نورس القصيدة العمودية الدكتور عماد الدين طه… متورّط بالشعر بزخم الحضور
} رنا محمد صادق
«القدس ملّت من قصائدنا، وما
صنعت حروفاً حين غادرت الفما
طفلٌ شهيدٌ والمزغرد أمّه
أقصيدة من شعرنا تكفيهما»!
أبياتٌ ألقاها الشاعر د. عماد الدين طه على الفنان التونسي لطفي بوشناق أثناء مرورهما في شارع الميدان ـ دمشق بعد أن رجا الأخير عماد الدين قصيدة لعزيزته فلسطين. وكانت البداية الحقيقية، لروحيّة الشعر العربي لدى نورس الشعر العمودي عماد الدين طه.
حديثٌ غير اعتيادي مع شاعر استثنائي، من ناحية الكلمة، الأذن الموسيقيّة، والإلقاء، وخلاله تمكّن عماد الدين أن يجذب اللقاء بلهفة متواضعة.
صدفةٌ تورّط بالشعر دون أي إنذار، حيث ابتعد فيه عن مجاله الأساسي في هندسة الكمبيوتر، وبصدمة عاطفية كجنون العاشق المألوفة فجّر قصائده.
من لقطاته الجميلة وذكرياته الحلوة مع كبار النجوم الذين تركوا بصمات في مجال الفنّ، روايته القصيرة مع الفنان رفيق سباعي (رحمه الله)، حين كان بضيافته ونقده الأخير قائلاً: «شعرك حلو، لكنك تكتب للمثقفين والنخبة»، ولم يردّه عماد الدين خائباً فهاتفه قائلاً:
«… قال ما بحكي بالسياسة لك بحكي ليش الكذب!
لا الي مطمع بالكراسي ولا بدي موكب حراسي
ولاني محصور بحزب… أي والله ليش الكذب!
بس قلبي على بلدي وما تنكسر جرّة
مو تندبح أطفال مالن ذنب، يا خال
هني أمل بكرا، اسمه الشهيد بكرا!
مستقبله رسّام
مستقبله أحلام
مستقبله فنان
مستقبله شجرة؟ حجرة؟
وينك رسول الله لا تقطعوا شجرة!
أنا شايف الطرفين وعم ينحرق دمّي…
لك هذا ابن أخي وهذا ابن أمي
وهذا عريس جديد عم يخدم بالتجنيد
راجع بيوم العيد
بكفّي!».
في صفحاته الأولى من ديوانه «لمسة وفا» يقول د. عماد الدين: كنت في عامي الأربعين عند إصدار ديواني الأول «بصمة قلب» وقد أهديت النسخة الأولى لوالدي الدكتور المهندس صبحي علي طه، أما النسخة الثانية فكانت لمعلّمي الدكتور العلّامة أسعد علي.
وكان من جميل حظي أيضاً أن أهدي النسخة الثالثة للشاعر العربي الكبير «أحمد فؤاد نجم» أثناء زيارتي الأولى في منزله فيحي المقطّم في مصر المحروسة، ونشأت بيننا صداقة حميمة امتدت إلى حين رحيله».
من خلال هذه المقتطفات من المقدّمة نتلقّى لطافة الدكتور وما تعنيه له الذكريات، يحتفظ بها، يتركها في الصندوق ويفجّرها حين يجب، ويستذكرها… لا يترك عماد الدين المكان، أو الزمان وراءه بل يحملهما وينقلهما بخاصية تشبهه إلى حدّ ما، يعبّر عنهما، وينقل إحساس الذاكرة.
في أدائه… حكاية
لم يكتفِ بالشعر كتابة بل خبرته في مجال الأداء وإلقاء الشعر جيدة، فهو لا يطرح أداء معيناً بحيث يفرض المكان والجوّ اتجاهه في الإلقاء، تارةً يختار الحزم وتارة أخرى التهكّم، وبطريقة ما يجذبك حتى نهاية القول، وفي نهايته ترجو منه المتابعة، في زخم الحضور وضوضاء الشعور.
يُتّهم عماد الدين «بالتمسرح» أثناء إلقاء الشعر، ويجيب عن ذلك قائلاً: تقييم الشعر لا يعتمد فقط على الإلقاء بل على الكتابة الشعرية من ناحية الصورة والنحو والبحور والأبيات وأخيراً الإلقاء، بالتالي إلقاء القصيدة الجيد يختلف عن تلك التي لا معاني فيها أو صورة. أعتبر إلقائي ميزة في شعري، أعبّر عنه من نفسي وأوصله بتلقائية للحضور.
أركان الشعر بين الشعور والمنطق
يتميز عماد الدين طه بشعره الموزون وبعض القصائد العامية، حيث يقول: ملعبي القصيدة العمودية. فالشعر الحديث ليــس بالشكل بل بالمعنى، أعتمد البحور الشعرية لكن طرح المواضيع هو طرح حديث. القالب الشعري لزجاجة العطر (متفاعلن، متفاعلن متفاعلن) والمادة المقدمة هو العطر! بمعنى آخر أن للشعر شكلاً جمالياً ووظيفياً. الشعر هو شعور، وزن رسالة وقافية ومنطق، وكل هذه الأركان بطل شعري، وأي نقص يودي إلى الفراغ.
يلعب الترتيب اللغوي في الشطور أهمية كبيرة لناحية تناسق الكلمات، فالشطر الثاني يلعب دوراً وظيفياً للشطر الأول، إما شرح له أو تكملة، وليس فقط لخدمة القافية والوزن. فالأهم هو المعنى. وفي بعض الأحيان يتوقّع الكلمة على الوزن وفي الأحيان الأخرى يتفاجأ القارئ بالقفلة.
طُرحت فكرة تحويل بعض قصائده إلى مسرحية حيث يقول عن ذلك: ظروف الحرب على سورية لم تسمح، الإمكانية العملية للتنفيذ واردة.يذكر أن الشاعر عماد الدين طه بصدد عملين جديدين مع الفنان لطفي بوشناق، الأولى قصيدة «عشق» والثانية «حب»، شعر صوفي.