تصعيد أميركي على الحدود السورية العراقية باستهداف الحشد الشعبي… ودعوات لرحيل الاحتلال قادة المقاومة يَعِدُون الأميركيين بردٍّ مؤلم… وتضامن شعبي سياسي بوجه الأميركي فشل دعوات ملء الساحات في الأحد الثاني… ولا زال هناك شهر من مهلة ولادة الحكومة
كتب المحرّر السياسيّ
كما توقعت “البناء” فرض الحدث العراقي نفسه مشهداً رئيسياً في المنطقة يرسم ما سواه، ويترك بصمات لا يمكن تجاهلها على كل المسارات السياسية التي يتوقف نجاحها على تفاهمات أو عدم ممانعة على المستويين الإقليمي والدولي، كحال الحكومة اللبنانية الجديدة، ليشكل التصعيد الأميركي في العراق، وفي سورية ضمناً، بداية مرحلة جديدة لن يكون من السهل تخطّي تداعياتها، حيث تتقابل للمرة الأولى قوى المقاومة في المنطقة مع القوات الأميركية المنتشرة في كل من العراق وسورية، حيث تحظى في العراق بتغطية الحكومة العراقية، وتفتقد لمثلها في سورية، وجاءت الغارات الأميركية على قواعد تابعة للحشد الشعبي العراقي في مناطق حدودية بين سورية والعراق إعلان نهاية مرحلة كان الأميركيون يتصرفون فيها وفق قاعدتين: الأولى عدم التورط في مواجهة يدركون أنها ليست لمصلحتهم، بعدما قال قادتهم العسكريون مراراً إن التورّط في أي مواجهة سيعني بداية فقدان الغطاء الحكومي للتمركز في العراق، كما سيعني في العراق وسورية الحاجة للاستعداد لحرب طويلة ومكلفة تجنّبوا خوضها عندما كانت الجماعات المؤيّدة لهم قادرة على الإفادة منها لتغيير وقائع الميدان، سواء في مواجهات الجنوب ومنطقة الغوطة في سورية، أو خلال إعلان قادة كردستان العراق انفصالهم، ويشكل التورط فيها اليوم كلفة أعلى ورهانات أقل بكثير لتحقيق أي مكاسب. وتعني هذه المواجهات عملياً جعل عنوان المواجهة مع الأميركيين كاحتلال أجنبي يطغى على ما عداه في العراق وسورية، ويقدّم كل مناوئ لقوى المقاومة كعميل للاحتلال، ويحجب الضوء عن كل ما كان موضع رهان أميركي لتحجيم قوى المقاومة في العراق وحتى في لبنان، ويبدو التصعيد ضمناً إعلان فشل الرهان على هذا التحجيم وسعياً لترسيم توازنات تنتجها المواجهة، التي لا يريد الأميركيون لها التحول إلى حرب، وتتيح مقايضة الانسحاب لاحقاً بتفاهمات تتصل بمصالح أشد حيوية، بعد أن تنتزع المواجهة الإحراج عن أي انسحاب يسببه الطلب الإسرائيلي بمقايضة مكاسب لأمن كيان الاحتلال بأي قرار انسحاب أميركي مفترض.
الدعوات في العراق للانسحاب الأميركي بدأت، وبيانات التنديد بالعدوان الأميركي تجاوزت خطوط الانقسام السياسي، فشاركت فيها الرئاسات العراقية رغم خلافاتها على الشأن الداخلي، وكان لافتا بيان الرئيس العراقي برهم صالح، وخرجت أصوات قوى سياسية تناوئ تحالف البناء الذي يمثل الحشد الشعبي نيابياً، لتعلن التضامن مع الحشد والمقاومة وتندّد بالعدوان، وأهمها كان لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ولرئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، بينما أكدت قيادات الحشد الشعبي على عزمها على ردّ مؤلم على العدوان الأميركي، وشهدت بغداد إطلاق قذائف صاروخية على قاعدة التاجي التي يتمركز فيها جنود وضباط أميركيون.
