المنطقة والعالم على صفيح ساخن واحتمالات حرب كاملة… والملف النووي الإيراني على الطاولة العراق يبدأ ثأره للمهندس ودفاعه عن سيادته بإعلان قانونيّ “الوجود الأميركي احتلال” نصرالله: القصاص العادل لاغتيال سليماني يعني منطقة خالية من القوات الأميركية
كتب المحرّر السياسيّ
تراجعت كل الملفات المحلية إلى الخلف في كل دول المنطقة، ولبنان منها، بل إن البعض يتحدّث عن الحاجة لإعادة تقييم التوجّهات التي كانت تحكم التعامل مع الملفات المحلية بما فيها الحكومة اللبنانية العتيدة، في ضوء المتغيرات الناجمة عن المتغيرات الكبرى التي دخلتها المنطقة وستسيطر عليها حتى موعد الانتخابات الأميركية خريف هذا العام. فالزلزال الذي افتتحه الإعلان الأميركي عن قرار اغتيال قائدين عسكريين رسميين في دولتين كبيرتين في المنطقة، واحدة تربطها معاهدات أمنية وعسكرية مع واشنطن هي العراق، وثانية تحكم علاقة المواجهة بينها وبين واشنطن ضوابط وقواعد اشتباك وخطوط حمراء هي إيران، قلب الموازين وغير المعادلات.
أول الدهشة هو أنها المرة الأولى التي تعلن فيها دولة مسؤوليتها عن عملية اغتيال مسؤول حكومي لدول أخرى ببيان رئاسي، ما يعني عملياً سقوط كل مفردات القانون الدولي، والعلاقات الدبلوماسية والمواثيق والمعاهدات التي تنظم أصولها. فالإعلان الأميركي عن اغتيال القائدين العسكريين العراقي أبومهدي المهندس والإيراني قاسم سليماني، سابقة لم تشهد العلاقات الدولية مثيلاً لها، وربما لن تشهد، وفي ظروف مختلفة كانت ترتّب عزل الرئيس الأميركي بتهم جنائية وإحالته إلى محكمة الجنايات الدولية كمجرم وقاتل، لكن ذلك لم يحدث ولن يحدث لأن العالم كله بات محكوماً خارج القانون. فالقانون السائد والمهاب الجانب هو قانون القوة، والرئيس الأميركي تخطى بفعلته حدود الانتهاك القانوني الذي تمثله ليُرسي كما في العقوبات المالية التي ينفذها، أن حكومته هي من يضع القوانين ومن يرعى تنفيذها فتعاقب وتحاصر وتقتل على هواها وبقرار رسمي معلن. وما تفعله مع إيران وفي العراق هو رسالة لنصف الكرة الأرضية، حيث لها أصدقاء وحلفاء تربطها بهم معاهدات وتحالفات كحال العراق، ولنصفها الآخر الذي تخاصمه وتخوض معه حال المواجهة كحال إيران ومن خلفها محور المقاومة.
صمت العراق وتقبّله السلوك الأميركي يعني فتح الباب لإذلال كل من يرتبط بمعاهدة مع واشنطن واستباحة سيادته ودماء قادته، وصمت إيران يعني تصفية قادة المقاومة واستهداف بناها ومقدراتها، وفرض الحكم العرفي في المنطقة بحق كل الذين يخالفون واشنطن ويخاصمونها، والرسالة تصل لدول أوروبا في النموذج العراقي ولدول عظمى كروسيا والصين في الرسالة الإيرانية.
قرّر العراق ألآ يصمت وأن يوجّه رسالة الدفاع عن السيادة والثأر للدماء، فأصدر مجلس النواب العراقي قانوناً ينهي المعاهدة الأمنية مع الحكومة الأميركية، ويعلن وجود القوات الأميركية في العراق احتلالاً أجنبياً ينتهك السيادة، فصارت مقاومته مشروعة. وأعلن رئيس الحكومة المستقيلة عادل عبد المهدي أن القوات العراقية لن تستطيع بعد اليوم حماية القوات الأميركية ولا استضافتها، وأن المؤسسات العراقية المعنية بدأت ترتيبات إنهاء الوجود الأميركي.
