بين تظاهرات المستقبل وتدخلات هيل… ومحاولة إنعاش الانقلاب المتعثر
} حسن حردان
ما ان انتهت الاستشارات النيابية الملزمة بتكليف الوزير السابق حسان دياب تشكيل الحكومة الجديدة، حتى تبيّن مدى التخبّط والتصدّع والصدمة في صفوف قوى 14 آذار التي ذهبت إلى الاستشارات غير موحّدة ولا متفقة على موقف واحد في تسمية نواف سلام في مقابل قرار الحلف الوطني تسمية دياب، ففيما سمّى كلّ من الحزب التقدمي وحزب الكتاب نواف سلام، اختار كلّ من المستقبل والقوات، كلّ لحساباته، عدم تسمية أحد.. لكنهم سرعان ما عبّروا عن اعتراضهم على تسمية دياب عبر تحريك أنصارهم للتظاهر رفضاً لتكليفه. وظهر مدى غضب المستقبل وسخطه بإقدام أنصاره على النزول إلى شوارع بيروت وقطع معظم الطرقات فيها، وترافق ذلك مع إعلان مصادر المستقبل عدم المشاركة في الحكومة التي يسعى الرئيس المكلف إلى تشكيلها، ليتبيّن انّ قرار المستقبل إنما هو وضع العراقيل أمام مهمة الرئيس المكلف ومنعه من تشكيل الحكومة بل وإجباره على تقديم استقالته.. إنّ هذا الردّ العملي على قرار الأكثرية النيابية تسمية دياب لتشكيل الحكومة الإنقاذية، إنما يكشف حقيقة الموقف الحقيقي للرئيس الحريري الذي يريد تعطيل تشكيل ايّ حكومة لا تكون وفق شروطه، ولهذا ناور وعمد إلى حرق المرشح تلو المرشح لتشكيل حكومة تكنو سياسية، وعندما فوجئ بقرار الحلف الوطني تسمية دياب بعد أن أعلن الحريري سحب ترشيحه اثر خذلان «القوات اللبنانية» له، وهو ما لم يكن يتوقعه، لجأ إلى استنفار الشارع للإطاحة بالرئيس المكلف، ولوحظ انّ ذلك جاء متزامناً مع زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل واجتماعاته مع الروساء الثلاثة وإطلاقه تصريحات تتدخل في شؤون لبنان عبر التناغم مع بعض مجموعات الحراك بمطالبة الأطراف السياسية بالتخلي عن السلطة، وإقرار الإصلاحات التي تريدها واشنطن، وحماية المتظاهرين، والظهور بمظهر الداعم لهم في المطالبة بمحاربة الفساد وإقصاء الأحزاب السياسية، بهدف إبعاد حزب الله وحلفائه عن الاشتراك في الحكومة، في سياق خطة تطويق المقاومة، ما يؤشر بوضوح إلى الهدف الحقيقي لزيارة هيل إلى لبنان، وهي الدخول المباشر على خط الأزمة الداخلية، وإعطاء التوجيهات لحلفاء أميركا، ومحاولة الضغط لفرض الشروط الأميركية لناحية الإصلاحات المطلوبة أميركياً، أو لناحية فرض اتفاق لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وفلسطين المحتلة ينسجم مع الأطماع الإسرائيلية…
انّ تظاهرات أنصار المستقبل وقطع الطرقات، إنما يتعارض بشكل صارخ مع الموقف العلني للحريري الداعي في تغريدة على حسابه الرسمي في «تويتر»، «جميع أنصاره ومحبّيه إلى رفض أيّ دعوة للنزول إلى الشارع أو قطع الطرقات».
انطلاقاً من أنّ «الهدوء والمسؤولية الوطنية هي الأولوية في المرحلة الحالية».. هذا الموقف لم يلق تجاوباً من قبل أنصار الحريري، الذين استمرّوا في التظاهر وقطع الطرقات في العاصمة ورشق الجيش بالحجارة لأنه حاول منعهم من إقفال كورنيش المزرعة بالأتربة، ما يدلّل على مناورة جديدة يلجأ إليها الرئيس الحريري، من جهة يظهر تأييده تسهيل مهمة الرئيس المكلف حسان دياب، ومن جهة ثانية يوعِز لتياره تولّي العمل على عرقلة مهمة دياب في الشارع وصولاً، إذا تمكن، الى دفعه للاستقالة من مهمة تأليف الحكومة، كما فعل مع المرشحين الذين سمّاهم هو لتشكيل الحكوَمة ثم عمد إلى حرقهم عبر حجب الدعم عنهم من قبل رؤساء الحكومات السابقين ومفتي الجمهورية…
على انّ هذا الاعتراض في الشارع يأتي هذه المرة متناغماً مع تصريحات هيل الذي حاول بشكل واضح إعطاء دعم مباشر لمطالب البعض في الحراك ممّا يتساوق مع الخطة الأميركية، الأمر الذي يكشف الارتباط ما بين التعطيل الذي يقوم به تيار المستقبل لمنع تشكيل حكومة لا تكون متطابقة مع شروطه، وما بين مهمة هيل الهادفة إلى تشديد الضغوط على لبنان لإنعاش خطة الانقلاب الأميركية المتعثرة نتيجة نجاح الحلف الوطني في استخدام تكتيك ذكي حال دون إمساك فريق 14 آذار بورقة التكليف والتحكّم بها لفرض شروطه بتشكيل حكومة تكنوقراط كخطوة أولى أساسية على طريق الانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية وإحداث تغيير في المعادلة السياسية على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية عن طريق تفصيل قانون جديد للانتخاب تجري على أساسه انتخابات مبكّرة تمكن القوى الموالية لواشنطن من الحصول على الأغلبية النيابية..
غير أنّ هذه المحاولة لإنعاش خطة الانقلاب الأميركية، يبدو أنها ستواجه الفشل بفعل إصرار الحلف الوطني على عدم تشكيل حكومة اللون الواحد لعدم إعطاء الذريعة لواشنطن لحصار لبنان اقتصادياً ومالياً، ما يؤدّي إلى ارتفاع جنوني في سعر الدولار مقابل الليرة، ودفع قوى 14 آذار للنزول إلى الشارع وشلّ البلاد، وبالتالي تحميل هذه الحكومة مسؤولية الانهيار الشامل الاقتصادي والمالي وصولا إلى إسقاطها..لهذا يصرّ الحلف الوطني على تشكيل حكومة بالشراكة مع تيار المستقبل وتكون من التكنوقراط على أن تستجيب لمطالب الحراك الشعبي المحقة، وليس للشروط والإصلاحات التي تسعى واشنطن إلى فرضها على لبنان.. لهذا يبدو أنّ مهمة الرئيس المكلف لن تكون سهلة التحقيق في وقت قريب، طالما استمرّ رفض المستقبل المشاركة في الحكومة التي يعمل دياب على تأليفها.. وطالما استمرّ الأميركي في رهانه على مواصلة استخدام سلاح الضغط الاقتصادي والمالي لمحاولة تحقيق أهدافه.. وفي ظلّ هذا الوضع فإنّ القرار الوطني عدم الخضوع والتسليم للأميركي بما عجز عن تحقيقه بواسطة الحروب العسكرية والإرهابية…