مصادر سياسية متابعة توقعت أن يُرخي الحدث العراقي بظلاله على مساعي تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، حيث يصعب توقع التعامل الأميركي إيجاباً مع حكومة تدعمها قوى المقاومة، بينما يمكن أن تتطابق مهلة الشهر العراقي اللازم لتبلور المشهد الجديد بعد التصعيد، مع مهلة الشهر الباقية من عمر المهلة التي حدّدها الرئيس المكلف حسان دياب لولادة حكومته، بعدما مرّت عشرة ايام من الأسابيع الستة التي توقعها لولادة الحكومة، التي تحتاج لهذا الوقت لإنضاجها على نار هادئة، يوفرها مناخ شعبي مؤاتٍ عبّر عن نفسه بخلو الساحات من الحشود التي تمّت دعوتها للمرة الثانية في يوم الأحد الذي يشكل ذروة الحضور في الساحات. وهذا وفق مصادر متابعة للحراك تعبير عن منح الناس فرصة للرئيس المكلف خلافاً للدعوات التحريضية ضده، التي لا تجد إلا بعض مناصري تيار المستقبل للتجاوب معها.
يبدو أن مسار التأليف لا يزال متعثراً، فالاتصالات واللقاءات بين المعنيين لم تنجح في أن تبصر الحكومة النور قبل انتهاء العام 2019.
وأمام هذه المعطيات، تشير مصادر مطلعة لـ»البناء» إلى أن عدم التفاهم بين الرئيس المكلف وقوى أساسية في 8 آذار، حيال بعض الأسماء التي طرحها دياب سواء المتصلة بالتمثيل الشيعي أو المسيحي وحتى الإسلامي لا سيما أن الكثير من الأسماء السنة المستقلين رفضوا المشاركة في الحكومة تلافياً لأي توتر في العلاقة مع تيار المستقبل، فضلاً عن أن الرئيس المكلف لم ينجح حتى الساعة في التفاهم مع تيار المستقبل ودار الإفتاء.
أكد مصدر مقرّب من الرئيس المكلف حسان دياب لـ”اندبندنت عربية” أن “الأسماء التي ستُطرح تشبه البورصة، تتصاعد أسهم أحدها نهاراً لتعود وتهبط ليلاً ومن يقول إنه يعرف أسماء الوزراء وموعد التأليف، يكون ذلك نتيجة لتوقعاته ليس إلاّ”.
وعن القبول بحكومة تكنوقراط مع الرئيس المكلف ورفضها مع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، يقول المصدر “ليس بالإمكان وجود شخصية مستقلة تماماً أو غير ملوّنة سياسياً، وهذا ليس عيباً، وتصعيد الحريري وتمسّكه بشروطه كان لإرغام الفريق الآخر على تقديم التنازلات، لكن البلد ليس في وضع يمكّنه من الترف السياسي وتضييع الوقت والانتظار. ومع هذا حاول الثنائي الشيعي وعلى مدى 57 يوماً بعد الاستقالة، حثه على القبول. يكون الحريري تخوّف من العودة وإضاعة ما تبقّى له من رصيد سياسي، هو الذي استقال بناءً لرغبة الشارع، من ضمنه شارعه أيضاً”.
أما بخصوص شكل ولون الحكومة، فيؤكد المصدر ذاته أن حكومة حسان دياب ليست من لون واحد. والحكومة ستتألف من 18 وزيراً، تسعة مسلمين وتسعة مسيحيين، كما أن دياب سيأخذ في حسبانه ستة أسماء من النساء.
وعلم أن تمّ الاتفاق على دمج 4 وزارات، في سياق مسعى دياب لعدم عودة الوزراء السابقين الذين كانوا قد شاركوا في الحكومة السابقة.
وأكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله «أننا لا نريد تحديد أوقات، فعملية التشكيل منوطة بالرئيس المكلف ورئيس الجمهورية وتحتاج إلى توفير أغلبية نيابية، والرئيس المكلف هو من يجري نقاشات مع الكتل للوصول إلى توافقات»، مضيفاً «نحن في حزب الله نحاول قدر الإمكان أن نساعد وأن يكون هناك مناخ معقول لتولد الحكومة وتبدأ العمل، وكل ما تحتاجه هذه الولادة من مساعدة وتسهيل وتعاون بيننا وبين الرئيس المكلف وحلفائنا، نقوم به». وسأل «لماذا الاستعجال في إطلاق الأحكام المسبقة على الحكومة التي لم تنجز بعد». وتابع «قلنا للجميع تعالوا إلى التعاون لتشكيل حكومة تنقذ البلد. فالمرحلة ليست مرحلة نكد أو زعل أو تصفية حسابات سياسية ولا تحقيق مكتسبات ولا إثارة الناس ضد بعضهم البعض».