ليبيا بين فكّي كمّاشة الغرب وتركيا
تقرير إخباري
جدّد الاتحاد الأوروبي دعوته لجميع الأطراف الليبية لوقف جميع الأعمال العسكرية واستئناف الحوار السياسي، مؤكداً أنه «لا يوجد حل عسكري للأزمة في ليبيا».
وقال الاتحاد في بيان له أمس الاثنين، إن الطريقة الوحيدة لحسم هذه المسألة هي «الحل السياسي» الذي يتم التفاوض بشأنه على أساس المقترحات التي قدمتها الأمم المتحدة مؤخراً.
ودعا المجتمع الدولي إلى مراقبة واحترام حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، مشيراً إلى «دعمه لجهود الممثل الخاص للأمم المتحدة غسان سلامة ومؤتمر برلين»، معتبراً أنها «السبيل الوحيد نحو إعادة إطلاق العملية السياسية الليبية وإعادة بناء ليبيا مسالمة ومستقرة وآمنة».
وطالب البيان جميع المشاركين في مؤتمر برلين بـ»المشاركة بشكل بنّاء في التوصل إلى حل سلمي للنزاع يحافظ على السيادة الليبية ويتم التفاوض عليه لصالح جميع الليبيين».
وأكد «التزام ممثل الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمنية جوزيف بوريل، بتعزيز الجهود الدبلوماسية للاتحاد في هذا الصدد ومواصلة التواصل مع الشركاء الدوليين».
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال إن أنقرة «ستزيد من الدعم العسكري لحكومة الوفاق الوطني الليبية، إذا تطلب الأمر، وستقيم كل الإمكانيات البرية والجوية والبحرية».
ولفت خلال تدشين أول غواصة تركية الصنع إلى أن بلاده «لن تتراجع عن تنفيذ وعودها».
في صورة تبدو فيها ذروة التصعيد بين طرفي النزاع في ليبيا ومن يقف وراءهما من دول إقليمية وكبرى، وسط تصريحات بسقوف مرتفعة يطلقها مسؤولون في هذه الدول، مع صمت دولي ومواقف خجولة لدول كبرى إزاء تهديدات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بقصف مدن ليبية مأهولة بالسكان واستمراره في الهجوم على طرابلس.
وأعلنت قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها أممياً أول أمس، رفضها للمهلة التي حددتها قوات حفتر لانسحاب قوات مصراتة من مدينتي طرابلس وسرت، غربي البلاد.
وقال مصطفى المجعي، الناطق باسم المركز الإعلامي لعملية «بركان الغضب» التابعة للوفاق، إن «تمديد قوات حفتر مهلتها لقوات مصراتة للانسحاب ما هو إلا مبرر لفشلها بساعة الصفر لاقتحام طرابلس، التي تم الإعلان عنها سابقاً».
ونقلت وكالة الأناضول التركية عن المجعي تكذيبه تصريحات للناطق باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، قال فيها إن «وفداً يمثل مدينة مصراتة دخل بمفاوضات معهم».
وأشار المجعي إلى أن المدينة «أعلنت في وقت سابق، حالة النفير واختارت المواجهة وصد عدوان حفتر على العاصمة».
لكن قوات حفتر أعلنت «تمديد المهلة التي منحتها لمدينة مصراتة غرب ليبيا ثلاثة أيام أخرى من أجل سحب قواتها من المحاور الجنوبية للعاصمة طرابلس ومدينة سرت وسط البلاد».
والجمعة، توعد الناطق باسم قوات حفتر أحمد المسماري بـ»استمرار قصف مدينة مصراتة يومياً بالغارات الجوية في حال لم تنسحب قوات المدينة من طرابلس وسرت»، في مدة ثلاثة أيام كان من المفترض أن تنتهي مساء أول أمس.
وعاد المسماري ليقول إن «هذا التجديد جاء بعد تواصل من شخصيات من مدينة مصراتة»، متعهداً بـ»عدم التعرض للقوات المنسحبة إلى حين انتهاء المدة».
الملف الليبي عاد بقوة إلى واجهة ملفات المنطقة الملتهبة؛ بعد أن فسحت حكومة طرابلس المجال لدور تركي أكبر في ليبيا وذلك من خلال توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع أنقرة الشهر الماضي.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصرّ على أن بلاده ستزيد من دعمها العسكري للحكومة التي يرأسها فايز السراج والمعترف بها دولياً؛ إذا اقتضت الضرورة لذلك؛ وستدرس أيضاً الخيارات الجوية والبرية والبحرية المتاحة لها، كذلك ألمحت تركيا إلى انها قد تنشر قوات عسكرية في ليبيا إذا طلبت ذلك حكومة السراج.
ويبدو أن هذا ما حدث بالفعل حسبما تؤكد قوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر؛ محذّرة شركات النقل الجوي من نقل الأسلحة باستخدام الطائرات المدنية.
وأفاد تقرير لخبراء من الأمم المتحدة الشهر الماضي بأن «تركيا أرسلت بالفعل معدات عسكرية لحكومة السراج على الرغم من حظر سلاح فرضته عليها الأمم المتحدة».
وأعلنت قوات حفتر أول أمس، أنها «رصدت طائرة بوينغ تنقل عتاداً عسكرياً من اسطنبول إلى ليبيا».
