مأزق أميركا
} حسن حردان*
لماذا أقدمت إدارة العدوان في واشنطن على ارتكاب جريمة اغتيال الشهيد المقاوم قائد فيلق القدس في حرس الثورة الإسلامية الإيرانية، الفريق قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في هذا التوقيت، مع انها تدرك ان لمثل هذه الجريمة ستكون لها تداعيات وانعكاسات سلبية على النفوذ الأميركي في العراق وعموم دول المنطقة وسيقود إلى تصعيد في المواجهة وتعريض القوات الأميركية لهجمات قاسية من رجال المقاومة العراقية، هذا عدا عن الردّ القاسي الذي وعدت به القيادة الإيرانية..
هذا السؤال طرح مباشرة فور حصول جريمة الاغتيال الغادرة… وطرحت معه الأسئلة بشأن دخول الولايات المتحدة مباشرة على خط الصراع، بعد أن كانت تستخدم أدوات الحرب غير المباشرة… ما يشكل خروجاً عن القرار الذي اتخذته واشنطن بعدم التورّط في حروب مباشرة جديدة..
من الواضح أنّ واشنطن عمدت إلى التخطيط وتنفيذ هذه الجريمة والإعلان رسمياً عن تبنّيها، جاء بعد أن أفلست استراتيجيتها الاستعمارية غير المباشرة في تحقيق أهدافها في تعويم مشروع الهيمنة الأميركية الأحادية في المنطقة والعالم… وتجسّد هذا الإفلاس بالآتي…
اولاً: إنّ الحروب الإرهابية التي شنّتها الولايات المتحدة بوساطة أدواتها من التنظيمات الإرهابية وفي طليعتهم داعش والنصرة، صنّاع الاستخبارات الأميركية، باعتراف المسؤولين الأميركيين أنفسهم، أخفقت في تحقيق أهدافها، بفعل نجاح محور المقاومة في إلحاق الهزيمة بهذه التنظيمات الإرهابية، والتي كان للقائد المقاوم سليماني الدور الكبير في الإسهام في صناعة سلسلة الانتصارات على الإرهابيين في العراق وسورية، إلى جانب القادة المقاومين في العراق وسورية ولبنان.. على انّ هزيمة داعش وأخواتها أدّت إلى توجيه ضربة موجعة وقاسية للمشروع الأميركي الاستعماري، وبدأ يظهر معها تنامي وتزايد قوة محور المقاومة، كمّاً ونوعاً وقدرة، فيما جاء التحوّل التحرّري في اليمن بقيادة أنصار الله ونجاح المقاومة اليمنية في الصمود في مواجهة الحرب الأميركية السعودية وإحباط أهداف العدوان، جاء ليوسع من جبهة المقاومة ويضعف من النفوذ الأميركي والأنظمة الرجعية الدائرة في فلكه.. مما أثار القلق لدى دوائر القرار في واشنطن وتل أبيب..
ثانياً: أما الحرب الناعمة التي سارعت الإدارة الأميركية إلى استخدامها، بعد فشل الحرب الإرهابية، فقد وصلت هي الأخرى إلى تعثر، فالحرب الاقتصادية ضدّ إيران وسورية والمقاومة في لبنان لم تنجح في إخضاعهم وفرض الشروط والإملاءات الأميركية، وأدوات الحرب الناعمة من إعلام ومال واستغلال للأزمات الاقتصادية التي أجّجها الحصار الاقتصادي والمالي الأميركي، لم تنجح في قلب المعادلات السياسية في العراق ولبنان، وفشلت في تأليب الشعب الإيراني ضدّ قيادته التي نجحت في الردّ على الحصار بتعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليص الاعتماد على عائدات النفط إلى مستوى يقترب من الصفر.. فيما الصعوبات الاقتصادية التي تواجه سورية والعقبات التي تضعها الدول الغربية أمام ورشة إعادة إعمار ما دمّرته حربهم الإرهابية، لم يحل دون إصرار واستمرار عمليات الجيش السوري وحلفائه للقضاء على ما تبقى إرهابيين في محافظة إدلب وبعض ريف حلب…
ثالثاً: أمام هذا الفشل لحروب أميركا، الإرهابية والناعمة، كان من الطبيعي ان تدخل الولايات المتحدة في مأزق حقيقي، فهي غير قادرة على تعويم مشروع هيمنتها، ولا على إضعاف وإخضاع دول وقوى المقاومة، فيما كيان الاحتلال الصهيوني، أداتها الاساسية، بات يعاني من أزمة بنيوية ناتجة عن هزائمه أمام المقاومة في لبنان وقطاع غزة، وتآكل القوة الردعية لجيش الاحتلال، في مقابل تزايد قدرة الردع لدى محور المقاومة.. في حين تراجع نفوذ ودور السعودية التي تشكل المرتكز الرجعي الأساسي الذي يخدم الإستراتيجية الاستعمارية الأميركية، وباتت قدرة تأثيرها في الأحداث في المنطقة ضعيفة نتيجة غرقها في حرب استنزاف كبيرة في اليمن وعدم قدرتها على تحقيق النصر فيها.. بينما بدأت دول إسلامية كبرى الاتجاه نحو تشكيل نواة تكتل إسلامي جديد يضعف من مكانة السعودية ودورها في قمة المؤتمر الاسلامي..
