لماذا الحرب الأهلية ممنوعة في لبنان؟
د.وفيق إبراهيم
تُغامر بعض القوى اللبنانية المتراجعة في الاستثمار بتحريض الشارع بأسلوب طائفي تقليدي لاسترجاع خسائرها البنيوية في النظام السياسي.
فتستفيد القوى المتطرّفة بدورها من «هذه اللعبة» بالعودة الى سطح الأرض والخروج من مخابئها وأوكارها.
وتندمج «بالشارع» عبر إطلاق شعارات نقابية سطحية، تتحوّل تحريضاً لحقوق طائفية ومناطقية مذهبية، وصولاً إلى إتهام إيران وسورية وحزب الله وخصوصاً سلاحه بهذه المسؤوليات.
هناك قوى سياسية أخرى من طوائف مختلفة ومتراجعة بدورها على المستوى السياسي، تندسّ في الاستثمار بلعبة الشارع، وبالشعارات نفسها لتحسين شروط عودتها إلى النظام السياسي أو تلبية لتحريض خارجي يعدها بتموضع جديد وقوي في إدارة الدولة.
هذه القوى الثلاث ترى في الحراك اللبناني ضالتها، فلا يجد الإرهابيون والطائفيون والقوى المالية الكبرى مانعاً من التحول الموقت الى قيادات تطالب بحقوق الفقراء والمعوزين وصولاً إلى المزاعم الميثاقية والطبقية للطوائف.
فيما يعرف الجميع أن القوى الإرهابية هي مذهبية معادية لأبناء المذاهب الاخرى والطوائف وتعمل على المدى الأممي.
فداعش والاخوان وحواملهما، هي تنظيمات تعتبر التركي والأندونيسي والايغوري والخليجي… وكل الجنسيات الاخرى «مجاهدين» متساوين معها في ايديولوجيا واحدة وعالم إسلاموي واحد.
لجهة اصحاب الرساميل فيستثمرون عند تراجعهم السياسي بالطائفية، التي تشكل خط الدفاع الأخير عن مصالحهم وبفتوى دينية تجعلهم في مصاف أمراء المؤمنين.
أما أحزاب الطوائف الأخرى المندسة بدورها في الحراك، فيجيدون الانسحاب وتغيير المواقف وفقاً للمطالب الخارجية وانتزاعهم مكاسب جديدة في دوائر النظام وليس في الشارع.
تبدو الضحية هنا هي «الشارع» بتنوّعاته من فقراء لبنان الذين سرعان ما يجدون أنفسهم مصابين بتورم طائفي يخفي المزيد من العوز والفقر ولا يقلصه ولو قيد أنملة.
هناك ضحية أخرى وهي الانتفاضة الشعبية التي تعتقد أنها تمسك بمفاتيح الشارع فيما هي لا تلوي بالحقيقة على أي شيء سوى أنها ذاهبة الى إنتاج المزيد من الاحتقان المذهبي والطائفي المتسلل الى صفوفها والى حدود ابتلاعها وهي معتصمة بالصبر والضعف.
بذلك تسمح لقوى الطوائف بانتاج تسوية سياسية جديدة تعاود إحياء نظام طائفي جديد لنصف قرن على الأقل.
لذلك فإن لعبة الشارع خطيرة وضحاياها اثنان: حقوق فقراء لبنان وتلك الانتفاضة الصامتة التي لا تُنظف نفسها حتى الآن من دنس الطوائف.
هنا تجد القوى في التيار الوطني الحر وحزب الله والاحزاب الوطنية وحركة أمل وتنظيم المردة والأرمن واللقاء التشاوري والحزب الديموقراطي اللبناني والشخصيات المستقلة، يجد هؤلاء أنفسهم مضطرين لدعوة مناصريهم الى الابتعاد عن «الشارع» خشية تحقيق ما يريده المشروع الاميركي والتنظيمات الجهادية الارهابية، وبعض القوى اللبنانية التي تريد أن تدفع نحو تصادمات أهلية بعيارات لا تصل إلى حدود الحرب الداخلية، إنما إلى مستوى التلويح بها لإخافة الآخر وجعله يتنازل لها عن خسائرها السياسية في الانتخابات الاخيرة من جهة وتراجع تغطياتها الاميركية ـ الخليجية من جهة أخرى.
بالمقابل يبذل الفريق الوطني جهوداً جبارة لمنع الانزلاق نحو الفتنة الداخلية بوسيلتين: ضبط فئاته المتنوعة حزبياً وطوائفياً من إبداء أية ردود فعل على التحشيد الطائفي، حتى الضيق منها، وتسهيل مهام رئيس الحكومة المكلف حسان دياب في تشكيل حكومة تكنوقرط بأسرع وقت ممكن، لأنها المؤسسة الدستورية الوحيدة القادرة على توفير مسكنات سريعة وعلاجات عميقة للانهيار الاقتصادي اللبناني، هذا إلى جانب حقها القانوني بتوجيه الأمن اللبناني لحماية الشارع بمدنييه وحراكه.
لكن حزب الله الذي يؤدي أدواراً داخلية وخارجية تنتج استقراراً وطنياً في لبنان، يدرك مدى استهدافه من الأميركيين والموالين لهم في الداخل، ما يدفعه لبذل جهود رصد ميداني استطاعت حتى الآن الكشف عن تنسيق بين تنظيمات إرهابية سورية وبين بعض المندسين في انتفاضة اللبنانيين.
كما أماطت اللثام عن جهود تركية لاستعمال بعض «التنظيمات الإسلامية» في سبيل تأمين أهمية للدور العثماني في لبنان، وتحفظ الحب عن كشف معلومات تتعلق بعلاقات بين دول عربية على رأسها الإمارات، مع تيارات في الانتفاضة.
هذا الى جانب تحرك كبير لمخابرات إسرائيلية تعمل بطريقتين: مباشرة وأخرى من خلال فلسطينيين يعملون معها ولديهم تأثيرهم على مجموعات من المخيمات، هنا يجوز التمعن قليلاً في هوية الكثير من المتظاهرين من جهة طريق الجديدة عند حدودها مع شارع بربور مقرّ حركة أمل ومدى محاولات افتعال فتنة لم تلقَ صداها عند جماعة «الأستاذ». هذا من دون نسيان جهود الجيش اللبناني في هذا المجال والتنويه بها.
يتبين أن الحرب الأهلية ممنوعة من جانب حزب الله وحلفائه ولن ينجروا إليها مهما تصاعدت الاضطرابات المفتعلة.لكن المطلوب الاستعجال في تشكيل الحكومة للخروج من حالة «الفراغ» الدستوري الحكومي المعمول عليها أميركياً من لبنان إلى العراق، أي أنها مُصنّعة للوصول إلى الفوضى والاحتراب الداخلي، والغاء الدور الداخلي والخارجي لحزب الله، تمهيداً لإعادة فبركة لبنان جديد، يقوم على تهجير المسيحيين منه، كما قال الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي للكاردينال الراعي من أن موقع مسيحيي الشرق هو في الغرب وتوطين الفلسطينيين وقسم من السوريين. هذا ما يؤكد أن المعركة الحالية، هي حرب الدفاع عن لبنان لمنع إلغائه ووضعه في خدمة مصالح «اسرائيل» وبعض الدول العربية المتواطئة معها والمشروع الاميركي في الشرق الأوسط.