اغتيال سليماني خطأ استراتيجي وعواقبه استراتيجية
} سماهر الخطيب
أثارت عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بغارة أميركية على مطار بغداد، مخاوف من نشوب صراع عسكري بين إيران والولايات المتحدة، التي تعدّ هدية لـ»داعش» وجميع الإرهابيين في المنطقة لما سجله هذا القائد من انتصارات خلال مسيرته ضدّ الإرهاب..
وتسجّل هذه العملية في خانة الخطأ الاستراتيجي المضاف إلى قرارات الرئيس الأميركي الخاطئة والتي توالت خلال سنوات إدارته ليختم هذه الإدارة بهذا القرار الخاطئ والذي ستكون له تداعياته على الداخل الأميركي والخارج أيضاً، بخاصّة أنّ القوات الأميركية في مرمى الصواريخ الإيرانية.. ما يؤدي إلى مزيد من انعدام الأمن والعنف في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وبات السؤال كيف سيكون هذا الرد المحتمل وما ساحات المواجهة الإيرانية الأميركية المحتملة؟.. وسط توقعات الإعلان عن الحرب في أي لحظة التي سيكون مسرحها في العراق أو سورية أو حتى الخليج، وإذا ما قرّرت إيران مواجهة الولايات المتحدة، فسيستعدّ العراق لأكثر الأيام صعوبة فربما سيكون مسرحاً لتلك المعركة.
ورغم ما قالته وزارة الدفاع الأميركية في بيانها بأن «العملية تهدف إلى ردع خطط الهجوم الإيراني المستقبلية»، حيث حذّرت من أنها ستتخذ «جميع الإجراءات اللازمة لحماية الأميركيين ومصالح البلاد في جميع أنحاء العالم».. لكنها لم تحسب أنّ جميع تلك الإجراءات التي ستتخذها سترتدّ عليها بالفشل وزيادة الخطورة على مصالحها في جميع أنحاء العالم وهي تشعر بهذا الخطر الذي كان سبب إعلان البنتاغون موافقته على إرسال ثلاثة آلاف جندي إضافي إلى المنطقة.
والملاحظ أن منطقة المواجهة الأميركية الإيرانية منطقة شاسعة جداً تمتدّ من الخليج إلى العراق وسورية ولبنان واليمن، وحتى شبه القارة الهندية.
وتشمل هذه المنطقة مضيق هرمز وبحر عمان ومياه الخليج، حيث تتمركز قوات هامة من الحرس الثوري الإيراني، العمود الفقري للقوات الإيرانية والتي كان الجنرال سليماني يرأس فيلق القدس العامل تحت لوائها.
ولا يمكن الاستهانة بالأيام المقبلة فما بعد عملية الاغتيال ليس كما قبلها، وما ستشهده المنطقة من تسابق بين الدول لإعادة تسجيل أدوارها ستكون له تبعاته المشرذمة وفق تشرذم مصالح الأطراف وسيكون للكيان الصهيوني حصّة الأسد من هذا الرّد الذي لطالما كان يؤرقه ويرعبه وجود هذا القائد الذي يمثل «رأس حربة إيران» بالنسبة إلى القادة الصهاينة..
كما أنّ إيران تمتلك خريطة أهداف برية وبحرية تحدّث عنها المسؤولون الإيرانيون فالقواعد العسكرية الأميركية الموجودة في المياه الخليجية تقدّر بنحو ثلاثين هدفاً عسكرياً، وعلى مستوى المناطق البرية يوجد حوالي مئتي قاعدة عسكرية أميركية في محيط إيران، جميعها يمكن أن تكون مكاناً للاشتباك وساحة للرّد..
أضف إلى ذلك حلفاء إيران المنتشرين في كل مكان، ما يرجّح الرد في أي منطقة من هذه المناطق الشاسعة، وقد تمتد خريطة الأهداف المحتملة للرد الإيراني إلى أفغانستان وباكستان.. إذ تستفيد إيران من المساحة الجغرافية الواسعة التي تسيطر عليها أو تتمركز فيها، سواء عبر قواتها أم عبر حلفائها، ما يسهّل الرد بالتنسيق مع «أذرعها» في مناطق انتشارها..
وقد يسقط الإيرانيون طائرة عسكرية أميركية مسيرة، أو يزرعون ألغاماً بحرية في منطقة الخليج، أو يهاجمون منشآت نفطية لحلفاء أميركا في المنطقة.. إنما هذا الرّد الغامض المكان والزمان لن يستثني زيادة التوتر في المنطقة وسيرفع من منسوب الخطر المحدق فيها مع ما تعانيه العراق ولبنان واليمن وسورية من حصار اقتصادي وحرب للمصالح على أراضيها..
وإذا استبعدنا المواجهة العسكرية المباشرة بين الجانبين، باعتبار أنّ إيران تعتمد في استراتيجيتها تجنب المواجهة العسكرية المباشرة والقيام بخطوات أمنية وعسكرية متفرّقة ومتباعدة، تحول دون إعطاء الولايات المتحدة مبرراً لشن عملية عسكرية واسعة ضدّها، بل تسعى إيران في استراتيجيتها إلى إحراج الولايات المتحدة وإظهارها بمظهر الضعيف والخاسر..
وباعتبار الإيرانيين لهم باع طويل في التخطيط والتكتيك والتفاوض، فإنهم يتفادون أي ضرر يجعلهم يخسرون المواجهة برمّتها مع الولايات المتحدة، لكنّ التصعيد خطير اليوم. فالعملية كانت اغتيال شخصية في وزن وأهمية الجنرال سليماني، وهو ما يجعلنا أمام سيناريو المواجهة العسكرية الذي زاد بشكل دراماتيكي بعد عملية اغتياله. لكن ما هو أكيد أنّ خريطة المنطقة وتحالفاتها ستشهد تحولاً جذرياً بدءاً من العراق الذي تكاتف قادته جميعاً تحت لواء كلمة منع التدخل الأميركي في شؤونه، وكذلك الإدانات الواسعة لهذه العملية من دول العالم أجمع، ستجعل العالم يقف على قدم وساق بانتظار ما سيحدث من عواقب لم يدرك ترامب حيثياتها وتداعياتها..