حكومة دياب مرحلة جديدة في تاريخ لبنان
} سماهر الخطيب
بعد أشهر من الاضطرابات في لبنان، وتجاوز الشهرين في الحراك المطلبي وسط تدخلات أجنبية، نجح الرئيس المكلف تشكيل الحكومة المقبلة حسان دياب بكسب أصوات أغلب الكتل النيابية اللبنانية بالحصول علی 69 صوتاً، وبذلك أزيحت العقبة الرئيسة أمام إنهاء أزمة التكليف لیبدأ مشاوراته مع الأطراف السياسية لتشكيل الحكومة وتبدأ معها أزمة التأليف، بالتزامن مع زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل.
وباعتبار دياب شخصية «تكنوقراطية» فقد نجح بلفت الأنظار باعتباره قادراً على إخراج البلاد من المشاكل الراهنة، بالرغم من أنه لا يملك برنامجاً حالياً، إنما ظهر وفق تصريحاته بكونه وحده لن يمكنه فعل شيء وليس هو مَن سيقوم بالفعل إنما فريق من الاختصاصيين المستقلين وليس السياسيين، وفي الوقت نفسه وفق التوافق السياسي، وكذلك وفق مطالب الحراك فهي لن تكون حكومة لون سياسي واحد، كما أنها لن تكون حكومة مواجهة، بل ما يريده الشارع الشعبي اللبناني وكذلك السلطوي، وهو حكومة «اختصاصيين» أو فريق من المختصين لمعالجة الأوضاع المزرية أو على أقلّ تقدير إيجاد حلول قد تساعد على حلحلة الأوضاع وإنعاش الاقتصاد اللبناني الذي أصابه الركود حتى الجفاف.
وبالتالي لن تكون حكومة طائفية، ولا مكان فيها للسياسيين المستفزين للشارع والذين طالب المحتجون باستبعادهم بسبب تهم الفساد، وتحميلهم وزر ما وصلت إليه البلاد من وضع مزرٍ. وهذا سبب يحظى لأجله دياب بدعم الغيورين على البلد والحريصين على أمنه واستقراره.
وسبق للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن أكد في خطابه أنه لا يريد حكومة اللون الواحد سواء من معسكره أو المعسكر الآخر مصرّاً على حكومة الشراكة، ورغم أنه تمنى من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ترؤس هذه الحكومة إلا أنّ الأخير فضّل التنحّي ربما تحت ضغوط خارجية رافضاً تسمية من يخلفه وتاركاً الباب مفتوحاً لكلّ الخيارات، متنكّراً لمن وقف معه بقوة وجلد أثناء احتجازه في السعودية واستقالته حينها تحت التهديد، فما كان منه سوى نكران الجميل وفتح الباب للعواصف العاتية لتعصف في لبنان وتؤجج الشارع ضدّ بعضه البعض لولا الوعي والتكاتف لما كان التكليف اليوم قد شهد النور..
وفي ضوء محاولة تعرية هذا التكليف من قانونيته وإسقاط الحكومة قبل تأليفها لجأ البعض إلى إضفاء الاتهامات وزرع الشبهات حولها بكونها حكومة اللون الواحد أو حكومة حزب الله باعتبار أنّ دياب «مرتبط بحزب الله»، أو أنه من بقايا النظام السياسي الفاسد الذي تحرّك الشارع ضدّ وجوده بهدف أن يحولوا دونه ودون إبراز كفاءته وتأثيره الإيجابي، وأن يواصلوا مشروع الفراغ وفي النهاية «إسقاط النظام» واستهداف الاستقرار السياسي في لبنان، من خلال السعي لقطع الطرقات وتجديد إغراق لبنان في الفوضى.
وبالنظر إلی التطورات التي شهدها لبنان خلال الأشهر الفائتة فمن المتوقع أن تستمر هذه الأعمال التخريبية ولو بنحو أضعف، ومن خلال ضبط النفس الذي يمارسه الشعب اللبناني، فإن هذا التيار المضطرب سيُضطر إلی الإذعان للواقع السائد في المجتمع اللبناني وسيتخلّی عن أطماعه لمصلحة التيار الإصلاحي الذي بدأ يثمر الآن.
