2019.. عامُ الدبلوماسية الروسية
} سماهر الخطيب
شارف العام 2019 على الانتهاء، وشارفنا على وداعه بما حمله من أحداث ومتغيرات، لنستقبل عاماً جديد، مع أمل جديد لإيجاد حلول للأزمات التي أنهكتنا منذ أعوام.
وكان العام 2019 مليئاً بالأحداث التي لم تخلُ من الخطورة وأخطرها الانسحاب الأميركي من اتفاقية الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، رغم التمسك الروسي بها، باعتبارها عاملاً مهماً للاستقرار والأمن العالميين.
لكن الانسحاب الأميركي كان يهدف إضافة إلى محاولة إدخال الصين في هذه الاتفاقية بعد أن أصبحت الصين ثاني ميزانية عسكرية في العالم وتطوّر صناعاتها العسكرية والصاروخية..
كان يهدف أيضاً لنشر الصواريخ على مقربة من الحدود الروسية، في أوروبا الغربية، سعياً من أميركا لإحاطة روسيا بالصواريخ باعتبارها تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي، وفق ما تبنّته استراتيجيتها الدفاعية العام المنصرم، بالإضافة إلى تحقيق التفوق العسكري، وجرّ روسيا نحو سباق للتسلح، يثقل كاهلها ويعرقل الجهود التي تبذلها من أجل تخفيف حدة التوتر في المناطق الساخنة، سعياً منها لحل المشاكل الدولية..
أضف إلى ذلك الامتعاض الأميركي وعدم رضا أميركا عن المكاسب التي تحققها روسيا من وراء الجهود السلمية، التي تبذلها من أجل إعادة النظام العالمي إلى سياسة الأقطاب المتعدّدة، والقضاء على سياسة القطب الواحد المهيمن على العالم.
هذه الجهود الدبلوماسية الروسية انعكست على الدول الغربية نفسها فصارت تختلف مع سياسة أميركا، وتعارض توجهاتها المصلحية، رغم ما أعلنه الناتو في بيانه خلال اجتماعه الأخير بداية الشهر الحالي حول اعتبار روسيا تشكل خطراً على الأمن الأوروبي ووضعها مع خطر الإرهاب كتهديد للأمن الأوروبي، إلا أنّ الاختلاف في الناتو انعكس على الاتحاد الأوروبي الذي تشكل معظم دوله أعضاء هذا الحلف ومن انعكاساته رفض هذه الدول السياسة الأميركية اتجاه روسيا، خاصة بعد رفض الولايات المتحدة ما قامت به بعض الدول الأوروبية من شراكات مع روسيا لتزويد هذه الدول بالغاز الطبيعي الروس، وفرضها عقوبات على كل الشركات التي تساهم في تنفيذ مشروع «السيل الشمالي – 2» المفيد والمربح للاقتصاد الغربي، وهو ما جعل هذه الدول ترفض السياسات الأميركية وترى فيها عائقاً أمام مصلحتها ومصلحة شعوبها في سبيل إرضاء للذات الأميركية الأنانية..
وفي الحديث عن الجهود الروسية الدبلوماسية والسلمية والتي باتت تقلق وتؤرق الحاكم الأميركي وخاصة خلال العام المنصرم ما قامت به روسيا في أفريقيا وتنامي الحضور الروسي هناك من أجل مد يد العون للدول الأفريقية والمساهمة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الهامة والضرورية لتحسين مستوى معيشة الشعوب الأفريقية..
كذلك، كثفت روسيا جهودها لتخفيف حدة التوتر في منطقة الخليج، وقدمت مبادراتها لتعزيز الثقة المتبادلة بين دول هذه المنطقة، فطرحت نظريتها للأمن الجماعي في منطقة الخليج، لتثبت من جديد بأنها وسيط فعّال في حل المشاكل الدولية، وبأنها قادرة على دفع هذه المشاكل نحو السلم وحسن الجوار.
