شرق المتوسط وإيران يهمّشان أحادية أميركا لصالح روسيا والصين…!
محمد صادق الحسيني
بالرغم من الجهود الحثيثة والمكثفة، التي بذلتها الولايات المتحدة الأميركية، خلال السنوات العشر الماضية، في إشاعة الفوضى ومحاولات التفتيت في إيران والدول العربية المختلفة، عبر الاستثمار في تحركات شعبية، خاصة في الدول العربية، حيث طرحت التحركات مطالب معيشية محقة ودعت الى قطع دابر الفساد، الذي يخلق التربة الملائمة لقوى الاستعمار للاستثمار في تحركات شعبية مشروعة لأهداف استعمارية غير مشروعة، الا ان الولايات المتحدة ومعها أذنابها، من صهيوني الى سعودي خليجي وعثماني، الا انها فشلت تماماً في تحقيق أيٍّ من أهدافها في غرب آسيا، مما مهد الطريق لزلزلة هيمنتها التقليدية الأحادية القطبية على العالم.
وقد تجلّت هذه الزلزلة في أكثر من مجال وأكثر من مكان في العالم.
وكانت أبرز تجلياتها في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال لا الحصر كما يلي:
1 – فشل الولايات المتحدة في إسقاط الدولة السورية ونقل سورية من معسكر المقاومة الى المعسكر الأميركي الصهيوني الرجعي العربي. وهو الأمر الذي أفشل ما أسمته الإدارة الأميركية مشروع الشرق الاوسط الجديد، الذي هدفت منه إلى ترسيخ سيطرتها على «الشرق الأوسط «ومنع القوى العظمى الأخرى، مثل الصين وروسيا، من ممارسة علاقات طبيعية ومطابقة للقوانين الدولية مع دول المنطقة.
2- أدّى هذا الفشل بالولايات المتحدة، وبعد انسحابها من العراق سنة 2011، نقول إن ذلك قد دفعها للزجّ بمجاميع داعش والقاعدة في ميدان الصراع، في كل من سورية والعراق، وصولاً إلى الحدود الإيرانية شرقاً واللبنانية غرباً، حيث تمثل هدف مشروع داعش في زعزعة الاستقرار الداخلي في إيران والسيطرة على أجزاء من لبنان تسهيلاً لمهمة الجيش الإسرائيلي في شنّ هجوم واسع على لبنان يهدف للقضاء على المقاومة هناك.
3- لكن صمود الشعب والجيش والقيادة السورية بشكل أسطوري قد خلق الظروف الموضوعية المناسبة لفهم أعمق لطبيعة الصراع الدولي، من قبل القيادة الروسية، ما جعلها تقرّر الانخراط الجدي المباشر في عملية إنهاء هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على مقدّرات العالم. وقد ظهر هذا الأمر جلياً بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في العمليات القتالية في سورية منذ أواخر شهر أيلول سنة 2015.
4- كذلك كان صمود الشعب اليمني، ورغم الموقف الروسي الضبابي من الحرب السعودية البربرية ضد هذا الشعب، نقول إن هذا الصمود قد كان بمثابة حجر زاوية في تعزيز المواقف الدولية، الصينية الروسية، وتقويض الهيمنة الأميركية على العالم وذلك عبر حرمان الولايات المتحدة الأميركية من فرض سيطرتها على مياه غرب المحيط الهندي وبحر العرب وخليج فارس والبحر الأحمر وما لذلك من أهمية استراتيجية كبرى، تتمثل في قدرة القوات المسلحة اليمنية على وقف إمدادات القوات الأميركية عبر مضيق باب المندب، وما لذلك من تأثير كبير في حال حدوث أي صراع مسلح بين الدول العظمى.
5- وفِي هذا الاطار نفسه تجب قراءة التدريبات القتالية البحرية المشتركة، بين سلاح البحرية الإيراني والروسي والصيني، في غرب المحيط الهندي وشمال شرق بحر العرب التي ستجري بتاريخ 27/12/2019. وهي تدريبات عسكرية ذات طبيعة استراتيجية هامة، بخاصة أنها تعكس مزيداً من دمج القدرات العسكرية الإيرانية مع القدرات العسكرية لكل من الصين وروسيا، الأمر الذي يمنح إيران مزيداً من الحصانة في مواجهة سياسة الحصار والعقوبات والبلطجة الأميركية.