أمام هذا المأزق الذي باتت تتخبّط فيه السياسة الأميركية، وجدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسها، وهي على أبواب الانتخابات الأميركية، تعاني من الفشل لعدم قدرتها على تحقيق ايّ إنجاز يعوّض خسارة أميركا في المنطقة، ويمكن ترامب من استخدامه ورقة تعزز وضعه الانتخابي، في ظلّ حملة يشنّها الحزب الديمقراطي ضدّه تحت عنوان إساءة استخدام السلطة.. في ظلّ هذا المأزق الأميركي الصهيوني، أقدمت إدارة ترامب على ارتكاب جريمة اغتيال القائد سليماني، والقائد المهندس، في محاولة يائسة لتحقيق نصر معنوي يظهر ترامب بأنه نجح في تحقيق إنجاز في مواجهة محور المقاومة.. لكن كما هو معروف فإنّ اغتيال القادة المقاومين لا يؤدّي سوى إلى تجذّر وتأجّج شعلة المقاومة، ودماء الشهداء القادة تزيد من شعبية المقاومة، وتدفع بقادة جدد لتقدّم الصفوف ومواصلة مسيرة تحقيق المزيد من الانتصارات.. ولهذا فإنّ الجريمة الإرهابية الأميركية سوف تشكل بداية مرحلة جديدة في مقاومة الاحتلال الأميركي لتسريع رحيل القوات الأميركية عن العراق.. لأنّ واشنطن لن يكون أمامها من خيار سوى الرحيل، وإلا واجهت ضربات المقاومة التي تستنزفها ليبدأ بعدها مشهد توابيت الجنود الأميركيين تنقل إلى الولايات المتحدة، وبالتالي إما تنزلق الى حرب جديدة لا قدرة على تحمّل تكاليفها الباهظة، أو ترحل وتفكّك قواعدها في العراق قبل أن تغرق في المستنقع من جديد.. ولذلك قال نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بأنّ «ترامب رمى إصبع ديناميت في برميل من البارود باغتيال سليماني»، وهذا يذكرنا بما قاله كتاب أميركيون، عشية الغزو الأميركي للعراق، بأنّ واشنطن دخلت إلى عش الدبابير.. وهو ما حصل فعلاً في النهاية.. وكانت هزيمتها.. انّ استشهاد القائد سليماني فتح معركة مقاومة القوات الأميركية المحتلة لإجبارها على الرحيل وإنهاء حلم واشنطن بإحياء مشروع هيمنتها على العراق.. ويمكن القول إنّ شهادة سليماني، كما القادة الشهداء، أعطت زخماً جديداً للثورة الإسلامية الإيرانية الظافرة، والتي عبّر عنه في التظاهرات التي عمّت المدن الإيرانية تنديداً بالجريمة التي اقترفتها أميركا، كما ستعطي، شهادته، زخماً للمقاومة ومحورها لاستكمال الانتصارات على طريق تحقيق مشروع التحرّر من الهيمنة الاستعمارية الغربية، وتدشين معركة تحرير فلسطين من المستعمرين الصهاينة…
*كاتب وإعلامي