الإدارة الجيدة، وليس التنمية فحسب».
وتساءل: «هل هذا حقيقةً ديننا؟ وهل الإسلام هو سبب ما نحن فيه؟»، موضحاً أن «كل هذه الأمور سنسلط عليها الضوء ونناقشها خلال القمة، وأفكارنا ومقترحاتنا إذا تمّت الموافقة عليها فسنعمل على تحويل النتائج والمخرَجات إلى مبادرات أكبر».
بدوره قال أمير قطر، الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني»، في كلمته في القمة، إن «العالم الإسلامي يواجه تهديدات بخصوص السلام والأمن والحكم الناضج»، مضيفًا أن بعض الأنظمة فيه «ترتكب انتهاكات بحق شعوبها مثل الإقصاء.. وتجاهل حقوق الإنسان».
وأكد أن «نجاح الدول الإسلامية لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تعاون يسلط الضوء على القواسم المشتركة ونبذ الخلافات».
وأضاف أن «العدالة هي أحد أهم الشروط لإنهاء الصراعات، لكن هذه الحقيقة غير مفهومة من قبل الدول التي تحاول إنهاء الصراع بعقل القوة المهيمنة».
ولفت الأمير القطري إلى أن «العالم الإسلامي يواجه تهديدات بخصوص السلام والأمن والحكم الناضج»، مضيفاً أن «بعض الأنظمة في العالم الإسلامي تسيء استخدام الثقافة الإسلامية، وترتكب انتهاكات بحق شعوبها مثل الإقصاء، وعدم الاحترام، وتجاهل حقوق الإنسان».
وأشار إلى أن «التوجهات الشعبية الصاعدة في العالم تحاول الربط بين الإسلام والعنف، في حين أن التطرف موجود في جميع أنحاء العالم، مشدداً على أن «الفقر والجهل وانعدام الثقة بالنفس ثقافياً، أمور تشكل أساساً للتطرف».
وشدّد تميم كذلك على أن بلاده ستواصل وقوفها بجانب المظلومين في القضية الفلسطينية، مضيفًا أن «العالم العربي قبل مبادرة السلام لحل القضية الفلسطينية، إلا أن «إسرائيل» هي الطرف الذي لا يقبل الشرعية الدولية ولا السلام».
وبخصوص الإخفاقات التي يشهدها العالم الإسلامي، قال تميم إن «هناك اتهاماً شائعاً في هذا الصدد يُلقى على التدخلات الخارجية»، مضيفاً أنه «في حين أن الإخفاقات في العالم الإسلامي والخيارات الخاطئة ليس سببها التدخلات الخارجية فحسب، بل هناك أسباب أخرى كالكسل، والفشل السياسي».واعتذرت باكستان وأندونيسيا عن عدم حضور القمة، وعزاها مراقبون، إلى ممارسة السعودية ضغوطاً هائلة على إسلام أباد وجاكرتا لمقاطعة تلك القمة التي ترى فيها محاولة لتحجيم دورها في المنطقة.