قررت إيران على أعلى مستوياتها الدينية والدستورية والسياسية والعسكرية أن قرار الرد سيكون حاسماً، وأن المواجهة فتحت ولن تتوقف بدون الثأر للقائد قاسم سليماني، وتحدثت مصادر إعلامية إيرانية عن مراجعة قانونية تجري لالتزامات إيران النووية، بعدما تمّ فتح الباب لتخصيب اليورانيوم بلا قيود. وتحدّثت مصادر أوروبية عن القلق من قرار إيراني مفاجئ بامتلاك القنبلة النووية والخروج من الطابع السلمي لبرنامجها النووي، للحصول على قدرة الردع اللازمة بوجه الجموح الأميركي بعما ظهرت محدودية المناخ الدولي على وقف الاندفاعات الإجرامية للرئيس الأميركي، بينما قالت مصادر متابعة في طهران إن الرد لن يكون متسرعاً لكنه لن يتأخر، وسيكون على أهداف عسكرية أميركية، وربما يطال منشآت في كيان الاحتلال وقواعد في الخليج وأفغانستان، بعدما تكفل العراقيون بترحيل القوات الأميركية من العراق، وبعدما بدا مع موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن قوى المقاومة ستتكفّل بالتعامل مع الوجود العسكري الأميركي في عدد من دول المنطقة.
كلام السيد نصرالله الذي شرح السياق السياسي لعملية الاغتيال، ومعاني الإعلان الرسمي عن المسؤولية الأميركية، تضمّن تحديداً للموقف الذي يتبناه محور المقاومة في التعامل مع مرحلة جديدة قال إنها بدأت مع الاغتيال، حيث جعل ترجمة القصاص العادل الذي دعا إليه رداً على الاغتيال، بجعل المنطقة خالية من أي وجود عسكري أميركي، داعياً كل قوى المقاومة إلى ترجمة هذا الالتزام في ساحتها ووفقاً لقدراتها وخططها.
مصادر متابعة للملف الإقليمي والدولي قالت بعد كلام السيد نصرالله، إن الكلمة هي برنامج العمل الذي يعبر عن رؤية محور المقاومة بدوله وقواه، بعدما أتاحت الساعات الفاصلة عن الاغتيال حالة تشاور وتواصل على أعلى المستويات أفضت إلى رسم الخيار المشترك، الذي يعني دخول المنطقة والعالم مرحلة جديدة، بحرب مقاومة تهدف إلى إخراج القوات الأميركية من المنطقة، وهذا تحوّل نوعي في الجغرافيا السياسية والعسكرية والاقتصادية في العالم. وتوقعت المصادر أن تؤدي ترجمة هذا القرار على مستوى قوى محور المقاومة وحكوماته إلى نصف حرب، ربما تتحوّل إلى حرب كاملة إذا واصل الرئيس الأميركي التعامل برعونة مع المنطقة وتوازناتها، وتساءلت عما إذا كان العالم بجناحيه الملتحق بالسياسات الأميركية والمختلف معها قادر على فعل شيء يمنع الانزلاق إلى مواجهة كبرى سيكون لها الكثير من الانعكاسات والتداعيات على الملف النووي الإيراني وسلميّته أولاً، وعلى طرق التجارة الدولية ومضيقاتها وممراتها المائية ثانياً، وعلى أسواق النفط والغاز ثالثاً. وتساءلت المصادر عما إذا كان الرأي العام الأميركي والمؤسسات الدستورية الأميركية سيستطيعان منع الانفجار الكبير في توقيت مناسب، طالما أن شهوراً عدة لا تزال تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي ينظر إليها المتابعون كمناسبة لوقف التصعيد بإزاحة الرئيس الأميركي من المشهد السياسي، فماذا حتى ذلك الحين، وما سيقع من ضحايا وما سيُراق من دماء، وما يخرب من عمران؟
وأكد السيد نصر الله أن «هذا الاعتداء الأميركي هو بداية أميركية في المنطقة وهو حرب جديدة من نوع جديد، وقد بحثت أميركا عن شيء يحقق لها إنجازاً ويدعم حلفاءها ويكسر محور المقاومة ولكن لا يؤدي إلى حرب مع إيران».
وكشف السيد نصرالله أنه قال للشهيد سليماني في الزيارة قبل الأخيرة «إن هناك تركيزاً في الإعلام الأميركي عليك لاغتيالك، فرد الحاج قاسم بالابتسامة قائلاً «ادعُ لي بذلك»، مشيراً إلى «أنه أينما ذهبوا أميركا و»إسرائيل» في المنطقة وفي كل محور المقاومة كانوا يجدون قاسم سليماني في مواجهتهم من سورية إلى العراق واليمن وأفغانستان».
ولفت السيد نصرالله الى “أن “اسرائيل” تعتبر أن أخطر رجل على وجودها وكيانها هو قاسم سليماني وكانت لا تتجرأ على قتله فلجأت إلى أميركا لقتله، وكانوا يأملون باغتيال الحاج قاسم أن يحصل وهن بالعراق وأن يتراجع محور المقاومة وأن يسقط التنسيق بين المحور وأن تخاف إيران فتتراجع وغير ذلك”. وأضاف أن القصاص العادل يعني إنهاء الوجود الأميركي من القواعد العسكرية والبوارج وكل ضابط وجندي أميركي على أرضنا في المنطقة”. وتابع “عندما تبدأ نعوش الضباط والجنود الأميركيين بالعودة إلى بلادهم سيدرك ترامب أنه خسر، وعندما يرحل الأميركيون عن منطقتنا سيصبح تحرير القدس أقرب”.