إن الحكومة المنتظرة والتي اتضح أنّ دياب عازم على تشكيلها، ستكون حكومة معظم اللبنانيين، فهي جاءت في أجواء تلبية لمطالب الحراك والصوت اللبناني وليس الطائفي، الذي خرج إلى الشارع مطالباً بالإصلاح ومحاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة وإنقاذ البلد من أزمته الاقتصادية التي أغرقت معظم بل كلّ مرافقه، رغم محاولات امتطائها وتحويل مطالبها ودسّ السمّ في العسل عبر خلق الفوضى وقطع الطرقات وتحويلها نحو أصوات طائفية ومطالب أميركية، لكن الوعي الشعبي لا يزال سيد الموقف. وهذا ما أثبتته يوميات الحراك.. فالرادع الوحيد لإحباط هذه المكائد هو المقاومة وسلاحها، وهذا سبب تعاظم المؤامرات ضدّها.
ومع تشكيل الحكومة ستحبط معها المؤامرة الأميركية الإسرائيلية التي لا تفوّت فرصة دون أن تستغلها محاولة الاصطياد في الماء العكر لزعزعة استقرار لبنان ونهب ثرواته النفطية والغازية.. ورغم القول بأنّ تشكيل الحكومة سيُحبِط ما يُحاك ضدّ لبنان إلا أنّ الصعوبات والعثرات ستكون كبيرة في طريق الرئيس دياب لتشكيل هذه الحكومة في ظلّ وجود بعض الجهات التي تسعى لاستغلال الوضع في لبنان وزعزعة استقراره وتكريس الفراغ المؤسسي، ودفعه نحو اقتتال داخلي طائفي، الذي بدأ ينعكس في قطع الطرقات في طرابلس وعكار وأجزاء من بيروت من قبل مَن يحاول إعاقة تخطي الأزمة وعدم ملء هذا الفراغ الحكومي ضاغطين باتجاه الفراغ، وهم مَن لا يريدون لهذه الحكومة أن ترى النور..
في الأثناء اتجه ديفيد هيل إلى لبنان قادماً من العراق حاملاً في حقيبته كلّ أنواع الدجل والتضليل بادّعاء نقله الإرادة الأميركية في استقرار لبنان، نافياً أيّ تدخل خارجي في شؤونه؛ وربما هو يصدق في نقله الادّعاء الأميركي إنما ما بين الحروف أعتى وأشدّ حنكة من قائلها فإذا ما أرادت بلاده الاستقرار للبنان فعلاً فإنها تريده وفق رؤيتها استقراراً عبثياً ومذلاً تستكين معه الأصوات المقاومة ويسكت البارود ويجري التطبيع مع «إسرائيل» وتضع اليد على ثروات لبنان المائية والطاقوية..
فما تريده أميركا هو لبنان ضعيف مستسلم وخاضع لخططها مع ربيبتها «الإسرائيلية» للاستيلاء على احتياطاته النفطية والغازية وترسيم حدود بحرية تمكنها من هذه السرقة..
وهذا ما رأيناه سابقاً من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، والسفير الأميركي جيفري فيلتمان بتحريض اللّبنانيين على «الثورة» ضدّ حزب الله وضدّ سلاح المقاومة ما يعني وجود مخطط أميركي صهيوني واضح المعالم غايته وضع اللبنانيين أمام خيارين لا ثالث لهما إما نزع سلاح المقاومة أو الحرب الأهلية. وهناك سيناريوات جاهزة وقوالب منتظرة التعليب لنقلها إلى لبنان ولن تتعذب كثيراً في الاختيار طالما أنّ هذه السيناريوات باتت واضحة وجاهزة للتطبيق كالسيناريو السوري والليبي والعراقي والفنزويلي وغيرها الكثير لنقلها إلى الأراضي اللبنانية، ولكن تلك الإدارة نسيت أو تناست انّ للمقاومة حاضنة شعبية بالإضافة إلى وعي شعبي لعدم الانحدار وراء أصوات ببغاوية خاصة من أولئك الذين عاشوا مرحلة الحرب الأهلية ولا يريدون تكرارها وهو ما شاهدناه في عين الرمانة – الشياح مثلاً..ولا يمكن تجاهل إدارة حلف المقاومة للأزمة الحالية في لبنان والتي اعتمدت على ضبط النفس والدقة في التعاطي مع الأحداث، وبالتالي تجنيب البلاد الكثير من الكوارث التي كانت قاب قوسين أو أدنى، ليصبح تشكيل الحكومة الآن وما بعدها مرحلة جديدة تقود لبنان نحو البر الآمن..