ولقد رأينا في تشرين الأول عام 2019 الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وقيل وقتها بأن الرئيس بوتين حمل معه عرضاً خلال هذه الزيارة، لاستضافة حوار مباشر بين السعودية وإيران في منتجع سوتشي على البحر الأسود..
كما أنّ محصّلة الزيارة كانت العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي زادت عن 20 اتفاقية في مجالات الطاقة والفضاء والصحة والثقافة وغيرها.
كما بذلت الدبلوماسية الروسية جهوداً جبارة لحل المشكلة السورية، عبر اتباعها دبلوماسية الأطراف والتوفيق بين أطراف الصراع في سورية وصولاً إلى التعاون مع تركيا وإيران، والتي تسمّى الآن بـ»الدول الضامنة للسلم في سورية»، وفق ما شهده اتفاق «أستانة» والذي تحوّل ضمانة قوية وأكيدة، لإحلال السلم والاستقرار في سورية تدريجياً، رغم كل الصعاب التي يواجهها تحقيق هذا الهدف.
وحالياً تشهد المشكلة الليبية جهوداً روسية لحلها عقب تردّد الفرقاء الليبيين المتنازعين على موسكو، وطلبهم منها الوساطة لحل الخلافات بينهم..
كما تشهد أزمة سد النهضة الأثيوبي حضوراً روسياً لتقارب وجهات نظر الدول الأطراف «مصر وإثيوبيا والسودان»..
أضف إلى ذلك عودة الحوار الروسي الأوكراني في اجتماع النورمندي وظهور بوادر لحلحة الأزمة بينهما.. كذلك ثقة الدول اللاتينية بالسياسة الروسية عقب فشل السياسة الأميركية في إشعال دول أميركا اللاتينية وتفتيتها من الداخل..
وبالتالي بات الفارق شاسعاً بين السياستين الروسية والأميركية في الساحة الدولية، وأصبح هذا الفارق ملموساً وواضحاً لشعوب العالم، فلم تعُد تنطلي الأكاذيب الأميركية حول «الخطر الروسي»، كما لم تعُد الشعوب ساذجة لتصدق تلك المزاعم المهرطقة والتي تنطوي على خوف أميركي من فقدان الزعامة العالمية وتحوّلها إلى توازن عالمي بحيث تتوزّع هذه الزعامة بين الأقطاب العالمية ليعود العالم متعدّد الأقطاب تحكمه الشرعة الدولية وليست الأميركية والقانون الدولي وليس المصلحة الأميركية التي تصيغ القانون وفق أهوائها، وهذا ما لمسته ورأته الشعوب قبل حكامها، ولذا تنشد هذه الشعوب وحكامها الصداقة الروسية والتقارب الروسي.
وبالرغم من هذه السياسة الروسية التي تقوم على الحضور الدبلوماسي والسلمي لحل الأزمات الدولية، وحصولها على الرضا والقبول الدولي، ورغم هذا التفاؤل بالجهود الروسية السلمية إلا أننا سننتقل إلى العام الجديد ومعنا أزمات عالقة، وأبرزها بالنسبة لعالمنا العربي، هو الأزمة السورية واليمنية والليبية والعراقية وكذلك اللبنانية وغيرها..
كما أنّ أميركا لن تسلك مسلكاً سلمياً، ولن تسعى إلى رأب الصدع بين الأطراف المتنازعة مثل روسيا، بل ستسعى لتأجيج النزاع بين الأطراف المتنازعة وتخويف هذه الأطراف من بعضها البعض، من أجل الاستفادة قدر الإمكان من ثروات الشعوب وبيع المزيد من الأسلحة والصواريخ بمليارات الدولارات.فيما تبقى إرادة الشعوب وحكامها الوحيدة القادرة على تحقيق الوفاق بين كل أبناء الوطن الواحد المختلفين بينهم، سواء أكانوا ليبيين أو سوريين أو عراقيين أو يمنيين أو لبنانيين.. إذا ما أردنا الاستقرار والأمن لمنطقتنا، علينا النظر لمصلحتنا بعيداً عن مصالح المؤججين للصراع بين أبناء وطننا حتى ننعم بالسلام والطمأنينة..