6- أما في ما يتعلق بمجريات الوضع والصراع المحتدم في الساحة الليبية فهو أيضاً تعبير مضاف عن انحسار الهيمنة الأميركية وتوسّع الدور الروسي الصيني، وإن بشكل غير مباشر. فرغم الضجيج الذي يفتعله اردوغان، حول الدور التركي في ليبيا، الا ان المصادر الاستخبارية تفيد بأن هناك تفاهماً دولياً، روسياً صينياً أوروبياً تركياً مصرياً سعودياً إماراتياً، على الأدوار الحاليّة والمستقبلية لكل طرف من الأطراف في ليبيا..
وسيمثل المؤتمر الدولي، الذي دعت المستشارة الالمانية إنجيلا ميركل الى عقده في برلين قريباً، تعبيراً واضحاً عن أدوار الاطراف المعنية وستوضع من خلاله خارطة طريق لإنهاء الصراع الدائر حالياً وكذلك لمرحلة ما بعد توقف العمليات العسكرية والبدء بإعادة إعمار البلاد.
7- وبتعبير آخر فإن انعقاد هذا اللقاء الدولي حول ليبيا في برلين، وبغض النظر عن فرص نجاحه، وتحت مظلة أورو – روسية، يعني مزيداً من تراجع دور الولايات المتحدة في الهيمنة على مقدرات العالم وازدياداً في فعالية سياسة الأقطاب المتعددة، التي تتبعها كلٌّ من الصين وروسيا، بالإضافة الى التأثير المباشر في توسيع الوجود العسكري والسياسي الروسي في حوض المتوسط وما يمثله هذا الوجود من حصار استراتيجي لخاصرة حلف الناتو الجنوبية، خاصة إذا وضعنا العلاقات المميّزة لروسيا والجزائر في عين الاعتبار.
1- وبالنظر الى اننا نتحدث عن الحد من الهيمنة الأميركية على العالم فلا بد أن نضيف الى ما سبق، بان انعقاد اللقاء الدولي، الذي دعت اليه ميركل، في برلين، وبعد ايّام فقط من فرض الرئيس الأميركي لعقوبات مالية، على الشركات الأوروبية التي تشارك في تنفيذ مشروع نقل الغاز الروسي الى أوروبا، عبر خط انابيب السيل الشمالي، وخاصة المانيا وفرنسا، فإن دعوة ميركل هذه تؤكد بوضوح المزيد من التفلت الاوروبي من الهيمنة الاميركية وتوجهاً واضحاً لدول أوروبية عظمى لتعزيز التعاون مع روسيا والصين.
2- وفِي هذا السياق نفسه يجب على المرء ان يقرأ توصل روسيا وأوكرانيا الى اتفاقية اقتصادية هامة، تعيد تفعيل اتفاقيات عبور الغاز الروسي، عبر الاراضي الأوكرانية الى أوروبا الغربية، حيث تم التوقيع على هذه الاتفاقية يوم 21/12/2019 في برلين أيضاً وبحضور المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل.
وما تمديد هذه الاتفاقية (عبور الغاز) لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد لمدة 5 سنوات أخرى إلا تعبير عن فشل أميركي جديد، خاصة أن واشنطن قد عملت كل ما في وسعها لتخريب سوق الطاقة في أوروبا وإجبار الدول الأوروبية على الخضوع لأوامرها واستبدال الغاز الروسي الطبيعي الرخيص الثمن بالغاز الأميركي المسال والمرتفع الثمن.
10- وأما مسك الختام، في مسلسل تراجع هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على العالم، فقد مثلته زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الى طوكيو، وما قدمته اليابان من مقترحات لتخفيف التوتر بين طهران وواشنطن، حيث إن تقديم المقترحات بحد ذاته يعبر عن تراجع أميركي واضح، خاصة بعد أن فشلت مؤامرة الادارة الأميركية الأخيرة في إشعال نار الفوضى الداخلية في إيران ونجاح السلطات الإيرانية في حماية الأمن الداخلي بشكل يضمن استقرار البلاد وتعزيز القدرة على التصدّي للعقوبات الأميركية ضد الشعب الإيراني.
هذا غيض من فيض لما تشهده المسارح الدولية من تراجع فاضح لهيمنة الولايات المتحدة بسبب انكساراتها المتواصلة أمام تقدّم القوى العالمية الحية الجديدة التي تتقدّم عليها في مختلف الساحات ما سيرسم خريطة جديدة للعالم!
المتابعون لهذه الظاهرة المتنامية يؤكدون بأننا نتقدم بخطى متسارعة نحو انهيار منظومة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية مقابل تشكل وتبلور قوى جديدة من شأنها أن تشكل عالم ما بعد الدولار والبترودولار الأميركي كما يخطط ويحلم ثنائي منتدى شانغهاي الصيني الروسي.
عالم قديم ينهار.
مقابل عالم جديد ينهض.بعدناطيبين،قولواالله.