وحذّر المسماري شركات النقل الجوي من نقل الأسلحة باستخدام الطائرات المدنية، وأضاف ان «القوات الجوية لن تتردّد في إسقاط أو استهداف الطائرات التي تقوم بإدخال الأسلحة».
وفي وقت سابق أول أمس، أعلنت القوات البحرية التابعة لخليفة حفتر، «حالة التأهب القصوى، بعد ساعات من إيقاف سفينة تركية قبالة سواحل درنة وإخضاعها للتفتيش».
وأكد رئيس أركان القوات البحرية في جيش حفتر، اللواء فرج المهدوي، أن «القوة البحرية في حالة تأهب قصوى تحسباً لاحتمال دفع تركيا بمزيد من الأسلحة والجنود إلى ليبيا»، تنفيذاً للاتفاق الموقع بينها وبين حكومة الوفاق الوطني، واستجابة لطلب الأخيرة الحصول على دعم لوجستي.
وزعم المهدوي، أن «القوات البحرية مستعدة لكل الفرضيات ولديها من القوة ما يكفيها لصد أي انتهاك تركي للسواحل الليبية»، مشيراً إلى أن «هناك رقابة ومتابعة مفروضة على كل السفن المقبلة إلى الغرب الليبي».
وهدد بأن قوات حفتر «جاهزة للتدخل في أي وقت وتحت أي ظرف، والجيش سيستهدف الأتراك في البحر قبل وصولهم إلى الأراضي الليبية، بعدما استهدفهم براً وجواً، ولن يسمح بدخول أي دعم للميليشيات قد يعيق تقدمه في معركة طرابلس».
وصادق البرلمان التركي، يوم السبت، على مذكرة التعاون العسكري والأمني الموقعة مع حكومة الوفاق الليبية، ولم تتضح بعد طبيعة الدعم العسكري، الذي قد تقدمه تركيا لحكومة طرابلس ولا موعده.
وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قال إن «تركيا ستقف بجانب الحكومة الليبية المعترف بها دولياً حتى يتحقق السلام والاستقرار والأمن».
وقال أكار «إن الإجراءات المتخذة من جانب تركيا مؤخراً أظهرت بأنه لن يتم السماح بفرض أمر واقع في المنطقة، وضمنت حماية حقوق ومصالح تركيا وليبيا.. إن هذه الخطوات اتخذت بما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، لتحديد مناطق الصلاحية البحرية».
في هذه الأثناء قام وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس بزيارة سريعة إلى بنغازي، معقل خليفة حفتر في شرق ليبيا، وذلك لمناقشة الاتفاق المثير للجدل لترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس.
وقال دندياس إن «حكومة الوفاق لا تملك حق إبرام مذكرة التفاهم المذكورة»، فيما اعتبرت أثينا أن الاتفاق يشكل انتهاكاً لقانون البحار الدولي ولحقوق اليونان السيادية وغيرها من الدول.
ووقعت أنقرة مذكرتي تفاهم مع رئيس الحكومة الليبية فائز السراج، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية بتحديد مناطق الصلاحية البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين المنبثقة عن القانون الدول بحسب الحكومة التركية.
من جهة أخرى تلقى وزير الخارجية المصري سامح شكري أول أمس، اتصالاً هاتفياً من «لويجي دي مايو» وزير الخارجية الإيطالي، وصرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصریة احمد حافظ، بأن الوزيرين بحثا التطورات المتسارعة في ليبيا، مؤكدين على أهمية الحفاظ على الاستقرار في حوض البحر المتوسط.
وواصل الوزير شكري اتصالاته المكثفة حول الوضع في ليبيا والبحر المتوسط، حيث استقبل وزير خارجية اليونان «نيكوس دندياس» الذي قام بزيارة سريعة الى القاهرة قادماً من ليبيا.
كما التقى شكري أول أمس، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وذلك لبحث الأوضاع في ليبيا.
على صعيد متصل، كشفت صحيفة واشنطن بوست أن أكثر من «ألف مرتزق روسي تابعين لمجموعة «فاغنر» المرتبطة بالكرملين، يقاتلون في ليبيا، وفقاً لمسؤولين أميركيين وغربيين وقادة ليبيين كبار».
وقالت الصحيفة إنه «بالإضافة إلى الدعم المالي والدبلوماسي الروسيين لحفتر، فإن موسكو قامت بطبع مليارات من الدنانير الليبية لحفتر لدفع رواتب قواته وضم القبائل لدعمه».
وكشفت واشنطن بوست أن مسؤولين أميركيين كباراً التقوا حفتر في العاصمة الأردنية عمّان لإقناعه بقبول وقف إطلاق النار.
وأضافت واشنطن بوست أن «الإمارات التي نشرت طائرات مسيرة في إطار دعمها لحفتر، تعمل الآن مع المرتزقة الروس» لدعمه.وفي ظل هذا التعقيد والتحالفات المختلفة والتصعيد الدولي والاقليمي المتواصل، تنتظر المنطقة سيناريوهات جديدة، خاصة بعد أن دخلت تركيا بنفسها الى الميدان الليبي والذي قد يكلفها ثمناً باهظاً، بحسب الخبراء.