وتناوب الخبراء والمحللون العسكريون على محطات التلفزة على تحليل خطاب السيد نصرالله، حيث أجمعوا على أن المنطقة أمام مرحلة جديدة من المواجهة مع الولايات المتحدة وأن ثمن اغتيال سليماني سيكون نهاية الوجود الأميركي في المنطقة، مشيرين الى توحيد جبهات وقوى ودول محور المقاومة استعداداً للرد السريع على اغتيال سليماني والمهندس.
ووصف الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور هشام جابر خطاب السيد نصرالله بالاستراتيجي وإعلان لمرحلة جديدة وفاصلة من تاريخ الصراع بين المحور الأميركي ومحور المقاومة، ولفت جابر لـ”البناء” الى أن “السيد نصرالله حدّد دائرة الرد بالتواجد الأميركي في المنطقة وهدفه إنهاء هذا الوجود العسكري كلياً وبالتالي السياسي والاقتصادي”. وبرأي العميد جابر فإن “الرد سيتركز على مجموعة كبيرة من القواعد العسكرية والمصالح الاقتصادية الأميركية في أي مكان يتواجد فيه حلفاء وأذرع إيران في كامل المنطقة”. وتوقع جابر أن يكون الرد الايراني سريعاً وليس متسرّعاً ومدروساً ويهدف لتحقيق أهداف استراتيجية عسكرية وسياسية أهمها إخراج الأميركيين من العراق وسورية ثم من الخليج، ويوضح جابر أنه “صحيح أن الولايات المتحدة اقوى عسكرياً من إيران في العراق، لكن الوجود العسكري الإيراني في سورية أقوى من الوجود الأميركي لكن بشكل غير مباشر، فلديها عشرات الآلاف من المقاتلين من حلفائها في حزب الله والحشد الشعبي ومستشارين إيرانيين وغيرهم وقادرة على ضرب القوات الأميركية في سورية المحصورة فقط في قاعدتي التنف ودير الزور، حيث تواجد النفط، فيما قادرة إيران على ضرب مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية لأميركا في العراق لا سيما في قاعدة عين الأسد فضلاً عن البوارج الاميركية في الخليج”، ويستنتج جابر من كلام السيد نصرالله بأن “الردّ سيكون متتالياً وعلى دفعات من جبهات محور المقاومة، إنما بشكل لا يُجبر الولايات المتحدة على ضرب الـ52 هدفاً في إيران”. وحذر جابر من أن “قيام واشنطن بهذه الخطوة ستشعل المنطقة بأسرها في حرب كبيرة، ما يدفع إيران الى إطلاق عشرات آلاف الصواريخ على القواعد الأميركية في الشرق الاوسط والخليج البالغة 51 منصة أساسية من جيبوتي الى الخليج”، وتوقع جابر “رداً فلسطينياً على “إسرائيل” ورداً من اليمن عبر ضرب مصالح حلفاء واشنطن في البحر الأحمر والخليج”.
وفي موازاة الجهود الرسمية للإسراع بتأليف الحكومة الجديدة، انشغلت الأوساط السياسية الداخلية بالتداعيات المحتملة للتصعيد الاقليمي على لبنان، فقد أجرى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، عدداً من الاتصالات بنظرائه وزراء الخارجية الإقليميين والدوليين، شدد فيها على “وجوب تجنب التصعيد في المنطقة ووضع حد للتوتر الحاصل، لئلا يؤدي الى وقوع حرب في المنطقة لا تُحمد عقباها”.
وأكد “موقف لبنان بوجوب إبعاده عن التداعيات السلبية لهذا التصعيد، والحاجة الى التفاوض بدلاً من العنف، لأن الحوار يؤمن الحلول ويحفظ الأمن والاستقرار، وهما حاجة حيوية للبنان لخروجه من ضائقته المالية الصعبة”. ولمس باسيل “تفهماً كاملاً للوضع اللبناني والحاجة إلى تجنيبه أي أضرار إضافية”. على صعيد تأليف الحكومة رجحت أوساط نيابية لـ”البناء” إعلان الحكومة خلال أيام بعد تذليل العقد المتبقية، فيما تحدث وزير المال علي حسن خليل عن تقدم كبير وأننا “قاب قوسين او ادنى من إعلان الحكومة”، مضيفاً: “لا يعنينا اسم وشكل الحكومة انما يعنينا مشروعها القادر على بناء الثقة مع الناس، نريد حكومة تترجم الإصلاح إصلاحاً حقيقياً ولا تعتمد على الشعارات إنما على الأفعال”.